فجر يوم أمس، أطلقت قوات المشير خليفة حفتر عمليّة مباغتة لاسترجاع الموانئ والمدن التي سيطرت عليها قوات إبراهيم الجضران، الآمر السابق لفرع المنطقة الوسطى من جهاز «حرس المنشآت النفطيّة»، ومجموعات مساندة له بينها ميليشيات إسلاميّة تعمل تحت اسم «سرايا الدفاع عن بنغازي» طُردت سابقاً من شرق البلاد. وفي بيان تلاه على مقاتليه عبر أجهزة التواصل اللاسلكيّ، اطلعت «الأخبار» على تسجيل له، أعلن حفتر انطلاق «الاجتياح المقدّس» للمنطقة، وتأتي العمليّة بعد حشد استمر على امتداد الأسبوع الماضي، شمل تشكيلات عسكريّة بينها «الكتيبة 116» التي اُستجلبت من مدينة سبها الواقعة في جنوب غربي البلاد.وقالت قوات حفتر، التابعة للبرلمان المعترف به دولياً والمتركز في مدينة طبرق شرق البلاد، إنّها شنّت غارات دقيقة استهدفت قوات الجضران ودفعتها إلى الانسحاب، وإنّها بصدد ملاحقة فلولها. وفيما بدا أنّ الساعات الأولى للعمليّة أدت إلى استعادة سهلة لمينائي السدرة وراس لانوف الأكبر في البلاد، تعقدت لاحقاً الأوضاع، حيث انتشرت أخبار عن إعادة ترتيب الجضران لقواته وشنّه هجوماً معاكساً، كان من بين نتائجه إنجاز التفاف على قوات حفتر في منطقة وادي كحيلة، ونصب كمين «أوقع عشرات من الأسرى والجرحى»، بحسب ما أعلن المكتب الإعلاميّ لتلك القوات.
أما «المؤسسة الوطنيّة للنفط»، وهي الهيكل المسؤول عن إدارة القطاع ويحظى بسلطة حصريّة في المجال أقرتها قرارات من مجلس الأمن الدوليّ، فقد أصدرت أمس بياناً جاء فيه أنها «تبارك... لأبطال القوات المسلحة العربية الليبية وذلك باجتياحكم المقدس لاجتثاث شراذم الإرهاب». كما صرّح مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة، عن توقعه استئناف العمل بعد يومين. لكن، يبدو أن الأمر ليس بتلك البساطة، حيث أدت عودة الاشتباكات على مقربة من مواقع تخزين النفط إلى نشوب النار في خزان نفط عملاق آخر، وهو الخزان الثالث الذي يحترق منذ الخميس الماضي، وتعاني قوات الإطفاء من صعوبة الولوج إلى مواقع الحرائق، ما يُهدّد بتسرب النار إلى خزانات أخرى وحدوث كارثة بيئيّة وتعميق الأضرار الاقتصاديّة.
أعربت المؤسسة الوطنيّة للنفط عن دعمها للعمليات التي أطلقها حفتر


تزمناً مع هذه التطورات، أعلنت «سريّة حماية بني وليد» حالة الطوارئ، وذلك لتأمين حدود المدينة من إمكان توجه قوات الجضران إليها في حال انسحابها غرباً. وتبعد مدينة بني وليد نحو 180 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة طرابلس، وتعتبر معقلاً لقبيلة ورفلة الكبيرة، كما تعتبر إحدى أكبر المدن التي ناصرت العقيد معمر القذافي وتحوي مساندين له حتى الآن. وقد شهدت المدينة في الأشهر الماضية حوادث مرتبطة بقوات الجضران و«سرايا الدفاع عن بنغازي» و«داعش» التي تمركزت قربها بعد انسحابها من شرق ووسط البلاد. وقبل شهرين شنّت طائرات تابعة لقوات المشير حفتر هجوماً على معسكر يتبع «السرايا» في منطقة السدادة القريبة من بني وليد، وأظهرت صور جويّة أضراراً كبيرة للهجوم. كما أعلنت «القيادة العسكريّة الأميركيّة في أفريقيا ـــ أفريكوم» عن تنفيذ ضربة جويّة قرب المدينة أدت إلى مقتل أربعة أعضاء من تنظيم «داعش»، وقد أدت العمليّة أيضاً إلى سقوط عدد من المدنيّين، بحسب مصادر محليّة.
لم تكن بني وليد وحدها مسرحاً لمثل هذه التحركات، حيث تعرضت نهاية الشهر الماضي «قاعدة تمنهنت» الجويّة في جنوب البلاد إلى هجوم نُسب إلى «سرايا الدفاع عن بنغازي»، وأدى إلى مقتل أربعة من جنود قوات حفتر وجرح آخرين. وقد تصدت حينها «الكتيبة 116» إلى الهجوم رفقة الطيران، ما خفّف من نتائجه.
من الناحية الدوليّة، وبعد الإدانة الواسعة لهجوم يوم الخميس الماضي، أصدرت أول من أمس وزارة الخارجيّة الأميركيّة بياناً قالت فيه: «تدين الولايات المتحدة الهجمات الأخيرة من قبل قوات تعمل تحت إدارة إبراهيم الجضران... والعنف المستمر الذي أضرّ بنية النفط التحتيّة وعطّل تصديره»، كما دعا البيان «جميع الفاعلين المسلحين إلى وقف الأعمال العدائيّة والانسحاب فوراً من المنشآت النفطيّة قبل حدوث أضرار أكبر».
أما لجهة التدخلات في المعارك، فقد كشف موقع «أفريكا أنتليجنس» أنّ فرنسا استقدمت إلى منطقة الهلال النفطيّ طائرة الاستطلاع التي وضعتها سابقاً «على ذمّة قوات خليفة حفتر في مدينة درنة»، وهي طائرة تسيّرها الاستخبارات الخارجيّة الفرنسيّة وبمقدورها رصد المكالمات وتمييز الأهداف. كما أصدرت قوات الجضران شريطَي فيديو يظهران ذخائر مصريّة وتجهيزات وألبسة وأطعمة تعود إلى الجيش الإماراتيّ (كتب عليها الوحدة اللوجستيّة المشتركة ـــ أبو ظبي) وجدتها بعد انسحاب قوات حفتر.
إلى جانب ذلك، تجدر الإشارة إلى الدعم الإعلاميّ الذي توفره القوى الإقليميّة لطرفي الصراع، حيث تدعم وسائل الإعلام الإماراتيّة والمصريّة قوات حفتر، وتوفّر في المقابل وسائل الإعلام القطريّة الدعم لقوات الجضران، وهو دعم يعطي الاشتباكات صورة حرب بالوكالة، من دون تقدير لتدمير البنى التحتيّة للنفط والغاز، المورد الرئيسيّ وشبه الوحيد لليبيا.