بعدما فشل البرلمان في التمديد لنفسه، رغم المحاولات المتكررة التي قادها رئيسه سليم الجبوري، تدخل البلاد في فراغ تشريعي هو الأول منذ سقوط النظام السابق في نيسان/ أبريل 2003. الجبوري الذي سعى إلى تمديد عمر البرلمان حتى إعلان «المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» النتائج النهائية للانتخابات التشريعية والمصادقة عليها، غاب عن آخر جلسة لمجلسه، وسط حديث عن «سفر اضطراري» إلى خارج البلاد، إذ تواترت الأنباء عن أن الرجل، ومعه زعيم «حزب الحل» جمال الكربولي ومحافظ صلاح الدين أحمد عبد الله الجبوري والأمين العام لـ«المشروع العربي» خميس الخنجر، موجودون ــ منذ الجمعة ــ في تركيا، لـ«غرض الاتفاق على قيام تكتل سنّي، يضم أكثر من 45 نائباً» (راجع «الأخبار»، العدد 3501). ووفقاً لهذه المعلومات، فإن انخفاض حماسة الجبوري مردّه إلى وجود «تسوية» بين قوى «البيت السنّي»، تقضي بتراجع رئيس البرلمان عن مطلب التمديد، مقابل عودته إلى مجلس النواب رئيساً للكتلة «السنيّة» المرتقب تشكيلها، والتي ستطرح اسمه رئيساً مقبلاً للسلطة التشريعية.وعلى أي حال، فإن الفراغ الذي دخلته البلاد، منذ أول من أمس، يحصر إدارتها بيد الحكومة الحالية برئاسة حيدر العبادي. ولئن اتخذت هذه الإدارة عنوان «تصريف الأعمال»، إلا أنها تتسم بصلاحيات شبه مطلقة في الحكم، وإمكانية اتخاذ القرارات التي يراها العبادي مناسبة، باستثناء تلك المرتبطة بموافقة البرلمان. واقع سيظل قائماً حتى إعلان نتائج الانتخابات، بعد أن تُنهي «المفوضية» عملية العد والفرز اليدويّين، والتي ستنطلق غداً الثلاثاء، وفق ما أعلنه المتحدث الرسمي باسم «المفوضية» ليث حمزة، في وقت أيّدت فيه «الهيئة القضائية للانتخابات» في محكمة التمييز الاتحادية، أمس، قرار العد والفرز اليدويّين لأصوات الناخبين بشكل جزئي، وذلك في «المراكز الانتخابية التي رُفعت بشأنها شكاوى فقط، وليس في جميع المراكز الانتخابية في عموم العراق»، لافتةً في بيانها إلى أن «قرار الهيئة القضائية جاء تماشياً مع القرار الصادر عن المحكمة الاتحادية العليا».
أيّدت «الهيئة القضائية» الطابع الجزئي لعملية العدّ والفرز اليدويّين


وفيما يأمل معظم القوى السياسية الانتهاء سريعاً من عملية العد والفرز والإعلان عن النتائج، يتواصل الحديث عن دعاوى التزوير والتلاعب بالنتائج. وآخره ما جاء أمس على لسان النائب السابق، أحد المرشحين لرئاسة الوزراء، خلف عبد الصمد، الذي تحدث عن إدلاء عضو «مجلس المفوضين»، سعيد كاكائي، بـ«معلومات خطيرة خلال جلسة مجلس النواب الأخيرة، حول (مدى) تطابق نتائج الانتخابات بين ما هو موجود في الفلاشات، وما أرسل بالسيرفر»، مشيراً إلى أن «نسبة تطابق نتائج البصرة كانت صفر بالمئة». وأضاف أن «الحقائق التي تتكشف يوماً بعد يوم تزيد من مخاوف الجميع بأن تزويراً كبيراً وتلاعباً فاضحاً قد حصل في الانتخابات»، معتبراً أن «السكوت عمّا حصل يمثل خيانة للقسم الذي اؤتمن عليه كل المتصدين».
هذا المشهد السياسي الذي يبدو أنه يزداد تعقيداً بدأت انعكاساته الأمنية تأخذ منحى خطيراً، وفق ما كان حذّر منه البعض. وفي جديد تلك الانعكاسات، أفيد أمس عن مقتل شخص وإصابة 21 آخرين في تفجير انتحاري استهدف مخازن صناديق الاقتراع في مدينة كركوك، من دون أن يؤدّي إلى إلحاق أضرار بالمخازن وصناديق الاقتراع، بحسب ما أكده محافظ كركوك، راكان سعيد الجبوري، الذي دعا «المفوضية» إلى «نقل صناديق الاقتراع إلى مكان آمن، والبدء بعمليات العد والفرز اليدويين على وجه السرعة». بدورها، قالت وزارة الدفاع إن «القوات الأمنية في محافظة كركوك تصدّت لإرهابي انتحاري يقود عجلة مفخخة من نوع سلفادور»، موضحة أنه «تم إطلاق النار على الانتحاري قبل وصوله إلى مخازن العلوة الشعبية (مخازن وزارة التجارة)، عند مدخل محافظة كركوك». ومقابل اكتفاء معظم القوى السياسية بإدانة الحادثة، اعتبرت «الجبهة التركمانية في العراق» التفجير الانتحاري محاولة لـ«إعاقة عمليات العد والفرز» اليدويّين، واصفة ما جرى بـ«الجريمة المدبّرة»، وأنها «امتداد لحادثة حريق صناديق الاقتراع التي وقعت في جانب الرصافة، في بغداد، الشهر الماضي».