ولّد نشر رسائل في شبكات التواصل الاجتماعيّ تحرّض على العنف ضدّ النساء الجزائريّات اللاتي يلبسن ملابس «غير محتشمة» ردود فعل عاطفيّة. قبل ذلك، أحيا تنظيم سباق عدو تضامنيّ في عدد من المدن الجزائريّة، بعد الاعتداء على فتاة مارست الركض في شهر رمضان، النقاش حول إدارة النضالات «النسويّة» ومحتواها في بلد فُرض فيه وجود المرأة في الفضاء العام منذ زمن بعيد. في هذه المقابلة مع «الأخبار»، تحلّل فاطمة أوصديق، عالمة الاجتماع ومديرة البحث في «مركز البحث في الاقتصاد التطبيقيّ من أجل التنمية»، اقتران عوامل خارجيّة وداخليّة تعرقل مأسسة نضالات المرأة. وتقدّر مؤلفة كتاب «اتفاقات» أنّه يجب علينا أن نستقي من تاريخنا الخاصّ أدوات تحرّر كامل المجتمع.
لدي اعتقاد عميق بأنّنا فقدنا زمام المبادرة منذ زمن بعيد (عن الويب)


إذا كنا نشهد إحياءً للنزعة المحافظة المرتبطة بخلفيّة تاريخيّة «بطريركيّة»، فهل يمكننا القول بوجود ارتفاع في تتفيه العنف ضدّ المرأة في المجتمع الجزائريّ؟
يوجد بلا شكّ عنف مشدّد ضدّ المرأة في الفضاءين الخاصّ والعامّ على حدّ السواء، وتوجد ردود فعل متعدّدة. وللتحديد أكثر، يمكن الإشارة إلى تناول الصحافة له، كما تنشر الضحايا شهاداتهنّ على شبكات التواصل الاجتماعيّ، والإدانات وردود الفعل في ازدياد. بالنسبة إليّ، هنا يكمن التغيير، في رغبة الاهتمام ضمن المجتمع، وفي انتفاض النساء على مختلف أشكال العنف، مسنودات برجال مهتمين بالمسألة. علاوة على ذلك، لم يؤدّ العنف إلى تراجع المرأة عن الفضاءات التي احتلتها، بل العكس. من المؤكد أنّ ذلك لا يشمل كلّ الجزائريات، لكنّه بصدد النموّ في المدن، في صفوف الشابات اللاتي حظين بنفاذ إلى العالم بفضل التعليم، الإعلام والسفر.
ولا يمكن إنكار وجود حركة نساء في الجزائر تعيد إحياء ردود الأفعال الأكثر عنفاً لدى الرجال الذين يصطدمون في الفضاء العام بارتفاع عدد النساء المتعلمات والمستقلات ماديّاً أحياناً، ويرتبط ذلك خاصّة بالشباب الذي يفتقر إلى عمل ومسكن والذين يرون عاماً بعد عام ارتفاع سنّ الزواج. ولتلخيص المسألة، هؤلاء رجال يكافحون حتى يصيروا راشدين، وهم يعانون من استحالة النفاذ إلى المواطنة، أو إدارة الشؤون العامة التي يحتكرها شيوخ السلطة منذ أكثر من ستة عقود.

خلال شهر رمضان، حرّك اعتداء رجل، لفظيّاً، على فتاة مارست الركض في الطريق نساءً ورجالاً نظموا سباق عدو لإظهار تضامنهم معها. بموازاة ذلك، قارن عدد من المراقبين ذلك بغياب ردود الفعل تجاه الظلم الذي تعرضت له ربة عائلة هُدم منزلها في منطقة زرالدة بأوامر من والي العاصمة للقيام بأشغال تحت أرض المنزل. هل يعبّر هذا السخط الانتقائيّ اليوم عن تطوّر نسويّة طبقيّة لا تهتمّ إلا بمسألة الحريات التي تُختزل في المظاهر، أم أن الحالتين غير متشابهتين؟
أظنّ أنّه يجب إقامة تمييز، والوعي بموضوع حديثنا. اعتداءات السلطة في المسائل العقاريّة منتشرة بلا شكّ، لكن توجد أيضاً حالات ترتبط بتطبيق القانون، ومن غير السهل التمييز بين الأمرين. تعرضت الفتاة للاعتداء لأنّها امرأة، ولأنّها في الطريق في ساعة رأى المعتدون أنّها غير مناسبة خلال شهر رمضان، وذلك ضمن إطار علاقات بين الجنسين تسمح للرجال بتحديد موقع الجسد الأنثويّ في المجتمع. يمكن الحالتين أن تلتقيا، لكنّهما ليستا متطابقتين. النساء الجزائريات يقعن ضحايا لأشكال العنف في الطريق مهما كان انتماؤهنّ الطبقيّ، وبصرف النظر عن ممارساتهنّ الدينيّة.
ضمن نظام عوائق مزدوج تحارب النساء من أجل المساواة


ذلك ما يُفسّر تحرّك النساء والرجال، وبالتحديد المنتمين إلى ما بقي من الطبقة الوسطى، لأنّ الرهان المطروح مرتبط بالمشروع المجتمعيّ. إضافة إلى ما سبق، يجب القول إنّ المعتدي في الحالة الأولى يمثّل الدولة، ذلك الكيان الثقيل والوازن والعديم الشكل حتى، الذي لم يعد بمقدور الجزائريّات والجزائريّين تعريفه. بالنسبة إليهم، تبدو السلطة واقعة بين يدي أعضاء نادٍ خاصّ يعمل وراء أبواب مغلقة ويتحدّى وجودهم نفسه. في الحالة الثانية، وقع ممارسة العنف من قبل جزائريّين يشبهونهم، لذلك خرجن وخرجوا للوقوف ضدّ تتفيه العنف والمطالبة بتطبيق القانون.

ألا توجد في الأعوام الأخيرة نزعة متنامية لإضفاء طابع مجتمعيّ محض على النسويّة على حساب الصّراع الاجتماعيّ؟
تفترض الصّراعات الاجتماعيّة أنّ يحمل الجزائريّون شعوراً بأنّهم يعيشون على حساب عملهم. ذلك غير حقيقيّ، يمكن القول إنّه جرى تدمير فكرة العمل لصالح الحقّ في جزء من الريع البتروليّ. من ناحية أخرى، من المجازفة استخدام مصطلح نسويّة في الحالة الجزائريّة. توجد حركة نساء، وما يميّز هذه الحركة هو انتماؤها إلى الطبقة الوسطى المتآكلة التي ما زالت، وكانت دائماً، تحتاج إلى العائلة لإيجاد عمل ومسكن. إضافة إلى ذلك، يُباح للنساء في الجزائر الحديث خاصّة بالإحالة على الروابط العائليّة: أمهات المفقودين، زوجات ضحايا العنف، أمهات الأطفال ضحايا العنف المنزليّ. يوجد نقاش محدود حول الحقوق الممنوحة للنساء بعيداً عن دفاعهن عن العائلة. ويجب القول أيضاً إنّ حركة النساء، على غرار ما يحصل في كلّ مكان، تعرف انحرافات من خلال ظهور فئة «الخبيرات»، التي ساهم نظام الأمم المتحدة في خلقها بدرجة كبيرة، أو ظهور «النساء القياديّات».
وترتبط هذه الفئة في أغلب الوقت بالنساء اللاتي يحملن كفاءة علميّة أو تعبيريّة، استفدن من تكوين لم يعد عليهنّ بمسؤوليات عليا، لذلك يسعين لتحصيل اعتراف اجتماعيّ. ولا يعود عدم وصولهنّ إلى مسؤوليات عليا إلى تهميشهنّ ضمن تنظيم العمل في الجزائر، بل لأنّ التنظيم الاجتماعيّ يجعل منهنّ قبل كلّ شيء زوجات وأمهات وأخوات وبنات، إلخ. تستثمر هذه الفئة إذاً في حركة النساء التي تسمح لها بتحصيل تميّز يهبها رأس مال اقتصاديّ أو اجتماعيّ. هكذا، تكوّن عدد من الوجوه السياسيّة النسويّة المعاصرة في حركة النساء التي مكنتهم من لعب دور. ويمكن القول إنّه بالنسبة إلى البعض، يسبق السعي إلى البروز السعي إلى التمثيل.


ما تقييمك لتطوّر النضالات النسويّة في الجزائر على المستوى القانونيّ ـــ السياسيّ، وهل أنت مع إصلاح أو إلغاء قانون الأحوال الشخصيّة وسنّ قانون مدنيّ يساوي بين الجميع؟
يوجد بالتأكيد تقدّم في بعض النواحي، لكنّه لا يمسّ علاقات القوّة في المجتمع. تلك التطويرات نتيجة أيضاً للمفاوضات مع القوى الغربيّة، على أساس الاتفاقات الدوليّة التي وقّعتها الجزائر. لذلك أثر في تأسيس دولة «ديموقراطيّة» و«حديثة» و«خاضعة لشرائع النظام الدوليّ». لا يجب أن ننسى أنّ المجتمع الجزائريّ ما بعد استعماريّ، لذلك فالروابط مع القوى الكبرى تبقى روابط هيمنة. الرهان إذاً هو الحفاظ على سلطة قويّة في الداخل، والاستفادة من رضا أسياد العالم، ومن هذا المنظور تمثّل مكانة المرأة مسألة مركزيّة.
ضمن نظام العوائق المزدوج هذا تحارب النساء من أجل «المساواة». على مستوى السياسة الداخليّة، يبقى قانون الأحوال الشخصيّة، الذي يمثّل حجر زاوية تلك النضالات، مطبوعاً بتحالف بين بعض التيارات الدينيّة، التي توجد قاعدتها الاجتماعيّة في القطاع غير الرسميّ. نشهد إذاً علاقة قوّة تجمع النشاط الاقتصاديّ غير الرسميّ بالسلطة السياسيّة الرسميّة، إن صحّت العبارة. لا يعلم أحد من يقود البلاد، فالتنظيم الحاليّ للمجتمع يفترض وجود سيطرة شديدة على السكان، لأنّه يسمح بكلّ أشكال الافتراس. يمكننا فهم أنّ التنظيم السلطويّ للعائلة، الذي يعطي الرجال سلطة كبيرة على الأطفال والنساء عوض إعطائهم وظائف ونفاذاً للمواطنة، يسمح بإبقاء الجزائريّين والجزائريّات في وضع لا يزال متماسكاً حتى الآن.
من جهة أخرى، أرى أنّ حملة الإسلام السياسيّ ساهموا بنزع القداسة عن النصّ بإقحامه في ساحة الرهانات المجتمعيّة وساهموا بطريقتهم في بروز مجتمع معلمن.

هل من بديل بين مقاربة دينيّة متشدّدة ورجعيّة، ومحاكاة النسويّة الغربيّة؟
لدي اعتقاد عميق بأنّنا فقدنا زمام المبادرة منذ زمن بعيد، ذلك ما يجب علينا العمل عليه. لقد ترك التطلّع للعدالة الاجتماعيّة، الذي يشمل النساء، بصمته على الانسانيّة وعلى تاريخنا أيضاً. ذلك التاريخ بالتحديد، والهندسة السياسيّة التي طوّرها أسلافنا هو ما نتجاهله. لكن أيضاً تبتلعنا نقاشات نجهلها، مثلما هو الحال عندما نركب موجة المطالبة بـ«التكافؤ»، متجاهلين حقيقة أن ذلك بالتحديد ما تمتع به عدد من أسلافنا، لكن من دون اختلاط أو مساواة. يجب علينا العمل، التفكير، والكفّ عن التقليد، وإلّا فإننا نخاطر بموتنا. وخطر موتنا، بوصفنا حضارة، هو أيضاً ما يقترحه حملة قراءة دينيّة متشدّدة لأنّهم يجهلون ديكتاتوريّة الزمن، الزمن الحاضر والزمن القادم.