وأخيراً، أقرّ تحالف العدوان على اليمن بالعجز. إقرارٌ كلّف الوزير الإماراتي، أنور قرقاش، الكثير من الحيل اللغوية للتغطية على حقيقة الموقف. ومع ذلك، لم يستطع حجب الوقائع الميدانية التي حملت أبو ظبي ومعها الرياض على إعلان وقف حملتهما على الحديدة «مؤقتاً». الإعلان، الذي جاء في صورة تَفضُّل على الأمم المتحدة، يسهل دحض الأسباب التي أوردها قرقاش بشأنه، لكن تبقى ثمة علامات استفهام حول نوايا «التحالف» من ورائه، وما إذا كانت الإمارات والسعودية قد وصلتا فعلاً إلى اقتناع بعدم جدوى العمل العسكري على الساحل الغربي، أو أنهما تريدان التقاط الأنفاس والبحث عن خطة بديلة؟ لعلّ تلك التساؤلات هي التي دفعت «أنصار الله» إلى التعامل بحذر مع تصريحات قرقاش، واصفةً إياها بـ«المشبوهة»، ومعتبرةً أنها تستهدف «تضليل الرأي العام».يوم أمس، غرّد قرقاش على «تويتر» قائلاً «(إننا) نرحب بالجهود المتواصلة التي يبذلها المبعوث الخاص للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، لتحقيق انسحاب غير مشروط للحوثيين من مدينة الحديدة ومينائها»، مضيفاً «(أننا) أوقفنا حملتنا مؤقتاً للسماح بوقت كاف لاستكشاف هذا الخيار بشكل كامل»، متابعاً أن «عملية تحرير الحديدة... نجحت في تحرير المطار». لكن، وبعد حوالى ساعة من تلك التغريدات، عاد قرقاش ليدّعي أن «التحالف قام بإيقاف مؤقت للتقدم باتجاه المدينة والميناء في 23 حزيران/ يونيو الماضي». تنبّه الوزير الإماراتي ـــ على ما يبدو ـــ إلى أن خللاً بائناً يعتري روايته الأولى؛ إذ كيف يمكن تفسير استمرار العمليات خلال الأيام الماضية إذا كان أقصى ما حققه الهجوم، والذي يتباهى به قرقاش رغم أنه هو الآخر بعيد من الواقع، «تحرير مطار الحديدة»؟
هنا، تتقدم المعطيات الميدانية لتجبر الكسر في رواية قرقاش. ولعلّ من غير المضير التذكير بها لتبيان تسلسل الأحداث الذي ألجأ «التحالف» إلى هذه الحيلة. استعجل الإماراتيون، بداية العمليات، تحقيق إنجاز عبر محاولتهم تنفيذ إنزال بحري في مدينة الحديدة، لكن استهداف الجيش واللجان بارجة إماراتية حينذاك أفهم المهاجِمين بأن خطة الإنزال مكلفة وغير مضمونة النتائج. على الأثر، انطلق الهجوم على مطار الحديدة، لتُعلن في غضون ساعات سيطرة الميليشيات المدعومة إماراتياً عليه. سيطرة لم تكن في الواقع إلا دخولاً محدوداً في الزمان والمكان، سرعان ما بدأت على أثره الانتكاسات. استرجعت القوات اليمنية المساحات الساقطة من المطار، وأجبرت المهاجِمين على الخروج منه إلى الدريهمي. وتوازياً مع ذلك، تكثفت عمليات الاستنزاف على طول الساحل، ليتمكن الجيش واللجان بفعلها من قطع خطوط إمداد القوات التابعة لـ«التحالف». عاودت قوى العدوان، خلال تلك الفترة، محاولاتها السيطرة على المطار من دون جدوى، في وقت كان فيه الخناق يشتدّ عليها وعلى مسانديها من الخلف، حتى باتت بين فكّي كماشة. هذا الوضع أغضب الإماراتيين، وحَمَلَهم على إمهال ميليشياتهم أسبوعاً بدأ منذ الـ 23 من الشهر الفائت (أي اليوم نفسه الذي زعم قرقاش أن الهجوم توقف فيه) وانتهى في الـ 29 منه لاستعادة خطوط الإمداد المقطوعة (الأخبار ـــ السبت 30 حزيران 2018)، لكن القوات الموالية لـ«التحالف» عجزت عن تحقيق أي اختراق.
الحوثي: جاهزون للبحث في كيفية إخراج مرتزقة الإمارات من الحصار


على الرغم من كل تلك الوقائع، أصرّ قرقاش على ربط البطء الذي وسم عمليات «التحالف» بالحرص على تقليل «الإصابات الميدانية»، مدعياً في الوقت نفسه «(أننا) نجحنا في إجبار الحوثيين على تقديم تنازلات». وهو بذلك يصدّر مغالطتين: أولاهما أن الميليشيات المدعومة إماراتياً تمكنت من السيطرة على مطار الحديدة، الأمر الذي تنفيه الحقائق الموثقة بالصورة. وثانيتهما أن هذا الإنجاز المفترض الذي أريد فرضه بالحرب النفسية والإعلامية هو ما دفع «أنصار الله» إلى «التنازل»، علماً بأن المقترح الأممي بشأن ميناء الحديدة ليس وليد الشهر الماضي، إنما أعيد إحياؤه مع اندلاع الهجوم على الحديدة، وأن سلطات صنعاء لم تمانع سابقاً إشراف المنظمة الدولية على عمل الميناء. استعداد عاود قائد «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، إبداءه في خطاب في الـ 20 من الشهر الماضي، لتتوالى على الأثر تصريحات قيادات الحركة المتسمة بالإيجابية نفسها، وآخرها أمس للناطق باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام. لكن الأخير بدا حريصاً على دحض المغالطة التي أوردها قرقاش، بتشديده على أن ما يدور الحديث عنه ليس تسليماً للميناء، بل «دور فني للأمم المتحدة» داخله. وأكد عبد السلام أن «العدوان على الحديدة وعلى امتداد الساحل الغربي لم يتوقف»، معتبراً «إعلان الإمارات محاولة مكشوفة للتغطية على الفشل العسكري».
موقف عبد السلام يشي بأن الحركة لا تلتمس صدقية في الإعلان الإماراتي، وخصوصاً أن الميليشيات الموالية لـ«التحالف» لا تزال موجودة على مسرح العمليات. ومن هنا، جاء إعلان رئيس «اللجنة الثورية العليا»، محمد علي الحوثي، «جاهزيتنا للتواصل مع الإماراتيين لبحث كيفية إخراج مرتزقتهم من الحصار»، وذلك من أجل «معرفة ما إذا كانوا صادقين في إيقاف عدوانهم على الحديدة». حقيقة سيكشفها، إلى جانب بروز «إجراءات حسن نيات» أو غيابها، المسار الذي ستتخذه جهود المبعوث الأممي خلال الأيام المقبلة. يصل مارتن غريفيث، اليوم، إلى مدينة عدن، حيث سيلتقي مجدداً الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي. على ضوء هذا اللقاء وما سيعقبه، يمكن التثبت مما إذا كان «التحالف» «جاداً» في العودة إلى المسار السياسي، أو أنه يستخدم المساعي الأممية لـ«كسب الوقت». وتلك هي المعادلة نفسها التي أرساها قرقاش أمس، إنما واضعاً «الحوثيين» مكان «التحالف»!



ترحيب بقرار بلجيكا ضد السعودية
رحّبت حركة «أنصار الله»، أمس، بقرار مجلس الدولة البلجيكي (المحكمة الإدارية العليا في بلجيكا) تعليق رخص لبيع أسلحة للمملكة السعودية. ووصف رئيس «اللجنة الثورية العليا»، محمد علي الحوثي، القرار بأنه «موقف إيجابي» و«صفعة سياسية» لتحالف العدوان. وأوقف مجلس الدولة البلجيكي، أول من أمس، أربع رخص تسليح للسعودية كانت أمضتها حكومة مقاطعة والونيا. وأرجع المجلس قراره إلى أن تلك الرخص أجيزت من دون دراسة مدى توافقها مع القانون، ولا إمكانية استخدام الأسلحة التي ستُصدّر بموجبها «ضد الآخرين، وخارج إطار الدفاع عن النفس». وأوضح المجلس، في بيان، أن الشكاوى المُقدّمة إليه تتصل بعشرين رخصة تسليح، مستدرِكاً بأن معظم هذه الصفقات «قد تمّ بالفعل»، وأن قرار التعليق يطال فقط الصفقات التي لم تُنفّذ بعد. والجدير ذكره، هنا، أن السعودية تُعدّ الزبون الأول لشركات الأسلحة في مقاطعة والونيا البلجيكية، بعدما بلغت مشترياتها منها 153 مليون يورو عام 2017.