بعد مرور عام وأيام عدة على توقيع اتفاق «تخفيض التصعيد» في العاصمة الكازاخية، لم يخرج البيان الختامي لجولة محادثات أستانا التي عقدت خلال اليومين الماضيين، بمعطيات غير متوقعة، على رغم أن صياغته راعت بعض التحديات الجديدة التي أفضت إليها تطورات الميدان وتفاهمات الدول الثلاث الضامنة. وكما أكد البيان المشترك «سيادة واستقلال ووحدة وسلامة الأراضي السورية»، فإنه أعاد التذكير بأن مناطق «تخفيض التصعيد» هي «إجراءات موقتة» لا تنتهك هذه المبادئ. وعلى غرار ما جرى في الجولات السابقة، جددت روسيا وتركيا وإيران تعهدها بتعزيز «مكافحة الإرهاب» بما في ذلك تنظيمات «داعش» و«جبهة النصرة» و«جميع الأفراد والمجموعات والمشروعات والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة أو داعش». وبدت لافتة إشارة البيان إلى ضرورة العمل على «خلق شروط العودة الآمنة والطوعية لكل من اللاجئين والنازحين إلى أماكن إقامتهم الأصلية»، وهو بند تعوّل تركيا عليه كثيراً لإعادة القسم الأكبر من اللاجئين السوريين إلى مناطق الشمال السوري الخاضعة لنفوذها، والتي باتت مسوّرة بنقاط عسكرية لجيشها. وتوافقت الأطراف الضامنة على عقد اجتماعين مهمين؛ الأول سيكون لمجموعة المعتقلين والمختفين قسراً في حزيران المقبل على أن تستضيفه أنقرة، فيما سيكون الثاني، لقاءً رفيع المستوى في مدينة سوتشي الروسية، وسيعقد وفق المقرر في تموز المقبل. الإعلان عن اجتماع جديد في سوتشي، جاء بالتوازي مع تعهّد هام تضمّنه البيان الثلاثي، وهو «عقد مشاورات مشتركة لممثليهم رفيعي المستوى مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة (ستيفان دي ميستورا)، وكذلك مع الأطراف السورية، من أجل خلق الشروط لتسهيل بدء عمل اللجنة الدستورية في جنيف في أسرع وقت ممكن، والقيام بلقاءات كهذه في شكل منتظم». الحديث عن «اجتماعات دورية» لدفع ملف «اللجنة الدستورية» التي سبق إقرارها في سوتشي، ضمن مسار جنيف، قد يعطي دفعة جديدة لمسار المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة هناك. إلا أن من المبكر الرهان على تعاون مفترض من قبل ضامني أستانا مع الجهود في جنيف، خصوصاً أن روسيا ذكّرت مرات عدة أن التحركات الأميركية ــ الأوروبية الأخيرة تجهض هذا المسار.
تم التوافق على عقد اجتماعات دورية مع الجانب الأممي في شأن «اللجنة الدستورية»

وفي ضوء هذه المخرجات التي حاولت تعزيز أهمية مسار أستانا ضمن إطار «التسوية» في سوريا ــ وهو ما بدا واضحاً في حديث رئيس الوفد الروسي ألكسندر لافرنتييف عن أن «عملية أستانا حية وستستمر بغض النظر عن الأقاويل التي يروج لها من قبل وسائل الإعلام وبخاصة الغربية» ــ فإن السؤال الأبرز أصبح يدور حول آلية «مكافحة الإرهاب» (خصوصاً التنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة في إدلب ومحيطها) التي توافق عليها الضامنون الثلاثة. فالوفد الحكومي السوري أبدى ارتياحه أمس لنتائج الجولة المنقضية، مؤكداً أن دمشق سوف «تواصل تحرير كل شبر من أراضيها سواء من الإرهاب أو من كل معتد عليها». وفي الوقت نفسه، كان الجانب المعارض يرحّب بما جرى وفق صيغة «أستانا» من انتشار للقوات التركية على خطوط التماس مع الجيش السوري، معوّلاً على أن هذا التواجد سوف «يسحب الحجج من النظام» لأي تصعيد عسكري. وهو ما قابله الطرف الروسي بأمل مماثل في أن «تنجح تركيا في ضمان الأمن والاستقرار (في إدلب ومحيطها) والحيلولة دون حدوث أعمال استفزازية للقوات الحكومية».
وبينما عبّر الوفد المعارض المشارك في أستانا، عن خيبته جراء تطور الأوضاع في جيب ريف حمص الشمالي، تواصل تنفيذ اتفاق التسوية هناك عبر إخراج الدفعة الأخيرة من الحافلات التي ستخرج إلى محافظة إدلب، في وقت دخلت قوات الأمن الداخلي إلى عدد كبير من البلدات، في ريفي حمص وحماة، بعد انتهاء خروج المسلحين والمدنيين الرافضين للمصالحة منها. وبالتوازي، بدأت إجراءات «تسوية أوضاع» المسلحين الذين اختاروا البقاء في بلداتهم، على الخروج نحو الشمال السوري. وفي محيط دمشق الجنوبي، اقترب الجيش من حصار مسلحي «داعش» داخل مخيم اليرموك فقط، مع دخوله آخر المناطق التابعة لحي الحجر الأسود في الجهة الشمالية، والمتاخمة لأطراف المخيم. وسيتيح هذا التقدم تعزيز الضغط على التنظيم داخل اليرموك، بعد معارك عنيفة دارت في الحجر الأسود، استغل فيها «داعش» المباني السكنية والأنفاق لإعاقة تقدم الجيش لأطول وقت ممكن.