الحسكة | يحاول قاصد (13 عاماً)، ابن مدينة البوكمال، والنازح إلى مدينة الحسكة، قراءة جملة مكتوبة على مجلة في محل الحلاقة التي يعمل فيه، لكنّه يعجز عن متابعة قراءتها بالكامل. حال قاصد هو مثل حال أكثر من ربع مليون طالب فقدوا حقّهم بالتعليم في دير الزور وحدها، وفق «مديرية التربية في المحافظة»، نتيجة سيطرة التنظيمات الإسلامية، على مناطقهم، وإغلاق المدارس الحكومية فيها. يقول لـ«الأخبار»: منذ ست سنوات أغلقت جبهة النصرة مدارسنا، وتركنا الدراسة والتعليم»، ويضيف: «لم أستطع سوى دراسة الصف الأول، وأُغلقت مدرستي، ويفترض أنني أدرس الآن في الصف السابع، لكن انقطاعي عن التعليم فرض بدء التعلّم من جديد».
واقع قاصد أفضل من واقع الكثير من أقرانه الذين ما زالوا أسرى مخيّمات عين عيسى ومبروكة والسد والركبان وفي مخيمات تركيا والأردن، والذين لم يجدوا طريقاً للتعلم، فيما أتاح وجوده في الحسكة الفرصة للعودة إلى التعليم. وتؤكد الوقائع في أرياف المناطق الشرقية انتشار الأميّة وعدم قدرة الكثيرين على الالتحاق بالمدارس، نظراً لعدم وجود مدارس حكومية، ورفض الالتحاق بالمدارس «الشرعيّة» التي أحدثها «داعش»، والإقبال الضعيف على المدارس التي افتتحتها «قسد» (قوات سورية الديموقراطية) في مناطق سيطرتها، والتي اعتمدت في معظمها منهاجاً مغايراً لمنهاج وزارة التربية السورية، باستثناء أرياف ديرالزور المسيطر عليها أخيراً، ومدينة الرقة التي اعتمد فيها المنهاج الحكومي. لذلك، إن عودة تلك المناطق إلى كنف الدولة تشكّل تحدياً جديداً، هو تحدي محو الأمية. وأدى كلّ ما سبق ذكره إلى تسرّب آلاف الطلاب من التعليم، وخاصّة في المحافظات الشرقية الثلاث (الحسكة، الرقة، دير الزور)، التي تشير الأرقام الإحصائية لمديريات التربية في تلك المحافظات إلى تسرّب قرابة 700 ألف طالب، منهم أكثر من 400 ألف في كل من الرقة ودير الزور (خرجت مدارسهم عن السيطرة)، وأكثر من 165 ألف طالب في الحسكة، بالإضافة إلى قرابة 100 ألف طالب ممن هم في سن التعليم ولم يستطيعوا الوصول إلى المدارس مطلقاً خلال السنوات الخمس الماضية، ولم يتلقوا أي تعليم منذ ولادتهم. ورغم التحاق الكثير من أبناء الرقة ودير الزور بالمدارس الحكومية في الحسكة وحماه وحلب ودمشق بعد تغيير أماكن سكنهم، إلا أن ذلك لم يقلل من عدد المتسربين.

جهود لإعادة الطلاب إلى التعليم
بعد تحرير الجيش السوري لمساحات واسعة من ريفي دير الزور والرقة، وعودة العديد من سكان تلك الأرياف إلى قراهم وبلداتهم، تعمل وزارة التربية على افتتاح مدارس لإعادة الطلاب للتعليم، بالإضافة إلى ترميم المدارس المتضررة. ويقول وزير التربية، هزوان الوز، في تصريح لـ«الأخبار»، إن «الوزارة تعمل جاهدة على افتتاح مدرسة في أي تجمع سكاني عاد إليه أهله بهدف إعادة التعليم لكل المناطق المحررة»، مشيراً إلى أن «الوزارة اعتمدت منهاج الفئة ب الذي يختصر فترة الدراسة ويهدف إلى تعويض الطلاب ما فاتهم خلال فترة حرمانهم التعليم من قبل التنظيمات الإرهابية». وأضاف أن «الوزارة بدأت بترميم 100 مدرسة متضررة وتعمل على ترميم 100 أخرى في دير الزور وحدها، وفق خطة لترميم كل ما خرّبه الإرهاب، وإعادة الطلاب إلى مدارسهم». بدوره يقول مدير تربية دير الزور، خليل حاج عبيد، لـ«الأخبار» إنّ «المديرية أعادت افتتاح أكثر من 123 مدرسة في الريفين الغربي والشرقي، وعاد إليها أكثر من 50 ألف طالب، مع التوقع بازدياد العدد مع عودة أهالي البوكمال والميادين إلى مدنهم». وتفيد أرقام مديرية التربية في دير الزور إلى أن أعداد الطلاب في مدارس المدينة تضاعف إلى أكثر من 23 ألفاً، بعد عودة أكثر من 100 ألف مدني إلى المدينة بعد تحريرها.

لا اعتراف بمدارس «مجلس الرقة المدني»
في الرقة، أعادت «مديرية تربية المحافظة» افتتاح أكثر من 106 مدارس، عاد إليها قرابة 16 ألف طالب في ريفي الرقة الشرقي والجنوبي اللذين حرّرهما الجيش صيف العام الفائت، من أصل 1437 مدرسة كان يقصدها أكثر من 300 ألف طالب. ويكشف مصدر في «هيئة التربية» التابع لـ«مجلس الرقة المدني» عن «افتتاح 271 مدرسة، منها 39 مدرسة في مدينة الرقة، يدرس فيها قرابة 75 ألف طالب، يدرسون المنهاج الحكومي السوري». ويؤكد المصدر أن «لا تنسيق مع مديرية التربية (الحكومية) بخصوص المدارس والمعلمين وكل ما يتعلق بالقطاع التربوي».
وزير التربية لـ«الأخبار»: اعتمدنا منهاجاً يختصر فترة الدراسة لتعويض الطلاب ما فاتهم

بدوره، يقول مدير تربية الرقة، عبد الإله الهادي، لـ«الأخبار» إنه «لا اعتراف في المدارس التي افتتحها مجلس الرقة المدني لأنها لا تطبق المنهاج الوزاري بالطريقة الصحيحة». ويستذكر الهادي «تجربة للمديرية في مدينة تل أبيض التي طبّق فيها المنهاج الحكومي لأشهر قليلة، قبل تغيير المنهاج لمصلحة منهاج ما يسمى الإدارة المدنية، وهو ما يجعل من منهاجهم غير معترف به نهائياً».

في الحسكة ازدواجية المناهج

شكّلت الحسكة قاعدة أساسية لـ«الإدارة الذاتية» (التابعة للأكراد) التي طبّقت منهاجها منذ عام 2013، وبدأت بالصف الأول إلى الخامس. وطبقت المنهاج هذا العام حتى الصف التاسع مع توقعات بتطبيقه حتى الشهادة الثانوية العامة في العام المقبل. وتدير مديرية التربية (الحكومية) في الحسكة 407 مدارس من أصل 2423 يدرس فيها 108362 طالباً، فيما بلغ عدد المتسربين من التعليم 161600 طالب نتيجة تطبيق «الإدارة الذاتية» منهاجها في مرحلة التعليم الأساسي، والتي أدّت إلى خروج اعتصامات واحتجاجات متكررة ضدها في كل من الحسكة والقامشلي. وتؤكد مديرة التربية في الحسكة، إلهام صورخان، لـ«الأخبار» أن «المديرية استوعبت الطلاب المتسربين من خلال تطبيق المنهاج الفئة ب، والتعلم الذاتي في المنازل، لتخفيف الضرر من إغلاق مدارس وتطبيق مناهج مغايرة». وأضافت: «استوعِبَت أعداد كبيرة من الطلاب في المدارس الحكومية، مع استخدام غرف مسبقة الصنع، وتطبيق الدوام النصفي، لتأمين أكبر عدد ممكن من الطلاب في المدارس الحكومية». بدورها، تقول «هيئة التعليم في الإدارة الذاتية» إنها «تدير 1950 مدرسة في الحسكة، يدرس فيها أكثر من 170 ألف طالب»، وهي إحصائية لا تبدو واقعية في ظل وصول عدد الطلاب في المدارس الحكومية في الصف الواحد لأكثر من 90 طالباً في القامشلي والحسكة، وهو ما يشير إليه، محافظ الحسكة، جايز الموسى في تصريحات إعلامية بأن «الطلاب يُقبلون فقط على المدارس الحكومية». ولفت إلى أن «أعداداً محدودة تدرس في المدارس التي تديرها ما تُسمى الإدارة الذاتية»، مشيراً إلى أن «الكثير من أبناء من يديرون التعليم في الإدارة الذاتية يدرس في المدارس الحكومية التي تدرس المنهاج المعترف به محلياً ودولياً».