تتّسع، يوماً بعد يوم، دائرة الجدل بشأن الخروقات التي تخلّلت الانتخابات البرلمانية العراقية التي أجريت في الـ12 من الشهر الجاري، في ظل تطورات أمنية تدقّ جرس الإنذار بتحوّل ذلك الجدل إلى اضطرابات على الأرض. وفيما تواصلت محاولات بعض القوى والشخصيات الخاسرة عقد جلسة لمجلس النواب من أجل اتخاذ قرار بشأن الخروقات المذكورة، دخلت «المفوضية العليا للانتخابات» ومعها المحكمة الاتحادية العليا على خطّ الجدل، مُقلّلتَين من أهمية الدعوات إلى إعادة النظر في النتائج، وهو ما عزّز التوقعات بأن الصخب المتعالي حالياً لن يسفر عن أكثر من عمليات «استلحاق» كانت الدورات البرلمانية السابقة شهدت ما يناظرها.ورفضت «المفوضية»، أمس، ما كان أعلنه مجلس الوزراء رسمياً من إمكانية اختراق الأجهزة الإلكترونية الخاصة بالاقتراع، وبالتالي حدوث تزوير في النتائج، مؤكدة، في بيان، أنها تحققت من نتائج التصويت في جميع المحافظات باستثناء كركوك «حيث سيطرت جماهير بعض الأحزاب على مراكز الاقتراع». وأوضحت أن «سيرفرات المفوضية تم فصلها عن الشبكات الخارجية قبل إعلان النتائج، وليس هناك قدرة لأي جهة على الوصول إليها»، مبدية في الوقت نفسه استعدادها لـ«استقبال أي جهة حكومية أو قضائية أو تشريعية يتم تكليفها بشكل قانوني ودستوري، وتزويدها بالبيانات والمعلومات اللازمة لزيادة الاطمئنان إلى العملية الانتخابية». وتوجهت إلى «الذين لديهم اعتراضات على نتائج الانتخابات باتباع السياقات القانونية والدستورية، من خلال تقديم الطعون إلى الهيئة القضائية للانتخابات» خلال مهلة أقصاها يوم الخميس المقبل. وجاء بيان «المفوضية» على خلفية إعلان الحكومة، الخميس الماضي، تشكيل لجنة برئاسة رئيس ديوان الرقابة المالية للتحقيق في الإشكالات التي رافقت العملية الانتخابية. من جهتها، ردّت المحكمة الاتحادية العليا دعوى تطالبها بعدم المصادقة على نتائج الانتخابات، منبّهة إلى أن «الموضوع يخصّ المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي هي صاحبة الشأن في قبول الشكاوى والاعتراضات»، مضيفة، في بيان، أن «قرارات المفوضية تخضع للطعن أمام جهة قضائية هي الهيئة القضائية في محكمة التمييز الاتحادية».
وجهت رئاسة البرلمان دعوة ثالثة إلى جلسة استثنائية اليوم


وجاء بيانا «المفوضية» و«الاتحادية» في وقت دعت فيه رئاسة البرلمان إلى جلسة جديدة لمجلس النواب اليوم الإثنين، بهدف مناقشة الخروقات الانتخابية واتخاذ قرار بشأنها. وهي دعوة تُعدّ الثالثة من نوعها بعد دعوتين سابقتين لم يُكتب لهما النجاح، بفعل عدم اكتمال النصاب القانوني في اليومين اللذين كانا مقرّرين للجلسة الاستثنائية (الخميس والسبت الماضيان). وبحسب مقرر مجلس النواب، نيازي معمار أوغلو، فإن من المرجّح أن يتم تأجيل الجلسة هذه المرة أيضاً إلى يوم الأربعاء، في ظل غياب «أي مؤشرات على اكتمال النصاب القانوني للجلسة» بحسب ما أكد أمس في تصريح صحافي. وإزاء تلك الدعوات المتكررة، سُجّل موقف للمتحدث باسم «التيار الصدري»، جعفر الموسوي، أشار فيه إلى أنه ليس من صلاحيات البرلمان تعديل نتائج الانتخابات أو إلغائها، معتبراً «ما يقوم به مجلس النواب أو ما يريد الشروع به زحفاً على صلاحيات السلطات الأخرى». وقال، في بيان، إنه «إذا كان هناك تقصير في عمل المفوضية فلمجلس النواب مساءلتها وفقاً للقانون ومحاسبتها متى ما توفرت الأدلة والقناعة».
وفي ظل المواقف الرافضة لإلغاء نتائج الانتخابات، وتعالي التحذيرات من تأثير مزاعم التزوير على الوضع الأمني، خصوصاً عقب الهجوم الذي استهدف مساء الجمعة مقر «الحزب الشيوعي» وسط العاصمة بغداد، تتقدم احتمالات استرضاء الخاسرين بما يسمى «الاستلحاق». وهو ما يتيحه بالفعل القانون الذي أجريت على أساسه الانتخابات الأخيرة؛ إذ إنه يسمح لكل كتلة برلمانية بأن تعيّن بديلاً لنائبها الذي يتمّ اختياره لمنصب حكومي أو تنفيذي من المرتبة التي تليه مباشرة في عدد الأصوات. مرونة ستتيح لعدد كبير من الشخصيات (ما لا يقلّ عن 15 شخصية) العودة إلى قبة البرلمان، في سيناريو «مغرٍ» يفسّر التشكيك المتصاعد في نتائج التصويت أملاً في استحصال الحدّ الأدنى من «التعويض».
في خضم ذلك، تراجع، خلال اليومين الماضيين، زخم المشاورات السياسية الدائرة بشأن تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر التي ستعود إليها تسمية رئيس الوزراء المقبل. ومع إنهاء الوفدين الكرديين اللذين يمثلان الحزبين الرئيسين (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني) زيارتهما إلى بغداد حيث أجريا مشاورات مع شخصيات وقوى سياسية، تتجه الأنظار إلى ما ستسفر عنه مناقشاتهما الداخلية، والتي يتوقّع أن تفضي إلى موقف موحد لا يستبعد أن يكون الانضمام إلى زعيمَي ائتلافي «الفتح» هادي العامري، و«دولة القانون» نوري المالكي، في ظلّ تزايد المؤشرات إلى إمكانية اتحاد الزعيمين المذكورين مع أطراف كردية وأخرى «سنية». لكن مع ذلك، يبقى «ما يجري اليوم في إطار الحوارات العامة السياسية»، بحسب ما أكد أمس مدير المكتب الإعلامي للمالكي، هشام الركابي، الذي نفى «انضمام كتل أخرى إلى دولة القانون»، متوقعاً في الوقت نفسه أن «تفضي الحوارات خلال الأيام المقبلة إلى نتائج فعلية». وبعد تتالي الأنباء عن تزايد الأسماء المرشحة لرئاسة الوزراء، قال المتحدث باسم ائتلاف «النصر»، حسين العادلي، إن رئيس الوزراء حيدر العبادي «هو الأقرب في الوقت الحالي إلى تكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة»، متابعاً أن «الكتل التي تم الالتقاء بها لم ترفض تجديد ولاية العبادي».