ريف دمشق | عاد مسار التسويات في ريف دمشق الى الظهور من جديد. المراوحة سيدة الموقف في معظم الجبهات في الريف، والمشهد يتكرّر من منطقة إلى أخرى: اشتباكات متقطعة لا تفضي إلى تقدّم أي من طرفي النزاع، وسط حصار يفرضه الجيش على المناطق التي يتواجد فيها المسلّحون، تقابله محاولات الأخيرين فكّ الحصار. برزة أنجزت تسويتها، «بعد أن طال هذا الأمر من دون مبرّرات حقيقية»، يقول أحد المسلّحين الذين التقتهم «الأخبار» في مركز «جيش الدفاع الوطني» الرئيسي في المزّة.
ويضيف: «بلّغنا الجيش نيّتنا إنجاز التسوية، قبل نحو شهر. نحن خرجنا لنصرة أهلنا في السابق، وعلينا اليوم أن ننصرهم ضدّ الجوع والحصار ومن خطر المتطرّفين من أتباع داعش وأمثالها». هذا المقاتل دخل مع مجموعة من قادة المسلّحين، ينتمي معظمهم إلى «الجيش الحر»، إلى مركز «الدفاع الوطني» لملء استمارات ينتسبون بموجبها إلى «قوات الدفاع»، على غرار ما جرى في قدسيا، ليصبحوا تحت قيادة الجيش السوري، ضمن التشكيل الذي انتسبوا إليه، وجرى رفع العلم السوري في برزة وفقاً لبنود التسوية، كما زار محافظ دمشق بشر الصبان برزة أمس بالتزامن مع إدخال المساعدات الغذائية إليها وبدء إزالة المتاريس.
وفي المعضميّة، سجّل مسار التسوية نجاحاً بعدما تعثّر أكثر من مرة، ولكن وسط تشكيك الأطراف المشاركة في إنجاز التسوية. يقول جندي في الجيش السوري: «لا توجد قيادة موحدة للمسلّحين تمون عليهم، بل أطراف كثيرة تضغط على بعضها البعض، وما ان يتخلّص مسلّحو التسوية من جوعهم حتّى ينسوا المصالحة، ويعودوا إلى القتال من جديد». إلا أن الحلبي أكّد لـ«الأخبار» أن تسليم الأسلحة الثقيلة للجيش السوري هو في حد ذاته تقدّم نوعي، ولا توجد سابقة مماثلة له في تجارب المصالحة السابقة في البلدة.
بدوره، أكّد مصدر أمني رسمي لـ«الأخبار» قيام ضباط في الجيش، بتكليف من القيادة في الغوطة الغربية، بالتواصل مع مسلّحي داريّا الذين يقدّر عددهم بـ 3 آلاف، «حوالى 800 منهم فعلياً قادرون على حمل السلاح، أمّا البقيّة فهم مصابون بشتّى الأمراض السارية بسبب نقص المياه ومواد التنظيف حيث يقطنون». ويضيف المصدر: «أصبح إنجاز التسوية مسألة وقت، وهؤلاء مستعدون للقبول بالشروط التي صاغها الجيش السوري بكثير من الموضوعية، وأكثر ما يثير خوفهم احتمال تعرّضهم للتصفية بعد انجاز التسوية، إلا أنّ الجيش أعطاهم وعد شرف بأنهم لن يتعرّضوا لذلك، بل سيجري الاعتماد عليهم في إدارة مناطقهم لاحقاً».
مخيّم اليرموك: مأساة إنسانية
تعثّر مسار التسوية في مخيّم اليرموك مراراً بسبب «رفض الأطراف الفلسطينية المتشدّدة من الطرفين، فالقيادة العامة وحماس لم تتّفقا في تاريخيهما على شيء بقدر رفض المصالحة»، يقول سند الشهابي، وهو ناشط في مجال الإغاثة في المخيّم. ويصف لـ«الأخبار» مشهد الاجتماع الذي ضم ممثلين للفصائل الفلسطينية في المخيّم، يوم الجمعة الفائت، بـ «المؤسف»، إذ أن «عناصر القيادة العامة أمطروا ممثلي حماس بوابل من التهديدات، وفي المقابل استثمر مقاتلو حماس ذلك كي يُبقوا المخيّم كهامش أمان ومساحة فصل لحماية ظهر إخوانهم من جبهة النصرة في بيلدا وببيلا». ويضيف الشهابي: «الأنكى من ذلك أن جبهة النصرة في يلدا وببيلا لم تعترض على قرار بقيّة فصائل المعارضة المسلّحة السماح لبعض المدنيين بالمرور إلى الضفة المقابلة، وبلغ عددهم 1500 مدني تقريباً، بقدر رفضها لمصالحة المخيّم، الذي لا ينوبه إلا الكلام، ويبقى بلا تسوية». كلام الشهابي تؤكّده تظاهرة انطلقت في المخيّم في الثامن من الشهر الجاري، حيث ظهر في فيديو على «يوتيوب» عشرات الشبّان الفلسطينيين من داخل المخيّم يهتفون بشعارات مثل «يا للعار يا للعار؛ حرامية صارت تجار؛ شعب اليرموك عم بيموت؛ من عنا طلع القرار؛ ضد السلاح وضد النار؛ لا تقلي اصبر عالجوع». ويجري ذلك على خلفيّة سقوط أكثر من 12 قتيلا ضحيّةً للجوع، منهم حسن إبراهيم قصيني، الشيخ الستيني الذي قضى قبل أيام. وتفيد المعلومات الواردة من داخل المخيّم بأن الأهالي يعتمدون في التدفئة على حرق الأخشاب والأبواب، وأن الغذاء الأساسي أصبح «السلق» الذي يباع بكؤوس ثمن الواحدة منها 150 ليرة، ويجري بيع قطع شوكولا فاسدة بثمن 100 ليرة، سُجّلت إثر تناولها العديد من حالات التسمّم، وأصبح سعر كيلو الأرز والسكر حوالى 4000 ليرة، والخبز 1500 إلى2000 للربطة الواحدة.
ويؤكّد مصدر عسكري رفيع المستوى الوصول إلى تسوية جديدة، يُزمع تنفيذها خلال اليومين الجاريين، على غرار تسويات الريف الأخرى، ويقول: «كبقيّة التسويات، الواقع هو الذي فرض تسوية اليرموك الجديدة، بعدما عجزت الفصائل الفلسطينية عن انجازها، رغم التسهيلات التي قدمها الجيش لوفد منظمة التحرير الفلسطينية»، ويؤكّد أن التسوية ستشمل تسوية أوضاع 400 مسلّح.
وفي مناطق أخرى، أكّد ناشطون لـ«الأخبار»، أنه يجري تنظيم تسويات مماثلة في مضايا والزبداني: «في مضايا توصل المتفاوضون إلى رفع علم الجمهورية العربية السورية في ساحاتها، أسوة بقدسيّا وبرزة، أما في الزبداني فتمكّنت قوى تنتمي إلى المعارضة الوطنية، من الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، من إقناع طرفي النزاع بالوصول إلى التسوية، بعد تحضيرٍ دام أشهر عدة».