القاهرة | تواجه جماعة «الإخوان المسلمين» أخطر تحدّ لها بعد عزل الرئيس محمد مرسي عن سدة الحكم، عندما يذهب المصريون للاستفتاء على تعديلات دستور 2013. نجاح الاستفتاء المتوقع يعني محو «شرعية» الإخوان التي يتمسكون بها منذ 3 تموز، فيما يتمنى «الإخوان» خلق «شرعية» جديدة في موازاة تمسكهم بـ«شرعية الرئيس» المعزول، هذا فضلاً عن رغبتهم في إحداث زخم كبير في الشارع المصري قبيل الذكرى الثالثة لثورة «25 يناير» التي تحل بعد 10 أيام من الاستفتاء.
قد تبدو سيناريوات «الإخوان» محدودة في التعامل مع يومي الاستفتاء، لكن الثابت أنها ستحدث زخماً بالنظر إلى الاستعدادات الأمنية المكثفة التي أعلنتها وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، فضلاً عن بدء «الإخوان» منذ اليوم الأول في هذا العام بتبنّي استراتيجية جديدة تقوم على فكرة تحدي محاولات فض مظاهراتهم ومواجهة الشرطة باستخدام الألعاب النارية وحرق الإطارات ومحاصرة الأقسام، كما حصل في الاسكندرية، وما يعزز هذا الأمر هو حالة الانقسام الموجودة في الشارع المصري الذي بات الاصطفاف فيه واضحاً.

السيناريوات الثلاثة

يدخل «الإخوان» ومناصروهم يومي الاستفتاء بثلاثة سيناريوات قابلة للتنفيذ، وفقاً لمحمد صالح، الكادر الإخواني في الإسكندرية، في حديثه إلى «الأخبار»: الأول، هو محاولة منع الاستفتاء بطريقة سلمية عبر المظاهرات والوقفات أمام مجمعات المدارس الكثيفة التصويت وفي الميادين الكبرى، وترديد الهتافات المنددة بـ«الدستور الباطل» و«دستور الدماء». ولفت صالح إلى أن هذه الخطوات «ستدفع الأمن إلى التعامل بعنف مع المظاهرات بما يدفع المتظاهرين إلى الرد دفاعاً عن أنفسهم، الأمر الذي يقلق الناس من المشاركة».
وهو سيناريو يهدف في جوهره، وفقاً لمراقبين، إلى اقتسام الصورة الإعلامية مع طوابير الناخبين المحتملة، ويعتمد على نسبة مشاركة «الإخوان» وظهورهم في الصورة الإعلامية، مراهنين على استعجال الأمن البطش بهذه المظاهرات، ما سيجعل تطور الأحداث يقع على عاتق قوات التأمين المؤلفة من القوات المسلحة والشرطة؛ ففي حالة حدوث اشتباك بين مؤيدي «الإخوان» وقوات التأمين، يراهن «الإخوان» على انسحاب الناخبين من الاستفتاء بعيداً عن قنابل الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش، وفي حالة عدم حدوث اشتباك ومرور الأمر بسلام، فإن «الإخوان» سيكونون بالفعل قد نجحوا في اقتسام الصورة، و«الخصم» من «شرعية، ومشروعية» الدستور الجديد الذي رفضت الجماعة وحلفاؤها كل الضغوط التي مورست عليها بعنف من قوى داخلية وخارجية من أجل المشاركة والتصويت بـ«لا»، وهو ما اعتبره مراقبون «خصماً» من شرعية الدستور قبل أن يستفتى عليه.
أما السيناريو الثاني فهو أن يتم الاكتفاء بوجود بؤر ساخنة لا يتم فيها الاستفتاء مثل بعض الأماكن التي تشكل تجمعاتها «بيئة اجتماعية حاضنة» لحراك تظاهرات تحالف دعم الشرعية والمناصرين له، مثل حلوان في جنوب القاهرة وكرداسة شمال الجيزة ودلجا في محافظة المنيا، وضاحيتي المعادي، ومدينة نصر في القاهرة، ومحافظة السويس، ومحافظات الصعيد، ومن ثم يكون نجاح الاستفتاء منقوصاً، وتكون مشاركة الصورة الإعلامية متحققة بشكل أفقي وجزئي.
أما السيناريو الثالث فهو أن يكتفى فقط بالحضور في فعاليات قوية، لكن من دون القدرة على إفشال الاستفتاء على المستوى العام أو على مستوى أماكن بعينها.
وأوضح صالح أن هذه الاحتمالات أو السيناريوات مرهونة بالموقف الاضطراري للتحالف، وبمدى قدرته على الصمود في مواجهة بطش الشرطة، مؤكداً أن شعار «ما دون الرصاص فهو سلمية» سيكون مُفعل في هذا اليوم، نافياً أن يكون هناك توقف عن استراتيجية محاولة مواجهة وزارة الداخلية بحرق السيارات والمدرعات وعربات الترحيلات التي تتعدى على المظاهرات في هذا اليوم.

ما بعد السيناريوات

لكن على الرغم من ذلك، لا يعرف أحد على وجه الدقة أيها سيُفعّل على الأرض، فيما قد يكون انخفاض نسبة التصويت أو نسبة الموافقة على الدستور قبلة حياة للجماعة، تساعدها في صراعها مع السلطات الجديدة، معلقة آمالها على انخفاض نسبة الموافقة على الدستور، وهو أمر يبدو بعيداً، نظراً إلى الحشد الإعلامي المكثف حول التصويت بـ«نعم»، والتطرف حتى التخوين ضد من يرغب في التصويت بـ«لا».

سلوك الناخبين وغياب الأفق السياسي

فيما يغيب عن الجماعة وأنصارها في «التحالف الوطني لدعم الشرعية» أي أفق سياسي للمظاهرات المستمرة منذ ما يقارب 6 أشهر، وهو ما دفع معارضين لسلوك الجماعة وتحالف الشرعية إلى الترجيح بأن هذه المظاهرات قد تؤثر في الصورة الذهنية عند كثير من المواطنين الذين سيعتبرون المشاركين فيها «مناهضين لتحقيق حلمهم بالاستقرار، الأمر الذي قد يؤدي إلى مشاركة الشرطة في الاشتباك مع «الإخوان» بما يفجر الأوضاع بنحو أكبر».
لكن الخوف من اشتباك مناصري «الإخوان» مع الناخبين الراغبين في الإدلاء بأصواتهم في صناديق الاستفتاء يبدو غير متحقق في قلوب المتظاهرين، بحسب المصادر التي تحدثت إلى «الأخبار». فتكرار الاشتباكات خلال الشهور الماضية، ووقوع القتلى في الطرفين، وكون «الإخوان» في موقف ليس لديهم ما يحاولون الحفاظ عليه حتى لا يخسرونه، هي الدافع الأكبر للنزول والتظاهر في الاستفتاء.

الاضطرابات مستمرة

الباحث في شؤون التيارات الإسلامية في مركز الدين والسياسة، عمر غازي، حلل الوضع لـ«الأخبار» قائلاً «بعد فض اعتصام رابعة واستراتيجية المواجهة التي انتهجتها السلطات في مصر، أدى ذلك إلى توسيع رقعة الاضطراب، وهو ما تراهن عليه الجماعة وحلفاؤها في الوقت الراهن. وبطبيعة الحال، سيؤدي هذا إلى إرهاق الحكومة والأمن بشكل كبير في طول البلاد وعرضها. ولذا، فالاستفتاء على الدستور فرصة ذهبية لعدة مكاسب على الأرض، أولها شَغل الأمن والمواطنين عن الحدث الأهم وهو الاستفتاء، والآخر هو شحن الأجواء وإلهابها لذكرى يناير القريبة».
ويستطرد غازي أنه يمكن القول إن «الاضطراب هو جزء من المرحلة الراهنة»، متوقعاً أن «لا يسقط النظام الحالي في يناير، وفي الوقت نفسه لن تهدأ حدة التوتر، لأن العنف سيولّد عنف».