التخوف الأميركي من أن يؤدي التدخل إلى «تشدد أنصار الله في الرد»
في السياق، تحاول بعض الأطراف في الإدارة الأميركية، على رأسهم وزير الدفاع جيمس ماتيس، الطلب من ترامب رفع القيود عن الدعم العسكري الأميركي المقدم إلى «التحالف»، وهي قيود تعود إلى حقبة الرئيس السابق باراك أوباما، إضافة إلى منح الموافقة على العملية العسكرية في الحديدة وتقديم «خدمات دعم عملياتي إضافي». لكن، يأتي التعامل «البارد» من جانب المسؤولين الأميركيين حيال فكرة توسيع مهمة الولايات المتحدة في اليمن منسجماً مع استراتيجية الإدارة الأميركية الحالية القائمة على أساس رفض التورط المباشر في كل مناطق النزاع، واللجوء المفرط للتهديدات مع الحذر الشديد في التورط، على أن ما ينسحب على المناطق الأخرى يجري كذلك على اليمن. وفق هذه الرؤية، تتحفظ واشنطن عن توسيع مهماتها في الحرب على اليمن، وتكتفي بالمساهمة الحالية (دعم استخباري ولوجستي وفني). بمعنى آخر: الإدارة الأميركية تخشى الغرق أكثر في المستنقع اليمني، وتعمد إلى التريث في الدخول العملياتي المباشر لوضوح المشهد لديها، والموصوف عندها بالشديد التعقيد والمتقلب والمتحرك على المستويين العسكري والسياسي، وهذا ما عبر عنه المسؤول الأميركي بوصفه «الوضع بالغُ السيولة»، وإن كانت إحدى القنوات التلفزيونية الأميركية قد نقلت عن أحد مسؤولي وزارة الدفاع منذ أقل من أسبوع كشفه عن وجود قوات خاصة في اليمن، من دون أن يدلي بمزيد من الإيضاحات.
نعم، بإمكان واشنطن أن تتدخل عسكرياً بصورة غير مباشرة عبر وكلائها على الأرض كما في العديد من المناطق، وهذا ما تفعله المملكة السعودية ودولة الإمارات في العدوان على اليمن، ما يعني أن الخيار العسكري الأميركي وفقاً للاستراتيجية الأميركية القائمة حالياً مفعل وقد جرى تنفيذه، لكن هؤلاء الوكلاء فشلوا في تحقيق أهدافه، وهي إشارة تدعو واشنطن إلى الحذر المسبق، والبحث عن تسويات الحد الأدنى. هذا تحديداً ما ظهر في الزيارة الأخيرة لمبعوث الأمم المتحدة لليمن، مارتن غريفيث، لصنعاء، وكذلك ما نشرته وكالة «رويترز»، أمس، عن خُطَّة السلام التي وضعتها الأمم المتحدة بشأن اليمن. وتشير الخطة الأممية إلى تخلي «أنصار الله» عن صواريخهم الباليستية، مقابل وقف حملة القصف التي يشنها «التحالف»، بالإضافة إلى التوصل إلى اتفاق للحكم الانتقالي.
هذا يؤكد أيضاً فعالية الصواريخ الباليستية في المعادلة العسكرية التي أصبحت عاملاً أساسياً في دفع العدوان إلى التراجع، على عكس ما تروج له الدعاية السعودية، وإن كان هذا التراجع في أولى بداياته. كل هذا لا يعني أن الحل السياسي قد سلك بالفعل، فلا تزال المسافة طويلة جداً لتحققه، لكن مؤشراته الدالة واضحة، ولا يمكن إغفالها في استشراف الوضع الميداني والسياسي للحرب على اليمن.