القاهرة | ثلاث سنوات من المفاوضات لحل أزمة «سد النهضة» بين القاهرة وأديس أبابا، لا تزال نتيجتها الفشل المستمر والرفض الرسمي في الاعتراف به، وهو ما يمكن تتبعه في مواقف جميع المسؤولين المصريين والإصرار على سلوك طريق طويل من التفاوض، تبدو فيه إثيوبيا الطرف المنتصر.الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي وقّع على اتفاقية مبادئ مع إثيوبيا في الخرطوم في آذار عام 2015، لم ينجح في تحقيق أي مكسب على الأرض حتى الآن.
«اتفاق الخرطوم»، الذي ينص في أحد بنوده على أن تُعدّ المكاتب الاستشارية دراسات فنية عن «سد النهضة» في مدة لا تزيد على 11 شهراً، يُتَّفَق بعدها على آلية تشغيل السد وملئه، دون الإضرار بمصر والسودان باعتبارهما دولتي المصب، لم يتحقق حتى الآن، ومسار الدراسات الذي شهد سجالاً لأشهر عدّة في المباحثات، توقف بنحو كامل، في حين أن التفاهمات التي جرى التوصل إليها أخيراً خلال القمة الأفريقية في أديس أبابا لم تنفذ حتى الآن.
المؤكد أن مسار المفاوضات الآن أصبح بلا جدوى، وأن أديس أبابا نجحت في التلاعب بالقاهرة خلال السنوات الماضية، ونجحت في إنجاز «سد النهضة»، وفرضه بسياسة الأمر الواقع، ولا تزال تماطل في إتمام الدراسات التي تحدد الآثار السلبية للسد، حتى أوشك بناؤه على الاكتمال، وأصبحت بحيرته جاهزة للبدء في تخزين المياه بحلول الصيف المقبل، في وقت لم تعد فيه المطالب المصرية والشواغل التي خرجت من الإطار السري للعلني تلقى اهتماماً من الجانب الإثيوبي.
المماطلة الإثيوبية ارتبطت أيضاً بالدراسات المختلفة، التي لم تنجز حتى الآن، أو لم يبدأ الشروع فيها أصلاً، فبعد الاتفاق الرئاسي الأخير، فشل وزراء الري في الدول الثلاثة في التوافق على التقرير الاستهلالي، الذي وافقت عليه مصر ورفضته السودان وإثيوبيا.
هذا الرفض عطّل أعمال المكاتب الاستشارية التي يفترض أن تنفذ الدراسات، التي يمكن أن توضح الآثار السلبية للمشروع على مصر، التي بدأت بالفعل في التعامل معه كأمر واقع، وتحاول مراجعة سياسات توزيع المياه على المزروعات لتجنب أزمة طاحنة مرتقبة خلال فترة تعبئة بحيرة «سد النهضة»، والتي تخشى القاهرة من تأثيرها بشدة في المزروعات وكمية المياه المخزنة في «السد العالي».
باتت مصر مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالتعامل بحسم مع الملف


تحاول مصر تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع إثيوبيا، من خلال ضخ استثمارات مصرية عبر القطاع الخاص بالأمر المباشر من جهات سيادية في أديس أبابا. هذه الاستثمارات تزايدت كثيراً خلال آخر عامين، ولكن مع تصاعد لغة الاشتباك الدبلوماسي بين البلدين بدأ أصحابها يخشون تعرضهم لمضايقات من الحكومة الإثيوبية.
حتى الآن، لم تشكل مصر فريقاً للتعامل مع أزمة «سد النهضة». السجالات والمناقشات مستمرة منذ فترة طويلة بين الأجهزة المعنية، لكن المسؤول غائب دوماً. أضف إلى ذلك أن القرارات بشأن هذا الملف تتخذ على المستوى الرئاسي فقط، فالخبراء ومسؤولو الجهات السيادية يرفعون التقارير إلى رئيس الجمهورية، وهو وحده صاحب القرار، حتى إن وزير الخارجية سامح شكري، الذي شارك في اجتماعات عديدة، لم يستطع اتخاذ قرارات في قضايا عدة، طالباً العودة أولاً إلى الرئيس.
لا شك في أن الحكومة المصرية أصبحت مطالبة بالاعتراف بأزمة «سد النهضة»، فرسائل الطمأنة التي ترسل إلى المواطنين عبر وسائل الإعلام، وتضييق الحديث عن الأزمة، لم يعد حلاً في وقت تجاوزت فيه معدلات بناء السد الإثيوبي مرحلة التأسيس، وبلغت المراحل النهائية، والرئيس أصبح مطالباً بتشكيل لجنة مهمتها الأساسية التعامل مع الكارثة المحتملة ومعالجتها. صحيح أن هناك متابعة للملف من فايزة أبو النجا، مستشارة السيسي، لكن سلطة اتخاذ القرارات بعيدة عن لجنة المتابعة بشكل كامل، وبعيدة عن أبو النجا نفسها، التي اشتكت أكثر من مرة بسبب تدخلات مسؤولين رئاسيين في عملها، وعدم الاستجابة للنصائح والرؤى التي قدمتها.
وفي نظر خبراء كثيرين معنيين بالملف، لا يجب أن تتجاوز مدة المباحثات مع إثيوبيا ثلاثة أشهر أخرى على أقصى تقدير، خاصة أن هناك أزمة حقيقة اقتربت، من دون أن تكون هناك آلية للتعامل معها، ولا سيما أن مصر تراجعت فعلياً خلال السنوات الماضية في موقفها الرافض للسد الإثيوبي رفضاً قاطعاً، ليتحول مسار المفاوضات من بناء السد أو عدمه إلى الفترة التي يجب فيها ملء الخزان.
مصر باتت مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالتعامل بحسم مع الملف، على نحو يرتبط بأدلة قانونية وقياسات عملية على مشاكل مماثلة حدثت في المجتمع الدولي، وتحديد آليات التصعيد واتخاذ خطوات جدّية فيها، خلال فترة زمنية محددة، ما لم يجرِ التوصل إلى اتفاق مع الجانب الإثيوبي، خاصة أن جولات التفاوض تؤجل شهراً بعد آخر لأسباب متباينة، ومن دون اتخاذ أية قرارات حاسمة بشأنها، في وقت يستمر فيه العمل ببناء السد وإنجازه بنجاح عظيم!



هجوم إرهابي في سيناء
في وقت قرر فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، تعرض أحد المعسكرات، أمس، في وسط سيناء لهجوم هو الأعنف منذ بداية «العملية الشاملة - سيناء 2018»، قبل أكثر من شهرين.
وهاجم مسلحون معسكراً لقوات الأمن المركزي، ما أدى، بحسب بيان رسمي، إلى مقتل 8 وإصابة 15 من رجال الجيش والشرطة.
وأعلنت قوات الجيش نجاحها في القضاء على جميع منفذي الهجوم، وعددهم 18 شخصاً، بينهم ثلاثة كانوا يضعون أحزمة ناسفة، في وقت خرجت فيه جنازات لشهداء في الشرطة لم يرد ذكرهم في البيان الرسمي، ولم يُعلَن مكان استشهادهم في سيناء.