خلال مؤتمر عُقد في «المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية» في باريس، في 11نيسان/أبريل، تحدث وزير الخارجيّة الجزائريّ للشؤون العربية والأفريقية عبد القادر مساهل، عن أهميّة الجهود الدبلوماسيّة التي بذلتها بلاده «خلال السنوات الأخيرة» لتعزيز فرص التوصل إلى مسار لحل الأزمات من قبل أطراف النزاع في البلدان المجاورة.مساهل الذي جاء لعرض التجربة الجزائرية في الحرب على الإرهاب ونموذج «المصالحة الوطنيّة» الذي أنهى العشريّة السوداء في الجزائر، شرح أنّ مكافحة تمويل الإرهاب كانت أولوية أساسيّة بالنّسبة إلى الجزائر، مذكّراً بأن الرؤية الدبلوماسيّة الجزائريّة في هذا المجال ستعرض خلال «مؤتمر رؤساء الدول» في بوسطن في تموز/يوليو المقبل.
واقعيّاً، وعلى الرغم من الوهن الكبير الذي تعرض له «داعش»، لا يزال التهديد الأمنيّ ​​يمثّل أمراً ملحاً وفقاً للجزائر التي تلاحظ تنامياً في حجم العلاقة بين الإرهاب والجريمة المنظمة من خلال «تشارك وتنسيق الأنشطة».
ويضمن تزايد عمليات الاتجار بالبشر والأسلحة والمخدرات والسلع المهرّبة مورداً ماليّاً ذاتيّاً للمجموعات الإرهابيّة، ما يعزز قدرتها على الأذى. وإزاء «عجز الهياكل الإقليميّة والدوليّة عن مكافحة هذه الآفات»، تتجه أولوية السياسة الدبلوماسيّة والأمنيّة للجزائر نحو حماية أراضيها مع الاستمرار في دعم حوار شامل في مواجهة الأزمات لتحقيق الاستقرار في دول الجوار، وبالأخصّ منطقة الساحل والصّحراء التي تسمح مساحتها (نحو 5 ملايين كيلومتر مربع) بحريّة الحركة للمجموعات الإرهابيّة.
يثني مساهل على «الدور المهم» للتحرك الدبلوماسيّ الجزائريّ لإنجاح مسارات حلّ الأزمات، ولا سيما في ليبيا حيث طبقت الجزائر مقاربة تقوم على «الحوار الشامل للتقريب بين أطراف النزاع». ويرى الرجل أنّ الجزائر ما زالت وفيّة لمبدئها التقليديّ بعدم التدخل خارج حدودها وعدم التدخل في سياسات الدول الأخرى: «مشكلة ليبيا الرئيسة هي التدخلات الخارجية التي من خلال انتهاك القانون خلقت فوضى عزّزت نمو الإرهاب، لكن الليبيّين اليوم قادرون على تطوير نموذج للخروج من الأزمة عبر مرجعياتهم الخاصة وقراءتهم للأحداث». ويذكّر مساهل بأنّ الدبلوماسيّة الجزائريّة دأبت دائماً على المطالبة بالحل نفسه: «إنشاء مؤسسات قويّة كشرط لا غنى عنه لنجاح عملية مكافحة الإرهاب. وهذا هو السبب الذي يجبرنا على مساعدة ليبيا للخروج من الأزمة من خلال إنشاء حكومة انتقاليّة قادرة على ضمان حماية البلاد والدفاع عن المصالح الوطنيّة».
وقد شاركت الجزائر في المفاوضات التي ضمت الأطراف الأساسيّين في أزمة مالي والتي أدت إلى التوصل إلى اتفاقية سلام باماكو في تموز/يونيو2015، لكن مساهل شدد على الحفاظ على مبدأ السّيادة ومركزيّة الحوار بين الماليّين لإيجاد سيناريو موحد لحل الأزمة، في ظلّ ازدياد انعدام الأمن في جنوب البلاد والمناطق المجاورة. وبالرغم من أن الجزائر ليست جزءاً من «مجموعة دول الساحل الخمس»، إلاّ أنّها تؤدي دوراً رئيسيّاً في التعاون الأمنيّ، حيث تقوم ​​«بتدريب الجنود وتجهيزهم، ونقل وتبادل المعلومات الاستخباريّة لمصلحة الأمن الجماعيّ»، وذلك في إطار تسليط الضوء على فاعليّة النهج الذي تتبعه بلاده مقارنة بـ«بعثة الدعم الدولي لمالي تحت القيادة الأفريقية - أفيسما» التي تكلف الأمم المتحدة مليار دولار سنوياً وأصبحت هدفاً للجماعات الإرهابية ولم تحقق أهدافها. وبالنسبة إلى الدبلوماسية الجزائرية التي تلتزم مبدأ عدم التدخل، «يجب إتاحة إمكانية اتخاذ القرارات للأطراف الفاعلة».
وفقاً لمساهل، ينعكس هذا المبدأ على رؤية الجزائر للأزمة في سوريا، «أي مفاوضات من أجل الحلّ، يجب أن تضم جميع أطراف النزاع من دون تدخل خارجي»، وذلك على عكس الطرح القائل بضرورة التوسّط لإقامة حوار شامل. ورداً على سؤال بشأن تبلور التنافس الجزائريّ المغربيّ حول قضيّة الصحراء الغربية، تحدث مساهل بصراحة عن طبيعة هذا الصراع الذي يتمحور حول «تصفية الاستعمار»، الذي لا حلّ له «خارج إطار حق الشّعب الصحراويّ في تقرير مصيره، وهو مبدأ أقره القانون الدوليّ». من هذا المنظور، تعترف الجزائر من دون مواربة بدعمها لـ«جبهة البوليساريو» التي «تُدافع عن قضية عادلة»، وتعلن أنّها تمتثل لإرادة الصحراويّين بغض النظر عمّا يقرّرونه.
لكن على الرغم من إسهابه في شرح تطور الدبلوماسيّة الإقليميّة الجزائريّة ونجاح النموذج الجزائريّ في مجال التعاون الأمنيّ، إلاّ أنّ غياب أي رؤية نقديّة تجاه «حوار الحضارات» كعلاج لشرور الإرهاب يعد إشكاليّاً. فقد ردّ مساهل على سؤال طرحه الدبلوماسيّ الفرنسيّ السابق هيرفيه دو شاريت، حول الوسائل التي «يجب تطويرها لمكافحة الإرهاب الإسلامويّ» بتأكيد مبدأي «العيش المشترك» و«حوار الحضارات» كركيزتين استراتيجيّتين لإنهاء التطرف. إلا أنّنا هنا أمام مقولتين ملغومتين تستخدمان في وسائل الإعلام الغربيّة لإخفاء الطبيعة الحقيقيّة للصّراعات والأسباب التي تغذّي الإرهاب.
في الواقع، وكما أشار المفكّر اللبنانيّ جورج قرم، في مناسبات عدّة، فإنّ «حوار الحضارات» ليس سوى مشكلة زائفة بحيث إن طرح «صدام الحضارات» نفسه ما هو إلا قناع أيديولوجيّ لإخفاء واقع سياسة الهيمنة الأميركيّة في الشرق الأوسط، وبالتالي تحويل الصّراع في فلسطين من قضيّة احتلال واستعمار إلى قضية دينيّة وتجريدها من طابعها السياسيّ واستبدال الإدارة الآمنة بها.
لذلك، ربما كان من الأفضل لو تعامل مساهل بحذر أكبر مع مفاهيم تُعتبر مشحونة أيديولوجيّاً وتستخدم كأدوات دعائيّة. كذلك من المؤسف أنّ وزير الخارجيّة لم يتحدث بما فيه الكفاية عن التجربة الجزائريّة في اجتثاث التطرف، وخاصة الدور الذي تقوم به وزارة الشؤون الدينيّة في تدريب الأئمة وإدارة المساجد.