رام الله | كلّما تصاعد موج الانتفاضة الفلسطينية، وزادت عمليات الهبة الشعبية الجارية، تُبادر كلّ من إسرائيل والسلطة إلى عقد لقاءات تجمع ممثلين عن رام الله مع شخصياتٍ من حكومة العدو، وتتحمور مخرجاتها عادة حول ما يُسمى «السلام الاقتصادي»، وضرورة موافقة تل أبيب على رفد قطاعات العمل لديها بالعمّال الفلسطينيين وتقديم تسهيلاتٍ في هذا الصدد.بجانب أسباب عدة، وكون عمل الفلسطينيين لدى شركات أو مستوطنات إسرائيلية قضية قديمة ــ جديدة، هدفت سلسلة اللقاءات طوال العامين الماضيين، وفق مراقبين، إلى كبح أعمال المقاومة وإطفاء نار المواجهات المشتعلة. واللافت أن هذه المباحثات أخذت شكلاً أكثر زخماً بعد الإعلان الأخير للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشأن القدس، رغم إعلان السلطة نيتها وقف اللقاءات مع حكومة العدو ومسؤوليها، وهو ما لم تلتزمه يوماً، فضلاً على أنها تضع على الرف قرارات «المجلس المركزي» في منتصف شباط الماضي المتمثلة بضرورة التحلل من التبعية الاقتصادية للعدو الممثلة بـ«بروتوكول باريس»، وإعادة صياغة العلاقة مع العدو.
كلّما تصاعدت العمليات، زادت العروض الإسرائيلية لتصاريح العمل


بمرور انتفاضتين وسنوات من المراوحة بعدهما، لم تعد خفيةً العلاقة العكسية بين تسهيلات العدو للعمّال وزيادة أعداد التصاريح الممنوحة لهم، وبين العمليات الفدائية، وبرز ذلك في حديث مسؤولين كثر في الحكومات الإسرائيلية. ولعل أنشطهم في المرحلة الأخيرة منسق أعمال حكومة العدو في الأراضي الفلسطينية، يوآف مردخاي. فمثلاً، في مؤتمر الأعمال الذي نظمته صحيفة «غلوبس» بداية كانون الثاني الماضي، ربط مردخاي بين الوضع الاقتصادي للفلسطيني، والمتطلبات الأمنية للعدو، مدعياً أن «20% فقط من أصل 2.8 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية يُصنَفون ضمن الطبقة المتعلمة، أما الباقون، فهم عرضة للتحريض... الفلسطينيون يحاولون العيش كما الشباب في إسرائيل وليس الأردن ولبنان».
وفي 24 آذار الماضي، كشفت صحيفة «هآرتس» العبرية عن وجود قنواتٍ اتصال رسمية بين السلطة وحكومة العدو «بغطاءٍ من الجهات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وبعلم المبعوث الأميركي إلى المنطقة جيسون غرينبلات الذي يُشرف على مشروع السلام الاقتصادي»، ناقلة أن المستوى العسكري الإسرائيلي تحديداً يؤيد هذه اللقاءات لأنها «تعمل على تهدئة الأوضاع الميدانية في الضفة، ومن شأنها إحباط أعمال العنف». وليس الجانبان السياسي والعسكري في أبيب من يؤيدان ذلك فقط، بل إن رئيس «اتحاد الصِنَاعيين الإسرائيليين»، شرغا بروشن، صرح في نهاية آب الماضي بأن «مضاعفة تصاريح العمل تؤدي إلى زيادة عدد العمال من الضفة... ذلك يُساهم في الهدوء الأمني».

«منفعة» متبادلة
في ظل تسجيل البطالة معدلاتٍ عالية في الضفة، إضافة إلى انخفاض الأجور التي يتقاضها الفلسطيني، وتزامناً مع انخفاض قيمة الحد الأدنى للأجور مقارنةً مع العدو: في الضفة 1450 شيقل، وعند العدو 4000 (100 دولار = 350 شيقل)، يضطر آلاف الفلسطينيين إلى العمل عند العدو. زيادةً على ما سبق يبلغ متوسط أجر العامل المحظوظ في مناطق السلطة نحو 2400 شيقل شهرياً، في حين أن العامل في المستوطنات يحصّل نحو 3500 شيقل على أقل تقدير، لكنه إذا استطاع العمل متوسط داخل الأراضي المحتلة عام 48، يمكنه جني نحو 8 آلاف.
ضمن هذه المقارنة، بات العدد الكبير للراغبين في العمل صيداً ثميناً لسماسرة فلسطينيين وآخرين إسرائيليين. ورغم أن تصاريح العمل في الأساس تُمنح مجاناً، حوّلها هؤلاء السماسرة إلى «سوق سوداء»، فأصبح العامل لا يستطيع استخراج تصريحٍ بنفسه، فيما يجني السمسار ما بين 1500 إلى 2500 شيقل على التصريح الواحد، ثم يتقاسم السمسار العربي مع المقاول الإسرائيلي ثمن التصريح الأصلي (2500 غالباً).

لا تغطي وظائف السلطة والقطاع الخاص أرقام المتعطلين والخريجين (أي بي أيه )

ووفقاً لتقديرات «منظمة العمل الدولية»، بلغ مجموع ما دفعه العمال الفلسطينيون للسماسرة خلال 2016 وحده 380 مليون دولار تشكل نسبتها 17% من إجمالي أجور الفلسطينيين في أماكن العمل في الداخل المحتل خلال العام نفسه. وتصاريح العمل تُقسم إلى نوعين، الأول تصاريح يحصل عليها المقاولون الإسرائيليون، لكل واحدٍ منهم نسبة معينة مخصصة من حكومة العدو، وعندما يكون المقاول قد استكفى بعدد التصاريح، فإنه يبيع الزيادة منها للعمال أو للسماسرة العرب مقابل مبالغ متفق عليها. وقد يصل ثمن التصريح إلى 2500 شيقل يدفع منها المقاول 1400 لـ«مكتب العمل» التابع العدو. أما النوع الثاني، فيوصف فلسطينياً بـ«تصاريح العملاء» أو «التصاريح المشبوهة» التي يحصل عليها بعض العمّال شخصياً، كما يحصل المتعاونون مع العدو على هذه التصاريح من مكاتب الإدارة المدنية التابعة للعدو في محافظات الضفة.
العدو يستفيد أيضاً من عمل الفلسطينيين أصحاب التصاريح عنده، فـ«الاتحاد العام لنقابات العمّال الإسرائيلية» (الهستدروت) يخصم جزءاً من رواتب العمال لحسابه رغم أنهم ليسوا أعضاء ولا مسجّلين فيه، ويُخصم جزء آخر للتأمينات الاجتماعية رغم أنهم لا يستفيدون منها! ويفضّل العدو الفلسطينيين لأنهم يجيدون اللغة العبرية أكثر من العمّال المتعددي الجنسيات الذين قد يستقدمهم من الخارج، وليبقى متحكماً بركنٍ مهم من معيشة الفلسطينيين وحياتهم، فضلاً على تحييد أكبر عدد ممكن منهم من ساحات النضال والمقاومة، وقد يبدو غريباً أن «معظم هؤلاء العمّال الفلسطينيين يبتعدون عن المشاركة في أي فعالية وطنية مهما كانت بسيطة لاعتقادهم أن ذلك يُجنبهم سحب تصاريحهم، وخوفاً من غضب الشاباك عليهم»، كما يفيد عدد ممن عملوا سابقاً هناك.

رفض فلسطيني... لكن
يسود جدلٌ قديم ــ جديد بخصوص عمل الفلسطينيين عند العدو في ظل الوضع الاقتصادي السيئ وارتفاع البطالة، لتنقسم الآراء بين قابل على مضض بحكم الضرورة، وآخر رافض وداعٍ إلى القناعة بالأجر المنخفض على العمل لدى إسرائيليين. وفي القسم الأول ثمة من يطالبون بتقييد العمل ضمن قطاعاتٍ لا يتضرر منها الفلسطيني مباشرة، مثل الزراعة والمستشفيات والخدمات، لكن هؤلاء يرفضون قطعاً مشاركة العمّال الفلسطينيين في بناء المستوطنات على أراضيهم بأي حال.
وفقاً لمتابعة خاصة، بدأعمل جزء من الفلسطينيين ــ وإن كان قليلاً ــ يأخذ منحى أكثر خطورة، وبالتحديد منذ بداية 2017، إذ ازداد عدد العمّال الذين تعتمد عليهم الشركات الخاصة أحياناً في تركيب كاميرات المراقبة قرب المستوطنات والمعسكرات الإسرائيلية في بعض المناطق، ولا يخفى دور هذه الكاميرات في ملاحقة المقاومين والكشف عن خلايا وتصفية فلسطينيين. من جانبٍ آخر، تشكل عمليات «إزالة المنع الأمني» التي يُعلنها «مكتب تنسيق أعمال حكومة العدو في الأراضي الفلسطينية» خطراً حقيقياً على قسمٍ من الذين يستجيبون لهذه النداءات وهم ممنوعون أمنياً، الأمر الذي يجعلهم عُرضة للمساومة وفق معادلة «تأخذ رزقك بتصريح، مقابل عمالتك لإسرائيل»، وقد يستجيب بعض ضعاف النفوس رغم أن الأكثرية ترفضها، لكن لا أحد يعلم ماذا يدور في كواليس «مكاتب الارتباط»، خاصة أن المئات يُقابلون ضابط «الشاباك».
أيضاً، يعمل معظم الفلسطينيين وفق نظام المياومة وعند مشغل غير معروف، فتصبح حقوقهم عرضة للضياع، ويقعون في فخ السماسرة المحكم، ولا يعترف بهم قانون العمل الإسرائيلي. أما العاملون بلا تصريح (تهريب)، فيقعون بين نارين: لا حقوق لهم إسرائيلياً ولا فلسطينياً. يشرح أحد العمّال في مصنعٍ للحديد داخل مستوطنة وسط الضفة أن أساليب الابتزاز من المشغلين اليهود لم تعد خافية، فبعضهم «جشعون ويُفضلّون العامل الفلسطيني الذي لا يطلب حقوقاً أو أتعاب نهاية الخدمة، لذلك بعد أن يعمل الفلسطيني لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، سنة مثلاً، يُخيّرون العامل بين توقيع ورقة اتفاقٍ تُلغي مطالبته بنهاية الخدمة مقابل استمراره بالعمل، أو طرده تعسفياً». ويضيف: «هناك نسبة لا بأس بها ما يعنيهم هو العمل وتوفير قوت أولادهم خاصة إذا كانوا متزوجين... منذ عشر سنوات الوعي أصبح أكبر، ولذلك يرفع مئات العمّال سنوياً قضايا ضد مشغليهم من اليهود في المحاكم الإسرائيلية».
بجانب المخاطر الأمنية للعمل مع العدو ثمة هضم للحقوق المالية


ولا تقتصر معاناة العمال الفلسطينيين على استغلال السماسرة وظلم المقاولين والمخاطر الأمنية، بل تشمل معاناة الحواجز التي تفصل بين الضفة والداخل المحتل، إذ يُضطَرّ العمال إلى الاستيقاظ قبيل أذان الفجر ليتسنى لهم العبور بعد انتظارٍ يدوم ساعة ونصف على الأقل، إضافة إلى حملات الاعتقال التي تنفذها شرطة العدو وتستهدف العمال بلا تصريح. في هذا الصدد، قالت صحيفة «جروزاليم بوست» إن قوات الاحتلال اعتقلت نحو 470 عاملاً خلال ثلاثة أيام قبيل «عيد الفصح اليهودي» الأخير، وتمت الاعتقالات بمشاركة 2300 عنصر من قوات «حرس الحدود». أكثر من ذلك، فمع تصاعد موجة العمليات الفردية والاشتباكات على نقاط التماس جراء قرار ترامب، صار العمال صيداً سهلاً لمستوطنين أطلقوا النار على بعضهم بدعوى محاولات الطعن أو لمجرد الشك فيهم كونهم عرباً.

«المنع»: رصاص في الهواء
مع أن السلطة الفلسطينية أعلنت مراراً منذ 2010 وجود توجهات لإنهاء ملف «العمل في المستوطنات»، فإنها كانت أقرب إلى «رصاص في الهواء»، وذلك رغم حديثٍ عن سن قوانين فلسطينية لهذا الغرض مُدّعمة بعقوباتٍ رادعة بالسجن لمن يعمل داخل مستوطنات العدو، إضافة إلى غرامات باهظة، تزامناً مع إعطاء العمّال مهلة ليتركوا أعمالهم هناك. وتتصاعد هذه التهديدات كلما هبّ موسم الحديث عن مقاطعة منتجات المستوطنات، والأخيرة تنظمها لجانٌ شعبية وشبابية وبعض مسؤولي فصائل «منظمة التحرير». وقد سبق لحكومة سلام فياض أن أعلنت في 2010 أن السلطة ستوفر بدائل لعمال المستوطنات تمهيداً لاجتثاث هذه الظاهرة خلال عامٍ واحد، وهو ما لم يحدث.
يعلق على ذلك مختصون اقتصاديون بالقول إن السلطة لا يمكنها الانفكاك من «بروتوكول باريس»، بجانب أسباب منها عجزها فعلياً عن توفير بدائل بحكم اعتمادها على المنح الخارجية، خاصة أن الحكومة مطالبة بتوفير 40 ألف فرصة عمل جديدة سنوياً على الأقل في المناطق التي تشرف عليها لحل مشكلة العمّال في المستوطنات فقط، دون الالتفات إلى من يعمل داخل الأراضي المحتلة عام 48، علماً أن فرص العمل التي يوفرها القطاع الحكومي والخاص سنوياً لا تزيد عن ثلث القيمة المطلوبة للتخلص من هذه الظاهرة، إلى جانب أزمة البطالة العامة التي تتفاقم بوجود 40 ــ 50 ألف خريج جامعيٍ سنوياً. وحالياً تستوعب السوق الفلسطينية سنوياً ما بين 3 ــ 4 آلاف فرصة حكومية، و7 آلاف وظيفة في القطاع الخاص فقط، والرقم الأخير هو نفسه المتوافر في الأعمال الحرة والمشاريع الشخصية الصغيرة. أما البقية من المتعطلين عن العمل، فهي بين خيارين: المهجر... أو الوقوف أمام أبواب المستوطنات والمصانع التابعة للعدو.



«سماسرة التشغيل» للنساء: نصف الراتب أو لا شيء
لا يُعرف بالتحديد عدد العاملات الفلسطينيات في المناطق التي تخضع لسيطرة العدو الإسرائيلي رغم تحول الأمر إلى ظاهرة مُقلقة ومتزايدة في السنوات القليلة الماضية، علماً أن معظم النساء يعملن في القطاع الزراعي داخل مستوطنات الضفة والأراضي التابعة لها، والنسبة الأقل منهن تعمل في مصانع داخل المستوطنات.
وتعاني هؤلاء من تدني الأجور ليس مقارنةً مع نظيراتهن الإسرائيليات بوجهٍ عام، بل تقل تحديداً في المستوطنات الزراعية أجور الفلسطينيات عن الفلسطينيين العاملين داخل المستوطنات والأراضي المحتلة عام 48. وتعمل الفلسطينيات وفق نظام المياومة بأجرٍ يترواح ما بين 60 ــ 80 شيكل (100 دولار = 350 شيقل)، ما يعني أنهن يتقاضين شهرياً ما بين 450 ــ 500 دولار، مع أخذ أيام العطلة عند الإسرائيليين بعين الاعتبار.
وعلمت «الأخبار» أنه في المستوطنات الجاثمة على أراضي محافظة سلفيت، وسط الضفة، وحدها، تعمل نحو 250 فلسطينية، ويتركز العدد الأكبر منهن في منطقتي «بركان» و«أرئيل» الصناعيتين، حيث يتعرضن لسلسلةٍ من الانتهاكات والتجاوزات القائمة على التمييز والظلم، فالعاملة عُرضة لاستغلال السماسرة أو المشغلّين كحال الرجال، إذ ترتبط بالمشغل الفلسطيني أو ما يُعرف «المَنَهيل» الذي يكون مرجعيتها في العمل، فيَقتطع نصف أجرها المالي له ويُعطيها النصف الآخر، وإلا تحرم العمل.
ورغم إدراك العاملة استغلالها وانتقاص حقوقها، فإنها تجد نفسها مجبرةً على قبول الاتفاق مع المشغل العربي على مناصفتها أجرها طوال عملها بسبب ركود عمل النساء في مناطق السلطة وتدني أجرهن فيها بشدة، إضافة إلى الظروف الخاصة التي تعيشها بعض العائلات والنساء، إذ إن بعض الطالبات الجامعيات يعملن ليلاً في المصانع، وبعضهن الآخر لا معيل لهن في المنزل.
ورغم رفض بعض العاملات التقدم بشكاوى نتيجة تعرضهن للتحرش الجنسي، تؤكد مصادر متطابقة، منها تقارير إعلامية، وجود هذا التحرش. ونقلت وسيلة إعلامية عن إحدى العاملات قولها إن النسبة الكبرى من التحرش تكون لفظية، والنساء يمتنعن عن الشكوى خشية الطرد من العمل، ولاعتبارات اجتماعية تتعلق بصورة المرأة في بعض المناطق المحافِظَة التي تتمسك بالعادات والتقاليد.


أرقام مخيفة و«سوق» سوداء
وفقاً لتقرير«مسح القوى العاملة»، الصادر عن «جهاز الإحصاء الفلسطيني» في الربع الثالث من العام الماضي، يصل عدد العمّال من كلا الجنسين إلى ما يقارب 129 ألفاً، منهم 70 ألفاً يعملون بتصاريح رسمية داخل أراضي 1948. أما في المستوطنات، فيعمل نحو 23 ألف فلسطينيٍ. ومن الجانب الإسرائيلي، نقلت مصادر عبرية عن «اتحاد الصِنَاعيين» في نهاية آب الماضي أن عدد العمال من الضفة في الداخل بلغ 73 ألفاً، فيما يعمل 32 ألفاً آخرون داخل المستوطنات.
ورغم قول «اتحاد الصناعيين الإسرائيلي» إن الأرقام السابقة هي الكبرى منذ النكبة عام 1948، مع توقعات بأن تزيد بنسبة 25% في العام الجاري، يؤكد مراقبون أن أعداد العمّال الفلسطينيين في المستوطنات والأراضي المحتلة أكبر بكثير من الأرقام المعلنة فلسطينياً أو إسرائيلياً، جراء عمليات التهريب والدخول غير الرسمي بلا تصاريح.
ويذكر بحثٌ لمعهد «ماكرو» الإسرائيلي بالتعاون مع مؤسسة «هانزبوكلر» الألمانية أن «40% من الفلسطينيين يعملون دون تصريح، و4% يعملون بتصاريحٍ صدرت لأغراض أخرى، مثل زيارة الأقارب أو العلاج أو التصاريح التجارية». والنسبة الثانية لا تختلف كثيراً عن الأولى (التهريب بلا تصريح) سوى من ناحية تقليص المخاطرة والتضييق الأمني من شرطة العدو، إذ تضمن الأخيرة الدخول بأريحية إلى الأراضي المحتلة، لكنها تشبه الأولى في غياب التأمين الصحي وحقوق العمل، وغالباً مساومة المشغل الإسرائيلي أو العربي للعمّال وتبخيس أجورهم مقارنةً مع من يملكون تصاريح رسمية. وكلا الأمريْن سيّان في ظل احتمالية دهم الشرطة ورش العمل أو أماكن مبيت العمّال، فيكونون عرضةً للاعتقال لأنهم بلا تصاريح، أو في الحالة الثانية تصاريحهم لا تخوّلهم للعمل.
وطبقاً لمصادر مطّلعة وعمّال قابلتهم «الأخبار»، تكون طرق التهريب بحد ذاتها غريبة وخارجة عن المألوف، ويلجأ إليها الفلسطينيون الممنوعون من الحصول على تصاريح لأنهم لا يطابقون شروط العدو، أو مرفوضون أمنياً لدى مخابرات العدو. وفي الحالة الأخيرة قد يكون الشخص ممنوعاً من دخول الأراضي المحتلة عام 48 لمدة مؤقتة ما بين سنة إلى عشر سنواتٍ، وفي أحيانٍ كثيرة يُمنَع فلسطينيون لمدى الحياة، ويشمل هذا المنع أغراض الدخول كافة، كالتجارة والعلاج أو زيارة الأقارب، وليس العمل أو البحث عنه فحسب. ومن تلك الطرق: الاختباء داخل مضخة باطون، أو في مقدمة المركبة أمام الكرسي بجانب السائق، أو داخل قناة من الموجودات في أسفل الشاحنات الكبيرة، وعادة اختراق الجدار الأمني والدخول.