أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري، تسلّمه رسمياً دعوة من السفيرة الفرنسيّة لحضور «المؤتمر الدولي المتعلّق بالشأن الليبيّ»، الذي سيعقد يوم الثلاثاء المقبل في العاصمة باريس، في حين أنه من المنتظر أن يجمع اللقاء أيضاً قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، ورئيس حكومة الوفاق الوطنيّ، فايز السراج، إلى جانب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح.وبعد الإعلان عن ذلك بساعات، تسرّبت المبادرة الفرنسية الجديدة، وأهمّ ما جاء في بنودها الـ12 هو «التوحيد الفوريّ للمصرف المركزيّ» المنقسم الآن بين رئيسين، وإجراء انتخابات في أفق هذا العام بناء على خطّة المبعوث الدوليّ غسان سلامة، إضافة إلى إجراء استفتاء حول الدستور، وتوحيد المؤسسة العسكريّة اعتماداً على اجتماعات القاهرة في هذا الصدد، وليس أخيراً تسليط عقوبات دوليّة في حقّ المنقلبين على هذا المسار.
يأتي ذلك بالتزامن مع جلسة جديدة ضمت تونس ومصر والجزائر ضمن آلية اجتماع ثلاثيّة تنعقد بصفة دوريّة للتباحث في آخر التطوّرات في ليبيا وسبل دعم الحلّ السياسيّ فيها. وعلى رغم انطلاق الجلسات العام الماضي، بمبادرة من الرئيس التونسيّ، باجي قائد السبسي، فإنّها لم تنتج حتى الآن أثاراً فعليّة، خصوصاً أنّ المبادئ المُعلنة لها ــ مثل دفع الحوار بين الفاعلين المحليّين ورفض التدخّل الأجنبيّ في ليبيا ــ تتناقض مع ممارسات وتوجّهات الثلاثيّ، وبالتحديد الجانب المصريّ المساند لسلطات شرق البلاد وقوّات حفتر العسكريّة، والرافض للإسلاميّين الذين يمثّلون قوّة معتبرة غرب البلاد.
إلى جانب هذا الثلاثيّ، يلعب المغرب منفرداً دوراً مهمّاً، فقد احتضن توقيع «الاتفاق السياسيّ» عام 2015، ونظّم لقاءً نهاية الشهر الماضي بين عقيلة صالح (متركّز في الشرق)، والمشري (الغرب)، لكنّ كلّ هذه المساعي العربيّة لم تثمر حلاً نهائيّاً، وهي ليست وحدها في ذلك.
تعليقاً على الاتفاق، رأى جلال حرشاوي، وهو باحث في الشأن الليبيّ، أنّه بناء على معطيات الأشهر الأخيرة «صارت فرنسا هي الفاعل الدوليّ الأهمّ في ليبيا، لكنّ ذلك لا ينفي أنّ المبادرة تأتي في سياق تعجّل الرئيس الفرنسيّ، إيمانويل ماكرون، لإعلان مبادرات كبرى لا تؤدي في النهاية إلاّ إلى نتائج محدودة، لأنها تضع أهدافاً طموحة جداً من دون أن تحدد المسار».
لم تستطع قوات حفتر على رغم تفوقها تحقيق إنجاز ميداني في درنة


ويشير كلام حرشاوي إلى مبادرة ماكرون السابقة، منتصف العام الماضي، التي أدت إلى تلاقي السراج وحفتر في باريس. آنذاك، لم تفرز المبادرة سوى صور سعيدة للرئيس الفرنسيّ وهو يتوسّط الرجلين الأقوى في ليبيا. أما من الناحية العمليّة، فلم يوقّع أحد منهما الاتفاق على رغم إعلانهما قبوله. وبعد أسابيع قليلة، أعلن حفتر تراجعه، لكنّه حقّق من وراء الزيارة هدفاً أكبر هو تحصيل شرعيّة دوليّة له ولجيشه. ويرى الباحث الليبي أنّ المبادرة الجديدة، إذا ما نجحت في نيل موافقة الأطراف المعنيّة، فإنها ستفتح نافذة أخرى لحفتر ومشروعه، «كأنهم يقولون له: إذا ترشّحت للرئاسة ونجحت بطريقة ما في التحوّل إلى رئيس مدنيّ على شاكلة عبد الفتاح السيسي، فسنكون، نحن الفرنسيّين، سعداء لمساعدتك».
بعيداً عن المبادرات المتفائلة، تستمر الاشتباكات في أطراف درنة (شرق البلاد) للأسبوع الثالث على التوالي، وذلك على رغم توالي الدعوات القادمة من سلطات غرب البلاد إلى فكّ الحصار المضروب عليها منذ نحو عامين، وترك المجال للحلول السلميّة. مع هذا، لم تحقّق قوات خليفة حفتر حتى الآن تقدماً يذكر في عمليّاتها على رغم تفوّقها من ناحية التسليح كماً ونوعاً، والدعم الجويّ الذي تتلقاه من طائرات تعود، بالنظر إلى طرازها، إلى دول أجنبيّة داعمة (مصر والإمارات).
أكبر إنجازات الفريقين المتحاربين في الأيام الأخيرة هو تبادل القتل وأسر قيادات ميدانيّة، إذ أعلنت قوات حفتر في نعي رسميّ أمس مقتل العميد عبد الحميد بوعقيلة، وهو آمر «الكتيبة 36 صاعقة»، برفقة أحد جنوده، بعد إصابة عربتهما بلغم أرضيّ، كما أعلنت القبض على عدد من زعماء «قوّة حماية درنة» المتمركزة في المدينة وتجمع خليطاً من المقاتلين جزء كبير منهم جهاديّون.
وأمس، خرج حفتر في كلمة مصوّرة حول مجريات الحملة التي رأى أنّها «تلقي الرعب في نفوس الإرهابيّين وأعوانهم». والمثير للانتباه في الخطاب تبني الرجل خطاب حلفائه من «السلفيّة المدخليّة» الذين يحاربون ضمن قواته ويهيمنون على «الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلاميّة»، إذ قال إنّ الحملة تأتي تتويجاً «لأربع سنوات متواصلة من الكفاح المقدّس للقضاء على زمر الخوارج من أهل الضلال والتكفير»، الذين يجمعون وفق فهم هذا المعسكر جميع أطياف الإسلاميّين، من «الإخوان المسلمين» إلى «داعش».
ويدير درنة «مجلس محليّ» و«مجلس أهليّ اجتماعيّ» وقوات أمن و«قوّة حماية درنة»، بناء على «ميثاق» وقّعوه قبل عامين. وعلى رغم إعلان «القوّة» أخيراً أنّها تعتبر «دار الإفتاء الليبيّة» مرجعيّة شرعيّة لها، ونفيها روابطها بـ«تنظيم القاعدة»، نشر الإعلام الموالي لحفتر في الأيام الماضية رسالة مفترضة من عمر رفاعي سرور (مطلوب في مصر) يحثّ فيها المقاتلين على «الصمود في مواجهة العدوّ الصائل»، إضافة إلى تأكيد إقامته في المدينة برفقة هشام علي عشماوي، والأخير ضابط منشق عنّ الجيش المصريّ، ومسؤول عن تنفيذ كمين لقوات من الجيش في الصحراء الغربيّة في مصر عام 2014.