القاهرة | استيقظ المواطنون في مصر، صباح الجمعة الماضي، على صدمة جديدة، تمثلت في قرار زيادة أسعار تذاكر المترو، الذي يعدُّ وسيلة النقل الأكثر شعبية في القاهرة الكبرى، التي يسكنها 20 مليون نسمة على الأقل.التعرفة الجديدة للمترو تمّ تقسيمها، بحسب عدد المحطات، إلى ثلاث فئات، بقيمة 3 و5 و7 جنيهات على التوالي، بعدما كانت التعرفة الموحدة جنيهين منذ بداية أيار عام 2017، فيما كانت قبل ذلك جنيهاً واحداً.
سيل من التصريحات الرسمية المتلاحقة حاول تبرير زيادة التعرفة. البداية كانت مع وزير النقل هشام عرفات الذي قال إن «كلفة دعم مترو الأنفاق بلغت ملياراً و200 مليون جنيه، والدعم سينخفض بنسبة 60 في المئة»، وتبعه، في ذلك، مساعده لشؤون الأنفاق والسكك الحديد عمرو شعث، الذي أشار إلى أن «ديون المترو بلغت حوالى 350 مليون جنيه، فيما سجلت خسائره حوالى 618 مليون جنيه سنوياً»، في حين ربط مساعد رئيس شركة المترو للتحكم المركزي عصام منير الزيادة بكون «الخط الأول للمترو يحتاج إلى 30 مليار جنيه لإعادة تطويره».
حالة من الغليان أصابت الشارع المصري، بعد هذه الزيادة المفاجئة، التي لا تتناسب مطلقاً مع متوسط الأجور في مصر، فسعر التذكرة الحالية، بعد الزيادة، بات يشكل نسبة 14 في المئة من قيمة متوسط الأجور.
«نستيقظ في الصباح لنتمنى أن ينتهي اليوم في أسرع وقت». هكذا علّق أحد عمال المترو، في ثاني أيام الزيادة، بسبب ما يراه من سخط وغضب من المواطنين، ولوم وعتاب، وأحياناً تجاوزات، يحاول العامل أن يبدي تفهّماً تجاه أصحابها بالقول «إحنا مقدّرين... الله يكون في عونهم وعونّا كلّنا».
توقيت الزيادة غير منطقي بالنسبة إلى كثيرين، خصوصاً أنّ المصريين على موعد، في مطلع تموز/ يوليو المقبل، مع سلسلة من الزيادات التي لم يكن «المترو» ضمن حساباتها، وتتمثل في زيادة أسعار الوقود بنحو 20 في المئة، في إطار الخطة الخمسية لرفع الدعم عن المحروقات تنفيذاً لبرنامج الإصلاح الخاص بالبنك الدولي، والزيادة السنوية في أسعار الكهرباء، مع بداية كل عام مالي منذ عام 2014.
إشارة البدء بخطة تطبيق الزيادات الحالية لأسعار تذاكر المترو جاءت على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي، في آب/أغسطس من عام 2015، أثناء حضوره الندوة التثقيفية التاسع عشرة للقوات المسلحة، حيث حذر في كلمته من انهيار المترو خلال سنوات قليلة «إن لم يتم الانتباه». الشركة القومية لتشغيل المترو التقطت طرف الخيط، وأكدت على لسان رئيس مجلس إدارتها، المهندس على فضالي، أن أسعار الكهرباء وقِطع الغيار وأجور العاملين تتزايد سنوياً إلا تذكرة المترو، لم تزد منذ عام 2006.
«استسهال اللجوء إلى جيب المواطن» و«العجز عن تقديم حلول ابتكارية»، و«تحكّم البيروقراطية في الإدارات»... كلها اتهامات وجّهها خبراء ومواطنون إلى الحكومة، بعد تلك الزيادة التي اعتبروها مجحفة، وتتجاهل عشرات المقترحات لزيادة إيرادات مترو الأنفاق، بعيداً عن المساس بسعر التذكرة، الذي كان في متناول الغالبية العظمى من المواطنين.
غياب الإدارة الرشيدة والحلول يسهم يومياً في زيادة المعاناة


في شهر نيسان/ابريل من عام 2015، أعلن شاب مصري عن فكرة لتصميم إعلانات دعائية على تذاكر مترو الأنفاق، من شأنها أن توفّر موارد هائلة، تعادل تقريباً مجموع رواتب موظفي هذا المرفق لمدة ثلاث سنوات. يومها، تداولت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر اقتراح الشاب أحمد الطماوي، الذي قوبل بترحيب من المواطنين. هذا الترحيب وصل إلى وزارة النقل التي دعته إلى لقاء مع الوزير لبحث الفكرة وسبل تنفيذها. اجتماعات متكررة، ووعود مستمرة، ولجنة تنبثق منها لجنة، وبيروقراطية لا تنتهي، حالت دون تنفيذ فكرة الطماوي.
بعد فترة انتظار طويلة، اقتحمت دولة الإمارات المشهد، لتعرض على الشاب المصري تنفيذ الفكرة، فوافق، وانتهى الأمر كله في غضون ثلاثة أيام فقط! في أحد حواراته الصحافية، شرح الطماوي ما حدث قائلاً: «في مصر، وطوال الفترة الممتدة بين 18 نيسان 2012، والأول من حزيران/يونيو 2015، لم نصل إلى نتيجة... أما في الإمارات فلم يستغرق الأمر سوى ثلاثة أيام، عرضت خلالها مشروعي وحصلت على الموافقة».
لم ييأس الطماوي، فعاد ليبدي استعداده مرة أخرى لتنفيذ فكرته في مصر، بعد زيادة سعر التذكرة جنيهين... لكنّ محاولته الجديدة باتت أشبه بـ«النفخ في القربة المقطوعة»، وفق المثل الشعبي المصري المعروف. الفكرة عادت إلى السطح مرة أخرى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي أعادت تداول قصة الطماوي، بعد زيادة أسعار التذاكر، وذلك رداً على تصريحات وزير النقل بأن الإعلانات في المحطات السطحية غير مغرية للمعلنين.
مقترحات أخرى قُدّمت لوزراء النقل على مدار السنوات الثلاث الأخيرة، وأبرزها تفعيل الإذاعات في محطات المترو، والتي تُعتبر غير مستغلة بالشكل الأمثل، بالإضافة إلى شاشات العرض داخل المحطات وفتح المجال بشكل أفضل للوحات الإعلانية، سواء داخل المحطات أو على العربات نفسها، إلى آخر تلك الأفكار، التي لم تجد آذاناً صاغية من قبل المسؤولين المصريين، وذلك رغم كونها أفكاراً سهلة التنفيذ وتدرّ دخلاً جيداً يجعل من رفع أسعار التذاكر حلاً غير مطروح... أو في أسوأ الحالات آخر الحلول المُرّة.
ثمة معادلة بسيطة وتاريخية في الاقتصاد، وتتمثل في كون الاستغلال الأمثل للموارد يجعل من الإدارة عملية سهلة جداً، بدلاً من الشكوى الدائمة من تكلفة التشغيل، والسعر غير العادل، وتكلفة الصيانة وغيرها من المبررات التي ساقتها وزارة النقل لتبرير زيادة أسعار تذكرة المترو ما بين 250 ـــ 700 في المئة خلال عام واحد.
خبراء النقل، من داخل المرفق الحكومي وخارجه، اتفقوا مع جدوى تلك المقترحات، وتحدثوا إلى «الأخبار» بشكل أكثر عمقاً ونظرة أكثر دراية ببواطن الأمور، عن المقترحات الحبيسة في الأدراج، والميزانية المهدرة.
رفعت عرفات، الرئيس السابق للنقابة المستقلة لعمال المترو، يشكك، في حديث إلى «الأخبار»، في وجود خسائر في مترو الأنفاق في الأساس، بسبب عدم إعلان ميزانية هذا المرفق بشكل علني وواضح. ويدلّل عرفات على ما يقوله بلغة الأرقام: وفقاً لما هو معلن، فإنّ خسائر مترو الأنفاق وصلت إلى 165 مليون جنيه في عام 2016، لترتفع إلى 200 مليون جنيه قبل مضاعفة السعر في آذار عام 2017، وآخر تصريح رسمي بشأن مجمل إيرادات عام 2016، تحدث عن 670 مليون جنيه. وبحساب أن عدد الركاب اليومي (ثلاثة ملايين)، سيكون الدخل السنوي، بعد مضاعفة سعر التذكرة من جنيه إلى جنيهين، ملياراً و340 مليون جنيه. وبخصم الخسائر المقدرة بقيمة 200 مليون جنيه، سيكون هناك فائض في الموازنة وأرباح تقدّر بـ450 مليون جنيه!
ويشير عرفات إلى أنه فوجئ بوجود 45 إدارة داخل هيئة المترو، ولكل منها مديروها وموظفوها، بل وسياراتها الخاصة، متسائلاً «ما فائدتهم جميعاً؟».
يرى عرفات أن «الأَوْلى، بدلاً من زيادة سعر التذكرة بهذا الشكل، إعادة هيكلة تلك الإدارات التي لا طائل من ورائها سوى التكاليف الزائدة»، مشدداً على أن «مرفقاً مثل المترو يكفيه ثلاث أو أربع إدارات على الأكثر».
يعتبر عرفات تصريحات المسؤولين مستفزة، وتبريراتهم غير منطقية، سواء بشأن الخسائر التي يطالبون الشعب بتعويضها، أو بشأن زيادة تكلفة الكهرباء والوقود، متسائلاً «إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يتم الإعلان بشكل قانوني عن تلك النفقات والإيرادات في الميزانية السنوية؟».
من جهته، يرى المهندس عمرو رؤوف، الخبير في الإنشاءات، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ تخفيض تكلفة الإنشاءات يمكن أن يخفض من التكاليف الباهظة، التي يتحملها المواطنون، مشدداً على أنه لا يعرف «سبباً لإصرار هيئة مترو الأنفاق على إنشاء أنفاق تحت الأرض بدلاً من إنشاء محطات سطحية».
ويوضح رؤوف أن تكلفة إنشاء خطوط المترو تحت الأرض تبلغ 20 ضعفاً مقارنة بالخطوط المقامة على جسور مخصصة لهذا الغرض، وتصل إلى 40 ضعفاً من تكلفة المترو السطحي، وهو ما لجأت إليه على سبيل المثال كلّ من مرافق المترو في الهند ودبي وشيكاغو وغيرها.
وفي هذا السياق، يشير رؤوف إلى أنه «كانت هناك مقترحات من هيئة التعاون الدولي اليابانية (جايكا) بتجديد شبكة المترو السطحية، إلا أن جلال السعيد، وزير النقل السابق، نسف تلك المقترحات لحفر الأنفاق»، متهماً وزارة النقل بالعمل لحساب شركات المقاولات، والتي يتم اتخاذ القرارات لصالحها على حساب مصالح المواطن المصري.
غياب الإدارة الرشيدة التي تستطيع الحفاظ على بنيتها التحتية وتطويرها من خلال طرق مبتكرة، وآليات وحلول مطروحة ويمكن تنفيذها بسهولة، يسهم يومياً في زيادة معاناة المواطن المصري، الذي يئنّ تحت سندان الرواتب المتدنية ومعدلات التضخم المرتفعة، ومطرقة زيادة الأسعار والإجراءات التقشفية الصعبة، فيما تتجاهل الحكومة المصرية الكثير من الحلول لتيسير حياة المواطنين وجعلها أقل معاناة، وهي وظيفتها الأولى بالأساس!