ينهمك المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، حالياً، بجملة لقاءات واسعة مع مختلف الأطراف المعنية بملف «التسوية السياسية» في سوريا، في حراكٍ يراهن بشكل كبير على الدفع الروسي نحو إنشاء «اللجنة الدستورية» التي تم إقرارها في «مؤتمر سوتشي»، واستثمار التوافق حولها في مسار المحادثات في جنيف. وبعد زيارة أجراها دي ميستورا إلى تركيا، للقاء ممثلين عن جانب كبير من أطياف المعارضة السورية، وعدد من كبار المسؤولين الأتراك، وصل أمس إلى مصر قادماً من إيران، حيث أجرى في الأخيرة «مشاورات جوهرية» حول العملية السياسية في سوريا، على حدّ ما أشار بيان رسمي صادر عن مكتبه. وتشير المعلومات التي رشحت عن تلك اللقاءات إلى أن الموضوع شبه الوحيد على طاولة النقاش هو آلية تشكيل «اللجنة الدستورية» وطبيعة عملها، وتوظيفها لدفع المحادثات. وفي زيارته للقاهرة، التقى المبعوث الأممي وزير الخارجية سامح شكري، حيث جرى نقاش تطورات الملف السوري. وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، أن دي ميستورا «حرص في بداية اللقاء على إطلاع الوزير شكري على مستجدات الأوضاع في سوريا سياسياً وأمنياً وإنسانياً، وتقييمه للجهود المبذولة دولياً وإقليمياً لدفع العملية السياسية وتثبيت مناطق خفض التوتر... وتنفيذ خارطة الطريق الخاصة بتشكيل اللجنة الدستورية، مشيراً إلى الجهود المبذولة لتشكيل اللجنة وتحديد ولاياتها ومراجع الإسناد الخاصة بها تحت رعاية الأمم المتحدة». ولفت إلى أن شكري أكد أهمية «البناء على نقاط التوافق الدولية كنقطة انطلاق للدفع بالحل السياسي، والتحرك على أساس فرضية عدم وجود حل عسكري للأزمة السورية».
استهدفت غارات مواقع في ريف إدلب عقب هجمات طاولت كفريا والفوعة

العمل على تشكيل «اللجنة» وتعريف ولايتها وغير ذلك من محددات عملها، يتطلب توافقاً من رعاة الأطراف السورية التي يفترض أن تنخرط في تركيبتها، تحديداً، وفي محادثات «التسوية» عموماً. ويتطلب الوصول إلى هذه المرحلة، الانتهاء من حشد أطياف المعارضة وتحييد خلافاتها، لضمان تمثيلها في «اللجنة»، في حال دعمت الولايات المتحدة وحلفاؤها التصور الذي تسوّق له موسكو عن مدخل العودة إلى «التسوية السياسية». وعلى العكس، يبدو الجانب الحكومي حاضراً لخوض هذه الاستحقاق الجديد، وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال حضوره قمة شانغهاي، بالقول إن «دمشق تتابع الاتفاقات التي تم التوصل إليها في مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، وقد أرسلت مقترحات بشأن أعضاء اللجنة الدستورية من الجانب الحكومي، لإعداد القانون الأساسي الجديد للبلاد»، مضيفاً أنه مع وفاء الحكومة السورية بالتزاماتها «الأمر متروك للمعارضة الآن».
هذه التطورات التي تُعِدّ لمرحلة جديدة من مسار المحادثات، في حال توافقت الجهود الدولية، تترافق مع توتر على الأرض في عدد من الجبهات، ومع ترقب يسود مناطق أخرى. اللافت خلال اليومين الماضيين كان عودة القصف الجوي على بعض النقاط في ريف إدلب، تزامناً مع هجمات متقطعة شنتها الفصائل المسلحة على بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين، إذ استهدفت غارات جوية مواقع في بلدات بنّش وتفتناز ورام حمدان، وبلدات أخرى. التصعيد داخل منطقة «خفض التصعيد» في إدلب ومحيطها، استجلب قلقاً أممياً جديداً. ودعا منسّق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا، بانوس مومسيس، الأطراف الدولية إلى التوسط من أجل التوصل إلى تسوية «تُجنّب إراقة الدماء» في إدلب، مضيفاً في إفادة صحافية في جنيف أنه «مع هذا التصعيد وهذا التدهور نحن قلقون حقيقة من نزوح 2.5 مليون شخص صوب تركيا إذا استمر هذا الوضع... ونحن قلقون كذلك على سكان إدلب، فليس هناك مكان آخر ينتقلون إليه». أما في الجنوب، فلم تخرج أي مستجدات حول محادثات الدولة الراعية لاتفاق «خفض التصعيد» هناك، فيما يستمر الهدوء الحذر في الميدان. ووسط تصاعد عمليات استهداف أعضاء لجان المصالحة في عدد من بلدات ريفي درعا والقنيطرة، من قبل الفصائل المسلحة، تشير المعطيات إلى أن فرص نجاح مصالحات واسعة باتت أقل بكثير من احتمال التصعيد العسكري. وبينما تستمر الحملة العسكرية التي يشنّها «التحالف الدولي» في ريفي الحسكة ودير الزور، قرب الحدود مع العراق، نقلت وكالة «سانا» عن «مصادر أهلية» قولها إن غارات نفذتها طائرات «التحالف»، تسبّبت في مقتل 18 مدنياً أغلبهم من الجنسية العراقية، في قرية خويبيرة التابعة لريف الحسكة الجنوبي. وفي رد على سؤال صحافي، نفى المتحدث باسم قوات «التحالف»، شون رايان، تلك الأنباء، مؤكداً أنه «لم يتم رصد إصابة أو مقتل أي مدنيين جراء ضربات للتحالف في الحسكة اليوم (أمس)».