بغداد | قبل سقوط مدينة الموصل (شمال العراق) بيد تنظيم «داعش» في 9 حزيران 2014، كانت القوات الأمنية العراقية تخوض حرباً أمنيةً قاسية ضد أكثر التنظيمات إرهاباً في العالم. أظهر التنظيم في إصداراته المصوّرة بعضاً من جوانبها. إصداراتٌ وصل بعضها حدود «الساعة التلفزيونية» (50 دقيقة تقريباً)، وثّق فيها التنظيم «الشريحة المستهدفة» من عمليات الخطف والإعدام، ودوافعها. صُبغت تلك العمليات بمبدأ «اضرب واهرب»، ذلك أنها كانت «خلف خطوط العدو (الدولة)» أو في عمق مناطقه «الآمنة». هذه الاستراتيجية تبدّلت مع إعلان «دولة الخلافة»، لكنها عادت مع استعادة القوات الأمنية المدن والقرى، حتى إعلان حكومة حيدر العبادي «النصر العظيم»، أواخر العام الماضي. القضاء العسكري على التنظيم، لا يعني انتهاء المواجهة، وخاصّةً أن النقاش المطروح في بغداد يدور في فلك القضاء على «فكر داعش» قبل القضاء على مسلحيه؛ أي أن المواجهة ستأخذ شكلاً آخر، لتعود إلى مرحلة «ما قبل سقوط الموصل»، أي المواجهة الأمنية. فالقوات الحكومية، وإلى جانب عمليات الدهم والتفتيش والتطهير والصد... المستمرة في المناطق الصحراوية (خصوصاً على طول الحدود مع سوريا)، أو في جبال حمرين وصحراء العظيم، يصعب عليها ــ نظراً إلى التضاريس الصعبة ــ فرض سيطرتها، أو في المناطق الواقعة في محيط كركوك وديالى، حيث لا يزال المسلحون قادرين على نصب حواجز وهمية وخطف المارّة، فإنها تواصل ــ وبشكلٍ موازٍ ــ عمليات الرصد والمتابعة، وتفكيك الخلايا النائمة. مواجهةٌ لا تزال ــ بتعبير مصادر أمنية حكومية ــ «طويلة الأمد»، مؤكّدة في حديثها إلى «الأخبار» أن «الحزم في معاقبة الإرهابيين ــ نتيجة الضغوط السياسية ــ يشكّل عائقاً أمام تحقيق ردعٍ كامل لأي عمل إرهابي».
وعليه، فإن المواجهة الأمنية ما لم تعزّزها بغداد بـ«تطبيق أحكامٍ نائمة في أدراج القضاء»، سينتهج الطرف المقابل أساليب جديدة تأخذ منحىً أشد عنفاً، لذا كان قرار العبادي «التأديبي» أمس، بوصف مصادر أمنية، أسفت لتأخّره، نظراً ــ على سبيل المثال ــ الى أن بعض المتهمين بسقوط الموصل أو «مجزرة سبايكر» (راح ضحيتها أكثر من 1700 عسكري)، لا يزالون قابعين في السجن، بالرغم من «الإدانة القطعية» وأحكام الإعدام الصادرة بحقهم، إضافةً إلى أن مجموع «المراسيم الجمهورية» في ما يخص المدانين بأحكام «قانون مكافحة الإرهاب»، وغير المنفذة حتى الآن هي 64 مرسوماً.
أسفت المرجعية الدينية للتغاضي الحكومي عن خطف الرهائن وانشغالها بالانتخابات


حكم الإعدام بحق 13 مُداناً، بناءً على أوامر العبادي، يأتي في هذا السياق، إذ أشار مكتبه في بيان إلى أن «تنفيذ حكم الإعدام بـ 12 إرهابياً من الذين اكتسبت أحكامهم الدرجة القطعية» (الأحكام القطعية هي التي يُرفض فيها الاستئناف، وصادقت عليها رئاسة الجمهورية). هذا القرار جاء تنفيذاً لوعد العبادي بـ«الاقتصاص» من الإرهابيين، في ردٍّ على إعدام «داعش» ثمانية رهائن لديه، عُثر على جثثهم الأربعاء الماضي بعدما خُطفوا على طريق بغداد ــ كركوك.
بدورها، لم تحدّد وزارة العدل هويّات المحكومين، بل أشارت إلى أن عملية الإعدام شنقاً تمت في «سجن الحوت» في مدينة الناصرية، جنوب البلاد، مرفقةً بيانها بصور تظهر المدانين قبل الإعدام وبعده، في سابقةٍ عُدّت الأولى من نوعها، فسّرها البعض أنها تأتي في سياق «الحرب النفسية على الإرهابيين»، حتى تُشكّل هذه الحادثة «رادعاً للإرهابيين الآخرين». أما وزير العدل حيدر الزاملي، فأوضح أن حكم الإعدام نفذ بحق 13 مداناً، و«هي الوجبة الثانية لعام 2018»، مضيفاً أن «أحكام المنفذ بهم ضمن قانون مكافحة الإرهاب، ما بين الاشتراك بالعمليات المسلحة مع المجاميع الإرهابية وعمليات الخطف والتفجير وقتل المدنيين».
وأمام تداعيات هذا الحدث، كان تعليق المرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني) لافتاً أمس، ودعوتها الحكومة إلى «عدم التغاضي عن القضاء على الإرهابيين والانشغال بالانتخابات»، منتقدةً تقاعس السلطات في إنقاذ الرهائن، بالقول: «لم تنفع مناشدة ذوي الرهائن في قيام الجهات المعنية بالتحرك السريع لإنقاذ هؤلاء». وأشارت إلى أنه «سبق أن نبهنا الى أن المعركة مع عصابات داعش لم تنته (...) إذ لا تزال مجاميع من عناصرها تظهر وتختفي بين وقت وآخر»، معربةً عن أسفها للتغاضي الحكومي، و«الانشغال بالانتخابات، وعقد التحالفات والصراع على المناصب والمواقع، وعن القيام بمتطلبات القضاء على الإرهابيين وتوفير الحماية والأمن للمواطنين»، لتجدّد دعوتها إلى «الرد السريع والمجدي على جريمة اختطاف وقتل المواطنين الستة، والقيام بجهد أكبر استخبارياً وعسكرياً في تعقب العناصر الإرهابية وملاحقتها».
هذه المواجهة ــ وإن كانت أمنية (وبمختلف تداعياتها) ــ وقرار العبادي المفاجئ بإعدام الإرهابيين، هي انعكاسٌ للصراع السياسي الحاصل في «بلاد الرافدين». فـ«بند محاربة الإرهاب والقضاء عليه، وحصر السلاح بيد الدولة» أوّل اهتمامات رئيس الوزراء المقبل، وعلى المرشّح لهذا المنصب أن يكون ذا باعٍ طويل في ذلك، والعبادي ــ باعتباره أحد المرشحين ــ يرى في حدثٍ كهذا فرصةً لرفع أسهمه في الأوساط السياسية وفي الشارع أيضاً، وخاصّةً أن الأخير بدا بالإعراب عن سخطه ونقمته على أداء الرجل ــ عبر منصات شبكات التواصل الاجتماعي ــ والذي «فشل» بعد سنة من «القضاء العسكري على الإرهاب»، بتكريس صورة «الرجل القوي» المحارب للإرهاب على مختلف الصعد.