تونس | لم يعرف ملف المفاوضات بين الاتحاد وتونس لإبرام «اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمّق»، منذ الإعلان عنه في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، تقدماً كبيراً. فعليّاً، وكما يشير موقع «الأليكا» المخصّص لنشر الوثائق المرتبطة بالملف، لم تعقد سوى جولة تفاوض واحدة في شهر نيسان/ أبريل 2016، واجتماع فنيّ على مستوى الخبراء بداية العام الماضي، ومشاورات مع المجتمع المدنيّ التونسيّ، جرى آخرها قبل أسبوعين تحضيراً للجولة التفاوضيّة الثانية.لكن تصريح جان كلود يونكر الأخير، الذي يبدو مندفعاً لحسم المسألة في الجولة الثانية، قابله رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، بتصريح شدد فيه على «أهمية التوصل تدريجاً إلى هذا الاتفاق». وينبع التردد الذي طبع تصريح رئيس الحكومة التونسيّة مما اعتبره «عدم تكافؤ اقتصادي بين تونس والاتحاد». لكن ذلك لم يمنعه من التأكيد على نية حكومته المضي قدماً، إذ أضاف: «لسنا بمستوى التطور نفسه لكن هذا لا يعني أنه لا يمكننا التعاون، سنضع في نهاية أيار/ مايو مبادئ يجب أن يقوم عليها هذا الاتفاق».
ويفترض بهذا الاتفاق أن يكون حلقة تكميليّة ثانية لاتفاق الشراكة الذي وقّعه الطرفان عام 1995، وأعقبه ترقية تونس إلى مصاف «الشريك المميّز» عام 2012. ويسمح اتفاق الشراكة الأصليّ بالتبادل الحر للسلع الصناعيّة، فيما سهّلت الترقية قبل خمسة أعوام حصول تونس على مساعدات وبرامج مرافقة وتأهيل من شريكها الأوروبيّ، ويُنتظر من الاتفاق الذي يتمّ التفاوض حوله الآن فتح باب التداول الحرّ أمام بقيّة القطاعات الاقتصاديّة.
ويتحفّظ عدد من فعاليات المجتمع المدنيّ المهتمة بالمسائل الاقتصاديّة والاجتماعيّة على عدد من بنود الاتفاق، خصوصاً في ما يتعلّق بتحرير المنتجات الزراعية والخدماتيّة والشكوك حول قدرة القطاعين اللذين يشغلان نحو 70 في المئة من اليد العاملة التونسيّة، على منافسة المنتجات الأوروبيّة، خصوصاً أنّه لم يُفتح نقاشّ جامع حول نتائج تحرير المبادلات الصناعيّة وتأثيراتها على النسيج الصناعيّ المحليّ.
تُظهر نتائج الحوارات بين الجهات الرسميّة والمجتمع المدنيّ سيادة الهواجس


وتُظهر نتائج الحوارات بين الجهات الرسميّة والمجتمع المدنيّ سيادة هذه الهواجس، إضافة إلى عدد من النقاط الأخرى مثل ضرورة ربط تحرير تدفّق السلع بحريّة الحركة للأفراد في الاتجاهين. وقد نقلت الحكومة التونسيّة بدورها هذه المسائل إلى طاولة المفاوضات، حيث شددت على تسهيل حركة المهنيّين والمستثمرين التونسيّين داخل الفضاء الأوروبيّ لضمان تكافئهم في الفرص مع نظرائهم في الضفة الشماليّة للمتوسط، وعلى وضع إجراءات تسمح لتونس بتفادي تأثيرات الهوّة الاقتصاديّة مع أوروبا.
من جهته، وعلى رغم عدم تداول مسألة فتح حركة التجوّل داخل الاتحاد الأوروبي أمام كلّ المواطنين التونسيّين، صمت الاتحاد في الجلسة التفاوضيّة الأولى واللقاء الفنيّ حول إجراءات عمليّة لتسهيل حركة المهنيّين والمستثمرين، وأكد في مقابل ذلك وضع إجراءات لمصلحة الاقتصاد التونسيّ إضافة إلى تركيز برامج دعم جديدة لتحسين جودة المنتجات التونسيّة و «حوكمة» النشاط الاقتصاديّ ضماناً للتنافسيّة.
وفي بادرة أراد بها الأوروبيّون إثبات حسن نواياهم، جرى قبول زيادة حصة صادرات زيت الزيتون التونسية إلى الاتحاد الأوروبي على رغم تحفظات بعض الدول الأعضاء (كإيطاليا واليونان) المنتجة لزيت الزيتون. وفي هذا الصدد، قال رئيس الحكومة الذي سيستقبل يونكر في تونس لزيارة رسمية في 23 و24 تموز/ يوليو المقبل، إنّه «سيتم بيع 30 ألف طن إضافي من زيت الزيتون في الاتحاد الأوروبي». جدير بالذكر أنّ تونس ثاني بلد منتج لزيت الزيتون في العالم بعد إسبانيا، ويقدر إنتاجها في 2018 بـ240 ألف طن، تُصدر منها 56 ألفاً إلى الاتحاد الأوروبي في إطار سياسة تعتمد نظام الحصص.
كما حاول يوسف الشاهد استغلال زيارته الحالية لتناول مسألة إخراج تونس من القائمتين الأوروبيّتين التي صُنفت فيهما تونس في الأشهر الماضية، وهما القائمة السوداء للبلدان التي تحمل أنظمتها المالية أخطاراً عالية تتعلق بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب والقائمة الرماديّة للبلدان التي قد تمثّل ملاذاً ضريبيّاً. والتقى الشاهد ضمن هذا المسعى فريديريكا موغيريني، وهي الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجيّة في الاتحاد الأوروبي، وحضر اجتماعاً للجنة الشؤون الخارجيّة في البرلمان الأوروبيّ، اعتبر خلالها أنّ تونس اختارت نهج الحوار وأنّ الإصلاحات الاقتصاديّة بصدد التقدّم. وتجدر الإشارة إلى طبيعة العلاقات الاقتصاديّة التي تجمع تونس بأوروبا، حيث تشير أرقام عام 2015 مثلاً إلى احتكار الاتحاد الأوروبيّ نحو 75 في المئة من صادرات تونس، وتوفيره في المقابل أكثر من نصف واردات البلاد.