مع تقدم الزمن وتصاعد الدعوات لإنجاز انتخابات في أفق هذا العام، يزداد بروز أنصار نظام القذافي على مسرح الأحداث في ليبيا وتتكرّس عودتهم، وتتفتّح شهيّة المختصمين لنيل ولائهم. أول من أمس، انتهى اجتماعان متوازيان، عُقد الأوّل في بنغازي وجمع شخصيّات بارزة في نظام القذافي وحركات سياسيّة موالية لسياسته، وعُقد الثاني في السنغال وجمع إسلاميّين من طرابلس بشخصيّات «قذافيّة».
حاول الإعلام الخليجيّ والمصريّ التقليل من أهمية «مؤتمر داكار» (زهرة بنسمرة)

في ليبيا، يبدو كل شيء مختلَفاً عليه، فحتى أنصار الزعيم الليبيّ الراحل معمّر القذافي، صاروا محلّ نزاع بين شطري البلاد. في الواقع، بدأت بوادر حسن النيّة تجاه «القذافيّين» منذ مدّة، أي بعد إقرار البرلمان المتمركز شرق البلاد «عفواً» عليهم، أُطلِق بمقتضاه سراح سيف الإسلام، وتبعه بداية الشهر الماضي الحكم ببراءة الساعدي القذافي من قبل محكمة في العاصمة طرابلس (لم يتمّ حتى الآن إطلاق سراحه)، وكذلك إطلاق معتقلين في مصراتة من أبرزهم سيّد قذاف الدم (ابن عم معمّر القذافي). من جهتهم، انتظم أنصار العقيد في تشكيلات سياسيّة، بعضها مدعوم إقليميّاً، فيما بقي آخرون ينشطون بصفاتهم الشخصيّة.
بدأ «مؤتمر داكار» يوم الجمعة الماضي، وجمع شخصيّات مهمّة من غرب البلاد، منها عبد الحكيم بلحاج، وهو رئيس «حزب الوطن» وكان أمير «الجماعة الإسلاميّة المقاتلة» التي نشطت في ليبيا خلال التسعينات، وصالح المخزوم، الذي شغل سابقاً منصب النائب الثاني لرئيس «المؤتمر الوطنيّ العام» (برلمان سابق) والقياديّ في حزب «العدالة والبناء» الإخوانيّ، إضافة إلى شخصيّات محسوبة على نظام العقيد القذافي، وممثلين عن سلطات البلاد الشرقيّة والغربيّة.
وجاء تنظيم «المؤتمر التشاوريّ»، بحسب ما وصفه بيان الرئاسة السنغاليّة، بمبادرة من «مؤسسة برازافيل» التي يديرها رجل الأعمال الفرنسي المثير للجدل جان إيف أوليفييه، والمسؤول عن ملف ليبيا في «الاتحاد الأفريقيّ» دنيس ساسو نغيسو (رئيس الكونغو). وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه كان لبشير صالح، مدير مكتب القذافي ورئيس «محفظة ليبيا ـــ أفريقيا» الاستثماريّة سابقاً، دور في التنظيم، حيث عبّر في حوارات سابقة عن طموحه في إنجاز مصالحة في ليبيا بين جميع المكونات والتقى لتحقيق مسعاه عبد الحكيم بالحاج وعدداً من الزعماء الأفارقة العام الماضي.
جمع مؤتمران بين بنغازي وعاصمة السنغال أنصاراً للنظام السابق


وفي رسالة إلى المؤتمر، قال بشير صالح: «أمضينا شهوراً وأعواماً نعمل لتحضيره مع كلّ أبناء ليبيا»، واستدرك قائلاً إنّه تعذّر عليه القدوم نظراً للحادث الذي تعرّض له في جنوب أفريقيا الذي صنّفه في خانة التكاليف التي «بلغت حدّ الاعتداء الجسديّ والتصفية الشخصيّة كما تعلمون وكما أؤكد لكم من واقع الدراية والمعرفة»، واختتم بدعوة الحاضرين إلى «التنازل والعفو».
وتأتي أهميّة «مؤتمر داكار» في جمعه للمرّة الأولى بين أشد الأطراف عداء لنظام القذافي وشخصيات من نظامه، ومن الجدير بالذكر هنا أنّ الإعلام الخليجيّ والمصريّ حاول نفي علاقة «الاتحاد الأفريقيّ» وصالح بالمؤتمر ونسبه إلى «مؤسسة برازافيل» وقطر للتقليل من أهميّته. ورافق تلك الجهود إعلان العقيد العجمي العتيري، المسؤول عن السجن الذي كان يقبع فيه سيف الإسلام، والشيخ مولاي أقديدي، رئيس المجلس الأعلى لطوارق ليبيا، و«الجبهة الشعبيّة لتحرير ليبيا» رفضهم دعوة الحضور إلى المؤتمر.
من جهة ثانية، شهدت مدينة بنغازي يومي السبت والأحد فعاليّات «لقاء تحضيريّ للقوى الوطنيّة»، المنعقد تحت عنوان «من أجل إنقاذ الوطن من الإرهاب والفوضى والتدخّل الأجنبيّ»، وجمع للمرّة الأولى عدداً من الشخصيّات والتنظيمات السياسيّة التي تنتصر لنظام القذافي، أبرزها «الحركة الوطنيّة الشعبيّة الليبيّة» وعبد المجيد القعود ومحمد بالقاسم الزوي (رئيسا الوزراء والبرلمان زمن القذافي). وعلى رغم تعبير المنظمين وعدد من المتحدثين عن دعمهم للجنرال خليفة حفتر ومشروعه العسكريّ، تجنّب بعض الحاضرين الآخرين إعلان مساندتهم لسلطة شرق البلاد وفضلوا الإبقاء على نوع من الحياد (رفض بعض المشاركين أيضاً رفع علم ليبيا الحاليّ الذي غيّره القذافي زمن حكمه).
في حديث إلى «الأخبار»، يرى الباحث الليبيّ بشير الزواوي أنّ «هذه الاجتماعات لن تفضي إلى نتائج إلا في حالة إجراء انتخابات، وهو ما تسعى أطراف إلى عدم تحقّقه»، مضيفاً إنّ «إستراتيجيّة إطالة الأزمة المتّبعة من قبل معسكر حفتر تواجه تحديات حقيقيّة، فكلما طال الوقت بعيداً عن الحرب، ضعف موقفه، لذلك هو يسعى لإطالة عمر الأزمة وخوض الحروب».
ويحيل كلام الزواوي على حروب حفتر التي لا تنتهي، وآخرها الحملة العسكريّة الجارية للسيطرة على مدينة درنة (المعقل الأخير الخارج عن سيطرته في شرق البلاد)، والتي أطلقها فور عودته نهاية الشهر الماضي من فرنسا بعد وعكة صحيّة غيّبته عن المشهد لأكثر من أسبوعين. وكذلك حملة «فرض القانون» في الجنوب، التي شهدت نهاية الأسبوع الماضي تحوّلات مهمّة، حيث سيطرت يوم السبت قوات تتبع «قبيلة التبو» على القلعة التاريخيّة في مدينة سبها (أهم مدن الجنوب الغربيّ) التي كان يتمركز بها «اللواء السادس» الذي ينتمي أغلب أعضائه إلى «قبيلة أولاد سليمان» والموالي لحفتر منذ مدة.