أنهى المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، زيارته لصنعاء، بوعدٍ بإعادة إطلاق مفاوضات السلام «في المستقبل القريب». وعدٌ يُفترض أن تكون أولى ترجماته في الـ18 من حزيران/ يونيو الحالي، عندما يتقدم بإطار تفاوضي جديد إلى مجلس الأمن الدولي، مثلما جدّد تأكيده أمس. وبعدما كان الرهان على أن المبعوث الأممي سيلمس لدى «أنصار الله» استعداداً لتقديم تنازلات يبتغيها «التحالف» بفعل الاختراقات التي حققتها قوات الأخير على جبهة الساحل الغربي، جاء الموقف المتصلّب الذي أسمعته الحركة لغريفيث، معطوفاً على تطورات ميدانية دراماتيكية على تلك الجبهة أجبرت قوات «التحالف» على التراجع، ليدحض التقديرات بإمكانية تثمير التقدم السعودي - الإماراتي المحدود على الخط الساحلي، والذي نُقل عن مسؤولين أميركيين أمس إقرارهم بأنه «متقلب للغاية».وغادر غريفيث، أمس، العاصمة اليمنية، بعدما أجرى لقاءات مع مسؤولين من «أنصار الله» و«المؤتمر الشعبي العام» وحكومة الإنقاذ. لقاءات وصفها المسؤول الأممي بـ«المثمرة»، متحدثاً عن «ردود فعل مشجعة» لمسها خلال زيارته. وشدد على ضرورة «دفع العملية السياسية إلى الأمام، واستئناف المفاوضات التي توقفت»، لافتاً إلى أنه سيطرح على مجلس الأمن، خلال عشرة أيام، رؤيته لكيفية تحقيق السلام. هذه الرؤية التي عرضها المبعوث الأممي على ممثلي «أنصار الله»، بحسب ما تفيد به مصادر سياسية في صنعاء، لن تكون مقتصرة على الجانب الإنساني، بل «ستتطرق إلى الملفات السياسية والاقتصادية والعسكرية»، «وستكون فحواها حلاً شاملاً وعادلاً» وفق ما طمأن إليه خليفة إسماعيل ولد الشيخ أحمد.
أظهرت «أنصار الله» تشدداً في رفض أي وجود للقوات الأجنبية بعد الحرب


وفي ما يتصل بمعركة الحديدة، لم يبرز في التصريحات التي أدلى بها غريفيث من مطار صنعاء ما يشير إلى أن رغبة «التحالف» والموالين له في انسحاب «أنصار الله» من المدينة وتسليمهم ميناءها للأمم المتحدة قابلة للتحقق. وهذا ما أقرّ به مسؤول كبير في حكومة الرئيس المستقيل، عبد ربه منصور هادي، عندما أكد لوكالة «فرانس برس» أن «مساعي المبعوث الأممي لإقناع الحوثيين بتجنيب الحديدة معركة عسكرية فشلت حتى الآن». وشارك غريفيث الخبراء الأمميين مخاوفهم من تبعات الهجوم على الحديدة، قائلاً: «(إنني) أشعر بالقلق من ارتدادات ذلك على الوضع الإنساني، وأيضاً على المسار السياسي وفرص التوصل إلى تسوية للنزاع». ولعلّ ما سمعه المبعوث الأممي من مسؤولي سلطات صنعاء من موقف وصفه المسؤول اليمني المذكور بـ«المتصلّب» هو ما حمله على اتخاذ جانب التحذير من التصعيد، بعدما كانت السعودية والإمارات تأملان أن يؤدي تشديد الضغوط على «أنصار الله» إلى إرغامها على رفع الراية البيضاء.
لكن استعادة قوات الجيش واللجان زمام المبادرة على جبهة الساحل الغربي، وتمكّنها من صدّ الهجوم الذي شنّته أخيراً القوات الموالية للرياض وأبو ظبي على المديريات الجنوبية من محافظة الحديدة، عزّزا موقع القوة الذي تتموضع فيه سلطات صنعاء. وهو ما تجلّى خلال اللقاءات التي عقدها المبعوث الأممي في العاصمة، حيث سمع من المسؤولين هناك تمسكاً بـ«ضرورة رفع الحصار عن مطار صنعاء، ودفع رواتب الموظفين» من دون شروط مسبقة، وتشدداً في رفض أي وجود للقوات الأجنبية في اليمن كـ«شرط لإحلال السلام» طبقاً لما تؤكده مصادر سياسية في صنعاء. وإذ لم يتطرق غريفيث، في مؤتمره الصحافي الذي ختم به زيارته العاصمة، إلى المسائل السياسية، إلا أنه أبدى تجاوباً في ما يتصل بمطار صنعاء، مطالِباً «جميع الأطراف بالعمل على فتح المطار أمام الرحلات التجارية».
وكان رئيس «المجلس السياسي الأعلى»، مهدي المشاط، قد أكد، خلال لقائه غريفيث، أن «أيدينا مثلما هي على الزناد في خندق الدفاع عن وطننا، فهي أيضاً ممدودة للسلام متى توافرت الجدية لدى الأطراف الأخرى». موقف رفدته، على الأرض، تطورات ميدانية متلاحقة قلبت المشهد على الساحل الغربي لمصلحة «أنصار الله»، وحملت قيادة «التحالف» على لجم هجومها العسكري ومعه التهويل الإعلامي الذي حاول تصوير الحديدة مدينة شبه ساقطة. واستعادت قوات الجيش واللجان، فجر أمس، السيطرة على كامل منطقة النخيلة جنوب مديرية الدريهمي والمناطق والمزارع القريبة منها، بعدما صدّت مساء الإثنين هجوماً متجدداً للقوات الموالية للسعودية والإمارات شرق منطقة الجاح التابعة لمديرية التحيتا. وأكد مصدر عسكري من «أنصار الله» أن «عمليات التطهير متواصلة ولن تتوقف إلا بإنهاء وجود القوات المعادية في كافة أراضي تهامة والساحل الغربي»، فيما أفاد مصدر في الاستخبارات العسكرية، في حديث إلى وكالة «سبأ» الرسمية الموالية لحكومة الإنقاذ، بمقتل 418 عنصراً من القوات التابعة لـ«التحالف»، وجرح 322 آخرين خلال المواجهات الأخيرة على الساحل.