يبدو أن أزمة جديدة تتهدّد صفوف تحالف العدوان على اليمن، بعدما تمكّن من تطويق ذيول الاشتباكات التي اندلعت بين حلفائه المحليين في مدينة عدن، أواخر شهر كانون الثاني/ يناير الماضي. هذا ما أوحى به، أمس، تصاعد التوتر بين «الشرعية» والإمارات على خلفية زيارة رئيس حكومة عبد ربه منصور هادي، أحمد عبيد بن دغر، إلى جزيرة سقطرى. تصاعدٌ قابله استمرار تحركات المبعوث الأممي الجديد، مارتن غريفيث، على خطّ حلحلة المسار السياسي، في وقت أفيد فيه عن تأجيل زيارته التي كانت مقرَّرة اليوم إلى صنعاء.واستدعت حالة التوتر التي سادت سقطرى خلال الساعات الماضية عقب قيام القوات الإماراتية بالسيطرة على مطار مدينة حديبو، مركز الأرخبيل، ومينائها، تشكيل لجنة وساطة سعودية سرعان ما توجّهت إلى المحافظة لحلّ الإشكال. لكن المفاجأة أن الإماراتيين عمدوا إلى منع محافظ المحافظة، رمزي محروس، وقائد «اللواء الأول - مشاة بحري»، محمد علي الصوفي، من دخول المطار لاستقبال اللجنة (قبل أن يُسمح لاحقاً لمحروس بحضور اللقاء الذي جمع بن دغر بها). خطوةٌ أنبأت بإصرار الإمارات على «طرد» حكومة بن دغر، الذي سُجّل آخر ظهور له أمس مؤدّياً صلاة الجمعة في أحد مساجد سقطرى.
وما عزّز الحديث عن ذلك الإصرار التصريحات التي أدلى بها وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، والتي تضمّنت هجوماً مبطناً على «الشرعية»؛ إذ غرّد على «تويتر» قائلاً: «اكتشف البعض جزيرة سقطرى مؤخراً، ومن باب الطعن في التحالف العربي والإمارات»، مكرّراً زعمه أن «لنا علاقات تاريخية وأسرية مع سقطرى وأهلها»، مضيفاً «(أننا) سندعمهم في استقرارهم وطبابتهم وتعليمهم ومعيشتهم». وترافقت تصريحات قرقاش مع انتقادات وجّهتها وسائل إعلام إماراتية شبه رسمية إلى «بعض أطراف الحكومة الشرعية من الإخوان (الذين) انضموا مؤخراً إلى حملات تشويه (صورة) التحالف». وفي هذا الإطار، نقل موقع «إرم نيوز» الإماراتي عمّا سمّاها «مصادر حكومية يمنية» قولها إن «المزاعم والحملات المغرضة» التي تستهدف «جهود الإمارات في سقطرى تقف وراءها بوضوح الأذرع الإعلامية القطرية والإيرانية».
وإذا كانت ردود الفعل الإماراتية، السياسية والإعلامية والعملياتية، تشي باعتبار أبو ظبي الأرخبيل الواقع على المحيط الهندي جزءاً من «منطقتها الخضراء» التي يُحظر الاقتراب منها، فإن شحّ الأنباء الواردة من سقطرى وتضارب المتوافر منها يُصعِّبان التنبؤ بما سيؤول إليه الإشكال الأخير. لكن المؤكد أن أشباح أزمة جديدة تخيّم بظلالها على جبهة «التحالف»، في ظل معلومات غير مؤكدة عن «حجز» إماراتي على بن دغر ووزرائه في سقطرى، توازياً مع حالة استنفار تسود القوات الموالية لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» المحسوب على الإمارات. واللافت أن تلك المعلومات تواردت في وقت ارتفع فيه سقف التراشق حول مصير سقطرى بين الإمارات و«الشرعية»، التي لوّح وزير الشباب والرياضة في الحكومة التابعة لها، نايف البكري، أمس، بأن «اليمنيين سيصونون أرضهم وجزرهم وسواحلهم، ولن يفرطوا بذرة تراب واحدة».
تركّزت لقاءات تونس على طبيعة المرحلة الانتقالية المنتظرة


هذا التراشق صاحبه سجال من نوع آخر بين وجوه «المجلس الانتقالي» وبين «الائتلاف الوطني الجنوبي» حديث الولادة، والذي رأت فيه بعض قيادات الأول خطوة من باب «المناكفات». واعتبر عضو هيئة رئاسة «الانتقالي»، علي الكثيري، أن تشكيل «الائتلاف» يراد منه «النيل من الانتقالي وتزوير إرادة أبناء الجنوب». لكن هذه الرؤية لا يبدو أنها تلقى أصداءً لدى المبعوث الأممي، الذي يصرّ على الالتقاء بممثلي مختلف المكونات الجنوبية، وآخرهم رئيس «المكتب السياسي للحراك الثوري»، فادي باعوم، الذي اجتمع به في العاصمة العمانية مسقط، حيث بحثا «السبل الكفيلة بإعادة إطلاق المفاوضات».
مبحثٌ كان غريفيث يأمل أن يتناوله في زيارة له قُرِّرت اليوم إلى العاصمة اليمنية إثر تأجيلها أسبوعاً بسبب مراسم تشييع الرئيس الشهيد صالح الصماد السبت الماضي، إلا أن سلطات صنعاء طلبت منه إرجاء زيارته مرة ثانية بعدما بدا لها أنها ستتجاوز حدود التعزية بالصماد في وقت لا تجده «أنصار الله» مناسباً لتشغيل جميع خطوط التفاوض، بحسب ما تفيد به مصادر الحركة. ومع ذلك، لم يَحُل هذا التحفظ من دون الاجتماع بممثل «أنصار الله»، الناطق باسم الحركة، محمد عبد السلام، في مسقط، توازياً مع استمرار المشاورات التحضيرية في غير عاصمة، والتي كانت آخرها الجلسات التشاورية التي انعقدت في تونس.
ووفقاً للإعلامي اليمني المقرب من «أنصار الله»، طالب الحسني، والذي حضر تلك المشاورات، فإن لقاءات تونس تركزت على طبيعة المرحلة الانتقالية المنتظرة في اليمن، لا سيما في ما يتصل بالجانب العسكري الذي يُفترض أن «يستوعب المتغيرات التي أفرزتها الحرب»، لكن الجمود في الملف السياسي يعرقل، بحسب حديث الحسني إلى «الأخبار»، الانتقال إلى الملفين العسكري والإنساني. أما الباحث المقرب من «المجلس الانتقالي»، فضل الربيعي، فاعتبر، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «حل التشكيلات العسكرية المتواجدة في الجنوب لا يمكن أن يتحقق من دون تسوية سياسية عادلة»، في حين كشف نائب رئيس «مؤتمر حضرموت الجامع»، أبو بكر السري، أن «المبعوث الأممي يرتّب لجلسات أخرى موضوعها وقف إطلاق النار ونزع الأسلحة».