الخرطوم | ليست هذه الحملة الأولى من نوعها منذ إعلان الحكومة سياسة التحرير الاقتصاديّ في عام 2011، لكنّها الأولى التي تنطلق من خارج العاصمة الخرطوم وتحديداً من مدينة عطبرة في ولاية نهر النيل شمال السودان، وذلك من خلال مجموعة على موقع «فايسبوك» جمّعت عشرات آلاف المستخدمين.وفي حين بلغ سعر الكيلوغرام من «لحم الضأن» 250 جنيهاً (8 دولارات)، بلغ سعر كيلوغرام «لحم البقر» 150 جنيهاً (5 دولارات)، أما بخصوص «اللحوم البيضاء» فقد وصل سعر كيلوغرام الدجاج إلى 60 جنيهاً (2 دولار) والسمك إلى 120 جنيهاً (4 دولارات).
الساعات الأولى من بدء الحملة شهدت ركوداً عاماً في سوق اللحوم في مدينة عطبرة، ولم تمض إلا ساعات قليلة حتى ارتفعت مكبرات الصوت لتروج للحوم ذاتها، لكن بأسعار جديدة منخفضة، حيث صار سعر كيلوغرام «لحم البقر» 120 جنيهاً. وخلال متابعة «الأخبار» ليوم الحملة الأول في العاصمة الخرطوم، لوحظ ضعف في حركة البيع والشراء في المحالّ المخصصة لبيع اللحوم بضاحية يثرب جنوبي المدينة، وقال عمر أحمد، صاحب أحد المحالّ إنّه «لا توجد مقاطعة كاملة، لكن ما حدث هو أنّ المواطنين اشتروا كميّات من اللحوم قبل يوم من بدء المقاطعة»، مضيفاً بتهكم: «يأتي أحدهم ويشتري كيلوغرامين من اللحم، ويقول لك إني غداً مقاطع شراء اللحوم». وعزا عمر ارتفاع الأسعار إلى ارتفاع أسعار المواشي، وربط ذلك بتضاعف سعر العلف.
أما المواطنة سهام أحمد، فقد ضحكت وهي تجيب عن سؤال «الأخبار» حول مشاركتها في حملة المقاطعة قائلة: «أنا فعلياً مشاركة في المقاطعة منذ عشرة أيام لأني لم أتمكن من شراء حتى ربع كيلوغرام من اللحم نتيجة ارتفاع أسعاره المبالغ فيه»، وواصلت «لا أدري ما هو الحد الذي ستقف عنده الأسعار، كل يوم يمر علينا نشهد زيادة جديدة في كلّ السلع وليس اللحوم وحدها».
القصد من الحملة ليس محاربة البائعين، بل محاربة الوسطاء


يعتبر عاطف ابراهيم، صاحب فكرة المقاطعة، وهو من مدينة عطبرة في ولاية نهر النيل شمال البلاد، أنّ القصد من الحملة ليس إلحاق الضرر بالبائعين، بل العكس، هم بدورهم ضحايا. وقد أعلن عدد منهم مساندته للحملة حتى تزيد القوّة الشرائيّة، باعتبار أنّ حالة الركود أضرت بمصالحهم. ويقول ابراهيم أثناء حديثه إلى «الأخبار» إنّ «المشكلة الحقيقية في جشع تجار المواشي الذين شرعوا في رفع الأسعار بعد إعلان إفلاس بنك الثروة الحيوانية وبيعه، وبالتالي إيقاف التمويل للتجار. أما البائعون فهم ضحية لغول السوق أيضاً».
وخلال جولة قام بها عدد من الناشطين التابعين للحملة في الأسواق عشيّة انطلاقها، تبيّن لهم أنّ المسلخ الخاص باللحوم في سوق مدينة عطبرة توقف عن العمل منذ السبت، بحجة وجود حملة لتنظيف المسلخ، ما أدى إلى حدوث ندرة اللحوم، الشيء الذي كان مدعاة للتساؤل والاستفهام. إذ يرى القائمون على الحملة أنّ الغرض الأساسيّ من توقيف عمل المسلخ هو شلّ حركة السوق وخلق ندرة في اللحوم، ما يتسبب في حالة من الهلع بين المواطنين والتسابق على شراء اللحوم في اليوم التالي، وهو اليوم المحدد لبدء المقاطعة.
وقد عملت الحملة على بثّ منشورات توعية عبر وسائط التواصل الاجتماعيّ، بأهمية المقاطعة والتذكير بأنّ المتضرر من ارتفاع الأسعار هو المواطن، والحثّ على العمل من أجل المصلحة العامة عبر إعلان مقاطعة شراء اللحوم إلى حين انخفاض أسعارها. بموازاة ذلك، نشطت مجموعات خاصة بالطبخ عبر موقع «فايسبوك» و«الواتساب» في نشر بدائل لوجبات خالية من اللحوم مع وصف كامل لكلّ مكوناتها التي ركزت بشكل أساسي على الخضروات والبقوليّات.
من ناحيته، بدا رئيس «جمعية حماية المستهلك» نصر الدين شلقامي، متفائلاً بنجاح الحملة، ومؤكداً أنّ الغرض منها هو أن «يتعرف المستهلك إلى حقوقه... لديه سلاح وهو المال، متى ما وجد ارتفاعاً في سعر أيّ سلعة عليه الإحجام عن الشراء». وكدليل على نشر تلك الثقافة في المجتمع، استدل شلقامي في حديثه إلى «الأخبار» بالقول إنّ «حملة المقاطعة جاءت من المجتمع في مدينة عطبرة وتبنتها جمعية حماية المستهلك»، وتابع: «وجدت الحملة صدى واسعاً وصل حتى غرب السودان في مدينة كادقلي، حيث أغلقت معظم المحال أبوابها، مثلما نجحت نجاحاً كبيراً في الخرطوم. وقد تأكدنا من ذلك عبر تشكيل الجمعية فرقاً طافت على أسواق العاصمة لمعرفة آثار الحملة».
وأشار شلقامي إلى أن القصد من الحملة ليس محاربة البائعين، بل محاربة الوسطاء الذين يتدخلون في المنتصف ويتسببون في زيادة الأسعار، إذ «بين تاجر المواشي والمسلخ هناك وسيط، وبين المسلخ والبائع يوجد وسيط، هدفنا القضاء على هؤلاء الوسطاء». وكانت «جمعية حماية المستهلك» السودانية التي تأسست في عام 1997 لرفع وعي المواطن بحقوقه كمستهلك، قد أطلقت قبل خمسة أعوام شعار «الغالي متروك» كشعار يصلح لكلّ زمان، متى ما دعت الحاجة إليه.