وعليه، فإن المواجهة الأمنية ما لم تعزّزها بغداد بـ«تطبيق أحكامٍ نائمة في أدراج القضاء»، سينتهج الطرف المقابل أساليب جديدة تأخذ منحىً أشد عنفاً، لذا كان قرار العبادي «التأديبي» أمس، بوصف مصادر أمنية، أسفت لتأخّره، نظراً ــ على سبيل المثال ــ الى أن بعض المتهمين بسقوط الموصل أو «مجزرة سبايكر» (راح ضحيتها أكثر من 1700 عسكري)، لا يزالون قابعين في السجن، بالرغم من «الإدانة القطعية» وأحكام الإعدام الصادرة بحقهم، إضافةً إلى أن مجموع «المراسيم الجمهورية» في ما يخص المدانين بأحكام «قانون مكافحة الإرهاب»، وغير المنفذة حتى الآن هي 64 مرسوماً.
أسفت المرجعية الدينية للتغاضي الحكومي عن خطف الرهائن وانشغالها بالانتخابات
حكم الإعدام بحق 13 مُداناً، بناءً على أوامر العبادي، يأتي في هذا السياق، إذ أشار مكتبه في بيان إلى أن «تنفيذ حكم الإعدام بـ 12 إرهابياً من الذين اكتسبت أحكامهم الدرجة القطعية» (الأحكام القطعية هي التي يُرفض فيها الاستئناف، وصادقت عليها رئاسة الجمهورية). هذا القرار جاء تنفيذاً لوعد العبادي بـ«الاقتصاص» من الإرهابيين، في ردٍّ على إعدام «داعش» ثمانية رهائن لديه، عُثر على جثثهم الأربعاء الماضي بعدما خُطفوا على طريق بغداد ــ كركوك.
بدورها، لم تحدّد وزارة العدل هويّات المحكومين، بل أشارت إلى أن عملية الإعدام شنقاً تمت في «سجن الحوت» في مدينة الناصرية، جنوب البلاد، مرفقةً بيانها بصور تظهر المدانين قبل الإعدام وبعده، في سابقةٍ عُدّت الأولى من نوعها، فسّرها البعض أنها تأتي في سياق «الحرب النفسية على الإرهابيين»، حتى تُشكّل هذه الحادثة «رادعاً للإرهابيين الآخرين». أما وزير العدل حيدر الزاملي، فأوضح أن حكم الإعدام نفذ بحق 13 مداناً، و«هي الوجبة الثانية لعام 2018»، مضيفاً أن «أحكام المنفذ بهم ضمن قانون مكافحة الإرهاب، ما بين الاشتراك بالعمليات المسلحة مع المجاميع الإرهابية وعمليات الخطف والتفجير وقتل المدنيين».
وأمام تداعيات هذا الحدث، كان تعليق المرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني) لافتاً أمس، ودعوتها الحكومة إلى «عدم التغاضي عن القضاء على الإرهابيين والانشغال بالانتخابات»، منتقدةً تقاعس السلطات في إنقاذ الرهائن، بالقول: «لم تنفع مناشدة ذوي الرهائن في قيام الجهات المعنية بالتحرك السريع لإنقاذ هؤلاء». وأشارت إلى أنه «سبق أن نبهنا الى أن المعركة مع عصابات داعش لم تنته (...) إذ لا تزال مجاميع من عناصرها تظهر وتختفي بين وقت وآخر»، معربةً عن أسفها للتغاضي الحكومي، و«الانشغال بالانتخابات، وعقد التحالفات والصراع على المناصب والمواقع، وعن القيام بمتطلبات القضاء على الإرهابيين وتوفير الحماية والأمن للمواطنين»، لتجدّد دعوتها إلى «الرد السريع والمجدي على جريمة اختطاف وقتل المواطنين الستة، والقيام بجهد أكبر استخبارياً وعسكرياً في تعقب العناصر الإرهابية وملاحقتها».
هذه المواجهة ــ وإن كانت أمنية (وبمختلف تداعياتها) ــ وقرار العبادي المفاجئ بإعدام الإرهابيين، هي انعكاسٌ للصراع السياسي الحاصل في «بلاد الرافدين». فـ«بند محاربة الإرهاب والقضاء عليه، وحصر السلاح بيد الدولة» أوّل اهتمامات رئيس الوزراء المقبل، وعلى المرشّح لهذا المنصب أن يكون ذا باعٍ طويل في ذلك، والعبادي ــ باعتباره أحد المرشحين ــ يرى في حدثٍ كهذا فرصةً لرفع أسهمه في الأوساط السياسية وفي الشارع أيضاً، وخاصّةً أن الأخير بدا بالإعراب عن سخطه ونقمته على أداء الرجل ــ عبر منصات شبكات التواصل الاجتماعي ــ والذي «فشل» بعد سنة من «القضاء العسكري على الإرهاب»، بتكريس صورة «الرجل القوي» المحارب للإرهاب على مختلف الصعد.