تونس | تُمثّل «الجامعة العامة للتعليم الثانويّ» أكبر نقابة داخل «الاتحاد العام التونسيّ للشغل»، وبما أنّ علاقة «الاتحاد» مع الحكومات الكثيرة التي تولت حكم البلاد بعد سقوط نظام بن علي كانت في مجملها متوترة، كانت «نقابة الأساتذة» دائماً في محور هذا التوتّر. أبرز صراعات «النقابة» مع السلطة التنفيذيّة كانت زمن الوزير السابق ناجي جلول، حيث انتهت برحيله ضمن التعديل الوزاريّ الأخير، وجرى تعويضه بحاتم بن سالم، الذي كان آخر وزير تربية في زمن بن علي.لم يعش الوزير «الجديد» بدوره فترة استقرار، فمنذ قدومه بدأت التوترات تطفو على السطح مرة أخرى، وتصاعدت بتصاعد مواقفه التي يكسوها بطابع «حازم». رفض بن سالم مطالب النقابة التي ردت بمنع تسليم امتحانات التلاميذ إلى إدارات المعاهد، وحينها اشترط الرجل رفع «الحجب» للجلوس والتفاوض، وهو ما رفضته «النقابة» وتشبثت بمفاوضات غير مشروطة.
تقول وزارة التربية إنّ المطالب الماديّة التي يرفعها أساتذة المعاهد الإعداديّة والثانويّة تكلّف خزينة الدولة نحو 500 مليون دينار سنويّاً (نحو 217 مليون دولار) وهي مرتبطة بوزارة الماليّة، وإنّ مطلب تخفيض سنّ التقاعد من 60 إلى 57 سنة مرتبط بوزارة الشؤون الاجتماعيّة التي تشرف على صندوق التقاعد. بناء على ذلك، رحّل بن سالم الملف إلى مجلس الوزراء، الذي اتخذ قراره برفض مطالب الأساتذة، وساند الوزير في وقف مرتباتهم إلى حين تسليم الامتحانات.
يبدو أنّ المركزية النقابية تسعى لسحب الذرائع من الشاهد


بقي الملف من دون مستجدات لمدة طويلة، تخللتها احتجاجات وتظاهرات من النقابة، وذلك على رغم تدخل أمين عام «الاتحاد العام التونسيّ للشغل» نور الدين الطبوبي، وعقده جلسات مع مسؤولي الوزارات الثلاث المعنيّة. الخطوة التالية التي بدأتها النقابة مطلع الأسبوع الماضي هي الإضراب المفتوح، الذي يهدد مصير السنة الدراسيّة، خصوصاً مع اقتراب الامتحانات التحضيريّة لتلامذة السنة الأخيرة من التعليم الثانويّ (البكالوريا).
يوم الجمعة، خرج رئيس الحكومة نفسه للتحدث عن الموضوع في خطاب متلفز، قال فيه إنّ «السنة البيضاء لم تعد مجرد فرضيّة»، وهو بذلك يسعى لجذب الرأي العام إلى جانبه. ودعا الأساتذة إلى «تحمل مسؤوليتهم» واستئناف الدروس وتسليم الامتحانات للإدارة بحلول يوم الاثنين. وفيما قال إنّ زيادات الأجور أمر سيجري التفاوض فيه، بما يشمل جميع قطاعات الوظيفة العموميّة في الأسابيع المقبلة، تعهّد في المقابل بالجلوس إلى طاولة المفاوضات والنظر في مطالبهم.
في موازاة ذلك، عبّر «الاتحاد» (وهو المركزية النقابية) عن موقفه على لسان أمينه العام الذي اعتبر في خطاب له في اليوم نفسه أنّ «الحكومة توظّف ملف التعليم الثانوي لتجعله مطيّة تغطي بها فشلها الذريع». لكن المعطيات بدت أنّها بدأت في التغيّر انطلاقاً من أول من أمس، فاتخذت منحى تصالحيّاً وأكثر ليونة.
عقب اجتماع المكتب التنفيذيّ لـ«الاتحاد»، قال الطبوبي في تصريح إعلاميّ إنّ منظمته «تعمل على تحقيق موازنة بين مصلحة الأساتذة وإنجاح السنة الدراسيّة». ويوم أمس، أصدرت «الجامعة العامة للتعليم الثانوي» بدورها بياناً بعنوان «مبادرة»، عبّرت فيه عن استعدادها لـ «الدخول في مفاوضات جديّة ومسؤولة وغير مشروطة» تؤدي إلى التخلي عن تعليق الدروس على «ألاّ يتجاوز الانتهاء منها أجل يوم الخميس... وفي حال التوصّل إلى اتفاق نهائيّ... يتمّ إعطاء الإدارة أعداد (امتحانات) السداسي الأوّل من السنة الدراسيّة». وأمام هذا المشهد، قال عارفون بشؤون المركزية النقابية إنّ احتمال توجهها نحو التفاوض هدفه عدم إعطاء التبريرات لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، في مسعاه «لتأليب الرأي العام» عليها، ذلك أنّ «معركة الأساتذة جزء من معركة كبرى، عنوانها رفض سياسات صندوق النقد الدولي».