استعضنا عن السهر هُنا بحانات وسط المدينة، غير أن للسهر في الشام القديمة سحراً خاصاً
عشرات «البارات»، والكثير منها غير مرخص، تناثرت على طول الشارع المستقيم، في قسمه الشرقي الذي عانى ما عاناه جراء قذائف الجوار. زوار المنطقة قد لا يشعرون بمعاناة سكانها. ضجيج وصخب وازدحام مروري في منطقة أثرية، بعض بيوتها متداعية. لا مكان لركن السيارات، إذ إن المكان يغصّ بسيارات الزوار من رواد السهر.
القمامة في الشوارع عائدة إلى الازدحام المربك الذي يشهده الحيّ، وإلى تقصير البلدية أيضاً. إشغال الأرصفة يحرم المارة السير عليها. ومع الموسيقى المزعجة تتواصل السهرات الصاخبة حتى الثالثة فجراً، حسب قول فادي، أحد سكان المنطقة. يروي الرجل الأربعيني مشاهد مستفزة عن خروج السكارى فجراً، سيراً على الأقدام في الحارات والحدائق. يعلّق: «ليلة الخميس مأساوية للغاية. يصارع الناس للحصول على كرسي، وتبدأ واسطات الحجز». ويضيف: «لعلّ هذه الظواهر مقصودة، كمؤشر (حضاري) للانفتاح، في مواجهة جيراننا من دعاة التطرف، الذين هُزموا في الأمس القريب!». وإذ تُعَدّ ليلة الخميس متنفساً للدمشقيين ممن لم يتوقفوا عن الاهتمام بمزاجهم والترويح عن أنفسهم خلال الحرب، فإن العودة إلى حانات باب شرقي شكّلت فرحاً إضافياً يؤذن بانتهاء حرب البلاد كلها. ومع ازدياد الازدحام أخيراً، افتتح بعض أصحاب البارات فروعاً أُخرى بهدف استيعاب أكبر عدد من رواد السهر. يوضح حسان، أحد سكان حيّ المالكي، أن فرحته لا توصف بالعودة إلى السهر في باب توما وباب شرقي، كما لو أن كل ما مضى لم يتعدَّ كونه كابوساً. ويضيف: «استعضنا عن السهر هُنا بحانات وسط المدينة، غير أن للسهر في الشام القديمة سحراً خاصاً. نشوة السير آخر الليل في أزقتها هي أكثر ما افتقدناه في سهراتنا. عراقة أماكن السهر تسمح بوجود أجواء خالية من الابتذال في بعض المطاعم والحانات». وجهة نظر لا تسعد سكان المنطقة بأية حال. فقبل 3 سنوات نفذ أهالي باب شرقي اعتصاماً في حارة الزيتون، قرب كنيسة الزيتون الشهيرة، بحضور أحد رجال الدين. غير أن ذلك كان بلا جدوى، إذ لا مجال للشكوى ومنع «أبناء الحياة» من ممارسة صخبهم. يقول أحد المشاركين في الاعتصام القديم: «أشعلنا شموعنا ووقفنا احتجاجاً. وما حدا قامنا من أرضنا». وفيما يستحيل تاريخ باب شرقي إلى سمَر و«بزنس» في عيون الجيل الجديد، يقف المهندس رامي، على باب معرض الشرقيات الخاص بوالده، متفرجاً على وافدي الحيّ القديم كل ليلة. «من قال إن أجواء الحضارة تتمثل في هذه المظاهر؟ ومن يرَ أننا نطالب بقمع مظاهر التحرر، فليحاسبنا. لكن لا بد من استئذان الجيران قبل فتح بار جديد، وضبط إشغالات الأرصفة، واهتمام خدمي خاص من البلدية». ويتابع: «جميعنا نقصد أماكن السهر أحياناً. ولكن هل من سبيل إلى رحمة المدينة القديمة من فوضانا؟ وهل تستوعب شبكات الصرف الصحي هذه الحشود الغفيرة المقبلة على السهر فيها؟». أسئلة كثيرة برسم المعنيين ومن يختصرون أحد أهم أبواب دمشق السبعة بمحلات السهر والمراقص، يطرحها الأهالي بلا إجابات.