«جريمة حرب مكتملة الأركان»، بحسب توصيف حكومة الإنقاذ، ارتكبتها السعودية باستهدافها قصر الرئاسة في اليمن، آمِلةً أن تطيح «رؤوساً» في قيادة صنعاء، إلا أن ضربتَيها العنيفتَين لم تؤدّيا إلا إلى رفع عدد الضحايا المدنيين. جريمة ارتُكبت في وقت تواصلت فيه المراوحة على جبهة الساحل الغربي، تزامناً مع استمرار التوتر بين الإمارات و«الشرعية»، على الرغم ممّا بدا أنه حرص سعودي على «لفلفة» الأزمة.بعدما كاد التوتر بين الإمارات وحكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، يستحيل أزمة جديدة في صفوف «التحالف» شبيهة بما شهدته أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، أفلح التدخل السعودي على ما يبدو في تهدئة الأجواء المحتقنة في محافظة سقطرى، من دون أن ينزع الفتيل الذي لا يزال يتهدّد الجبهة الموالية للرياض باقتتال داخلي يفاقم العجز عن قلب معادلات الميدان. عجزٌ تحاول السعودية تعويضه بالسعي إلى تصفية قيادات من «أنصار الله»، تأسيساً على «النشوة» التي لا تزال تعيشها منذ اغتيال الرئيس صالح الصماد.
وأعلن المتحدث باسم قيادة تحالف العدوان، تركي المالكي، مساء أمس، «الاتفاق على وضع آلية تنسيق» لمواجهة ما سمّاه «خلافاً في وجهات النظر» بين الإمارات وحكومة هادي بشأن سقطرى، مشدداً على «وحدة الأهداف والرؤى التي انطلقت من أجلها عاصفة الحزم». وجاءت تصريحات المالكي عقب أيام من تجدد المنازعة بين أبو ظبي و«الشرعية» على خلفية قيام الأولى بالدفع بتعزيزات عسكرية إلى الجزيرة، تزامناً مع وجود بن دغر وعدد من وزرائه هناك. وهو ما بلغ ذروته أول من أمس مع إصدار وزارة الخارجية الإماراتية بياناً ردّت فيه على بيان أوّل لحكومة بن دغر طالب بـ«تصحيح الوضع» في «المحافظات المُحرَّرة».
وعلى الرغم من أن اللجنة السعودية التي قَدِمت إلى سقطرى، مساء الجمعة الماضي، وَعدت حكومة بن دغر بإزالة أسباب التوتر عبر الطلب إلى القوات الإماراتية مغادرة الجزيرة، إلا أن «الشرعية» فوجئت بقيام أبو ظبي باستقدام قوات جديدة، الأمر الذي دفعها إلى إصدار بيان مساء السبت، حذرت فيه من «استمرار الخلاف (مع الإمارات) وامتداده إلى كل المحافظات المحررة»، مُنبِّهة إلى «آثار هذا الخلاف التي امتدت إلى كل المؤسسات العسكرية والمدنية». بيانٌ استدعى بياناً مضاداً من قبل الخارجية الإماراتية التي أدرجت مواقف بن دغر ضمن «مسلسل طويل ومتكرر لتشويه دور الإمارات»، قائلةً إن «الوجود العسكري الإماراتي يأتي ضمن مساعي التحالف لدعم الشرعية».
سُجّل مقتل وجرح أكثر من 60 مواطِناً في الغارات على صنعاء


هذا التراشق دقّ على ما يبدو جرس الإنذار لدى السعودية، التي أوعزت إلى «حليفَيها» بضرورة التهدئة، في وقت وجد فيه هذان حرجاً وكلفة في المضي في التصعيد إلى مدًى أبعد. ذلك أن حكومة هادي، وعلى الرغم من حديث أوساطها عن إمكانية اللجوء إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لرفع الغطاء عن الوجود الإماراتي في اليمن، إلا أنها تعلم جيداً أنه لا يمكنها الإقدام على خطوة كهذه من دون رضا السعودية، التي تسكن فنادقها وتأكل من صحنها وتحارب بأموالها، خصوصاً أن الرياض لم تبدِ استياءً من الخطوات الإماراتية بقدر ما ظهر الأمر على أنه تبادل أدوار بين الجانبين. والإمارات، من جهتها، وجدت نفسها إزاء سخط يمني متعاظم لم يستثنِ أياً من الأطراف، إذ رأى المكتب السياسي لـ«أنصار الله» أن «العدوان تعمّد خلق جوّ مشحون بين مرتزقته، بهدف توفير المبررات للإمارات للمجيء بجنودها إلى سقطرى»، في حين أكّد زعيم الحراك الجنوبي (بفصائله المناهضة للحرب)، حسن باعوم، أن الوجود الإماراتي في سقطرى «يشكل امتداداً للعدوان على أراضي الجنوب»، مُحذِّراً «المحتل الجديد من اختبار إرادة الجنوبيين أو التمادي في استفزازها».
موقفٌ عبّر عنه الكثير من النشطاء اليمنيين، في حين بدا لافتاً أن رئيس «المجلس العام لأبناء محافظتَي المهرة وسقطرى»، عبد الله بن عيسى آل عفرار، غير المحسوب على «الإخوان» (خلافاً لما تروّج له وسائل الإعلام الإماراتية من أن الحملة على أبو ظبي مقصورة على شخصيات وكيانات «إخوانية»)، طالب السعودية والإمارات بسحب قواتهما من المهرة وسقطرى، معتبراً «وجود قوات كبيرة في محافظتين آمنتين أمراً لا تفسير له». وترافق صدور تلك المواقف مع خروج تظاهرة شعبية في مدينة حديبو، مركز سقطرى، رفضاً لسيطرة القوات الإماراتية على مرافق سيادية في المحافظة، ومطالَبةً بخروجها.
حال التضعضع هذه في صفوف «التحالف» لا تزال منعكِسة على الميدان، حيث تواصل القوات الموالية للسعودية والإمارات محاولاتها تحقيق «إنجاز» على جبهة الساحل الغربي من دون نتيجة، باستثناء تقدم محدود أحرزته الأحد في مفرق المخا، غربي تعز. مراوحةٌ تسعى الرياض إلى التعويض عنها بـ«تجريب حظّها» في استهداف قيادات من «أنصار الله»، تأسيساً على «وهم» بإمكانية تكرار حادثة اغتيال الرئيس الصماد بين يوم وآخر. وتجلّت آخر تلك المحاولات بغارتَين عنيفتَين شنّتهما طائرات «التحالف»، مساء الأحد، على مكتب رئاسة الجمهورية في حي التحرير بالعاصمة، ما أدى إلى «استشهاد 6 مواطنين بينهم طفل، وإصابة أكثر من من 60 مواطِناً بينهم طلاب مدارس»، بحسب ما ذكرت وكالة «سبأ» الرسمية. وعلى الأثر، سارعت وسائل الإعلام الموالية للعدوان إلى الحديث عن غموض يلفّ مصير قيادات بينهم رئيس «اللجنة الثورية العليا» محمد علي الحوثي، ومدير مكتب الرئاسة أحمد حامد، وأمين العاصمة حمود عباد، لكن مصادر من داخل صنعاء أكدت لـ«الأخبار» أن جميع هؤلاء «بخير ولم يَطلْهم أذى»، وأن الضربتين أوقعتا ضحايا في «صفوف المدنيين العزّل والموظفين فقط».