هذه الحادثة أثارت سخط الإمارات، التي اتهمت الحكومة الصومالية الحالية بأنها «تخلق احتقانات لا داعي لها مع صديق وحليف وقف مع استقرار الصومال وأمنه في أحلك الظروف» على حد تعبير وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش. وفي الاتجاه نفسه، علّق وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، على قرار مقديشو بأن «الصومال لم تردّ (على الدعم الإماراتي) إلا بالنكران والإساءة والارتماء في أحضان أعداء الأمة» في إشارة مبطنة إلى قطر. اتهام أسرّته دول المقاطعة منذ أن أعلن الصومال التزامه الحياد في النزاع الخليجي، ودعوته إلى إنهائه بـ«طرق سلمية تتسم بالأخوة والدبلوماسية». وعلى إثر ذلك الموقف الذي جدّدته مقديشو في غير مناسبة، بدأت المناكفات بين الجانبين (الإماراتي والصومالي) حتى بلغت ذروتها بإقدام الإمارات، أوائل آذار مارس/ الماضي، على إشراك إثيوبيا في الاتفاقية المبرمة بينها وبين «جمهورية أرض الصومال» (غير المعترف بها دولياً)، من دون الرجوع إلى الحكومة الاتحادية. وهو ما أثار غضب الأخيرة، التي سارعت في اليوم التالي مباشرة إلى إعلان رفضها الاتفاقية المذكورة، معتبرة إياها «لاغية وغير شرعية كونها لم تُبرَم عبر الطرق القانونية».
اتهمت الإمارات الحكومة الصومالية بـ«خلق احتقانات لا داعي لها»
وترافق التوتر على خط مقديشو - أبو ظبي مع تقارب بين الصومال وكل من تركيا وقطر، اتخذ على مدار الأشهر العشرة الماضية (عمر الأزمة الخليجية إلى الآن) أشكالاً متعددة. في الـ18 من شباط/ فبراير الفائت، سلّمت الحكومة القطرية، الشرطة الصومالية، مساعدات عسكرية في حفلٍ أقيم في ميناء مقديشو الدولي. وقبلها بحوالى 3 أشهر، وقّعت الدوحة ومقديشو اتفاقية بقيمة تزيد على 200 مليون دولار، تقوم بموجبها الأولى بتنفيذ مشاريع تنموية مختلفة في الصومال. وسبق ذلك بنحو شهرين، وتحديداً في الـ30 من أيلول/ سبتمبر 2017، افتتاح الجيش التركي أكبر مركز عسكري له خارج البلاد في العاصمة الصومالية، بهدف تدريب ضباط الجيش الصومالي وجنوده وتأهيلهم.
هل وقفت أبو ظبي مكتوفة الأيدي حيال ذلك كله؟ ثمة معلومات تفيد بأن الأموال الإماراتية التي ضبطتها السلطات الأمنية الصومالية يوم الأحد الماضي، إنما كانت مرسَلة إلى إقليم بونتلاند (يتمتع بحكم شبه ذاتي) الذي كانت إدارته الإقليمية أعلنت انحيازها إلى دول المقاطعة، علماً أن الإمارات تتولى إدارة ميناء بوصاصو الواقع في هذا الإقليم، فضلاً عن توفير خدمات مالية وتدريبية لقواته الأمنية. وإذا ما صحّت تلك المعلومات، فهذا يعني أن أبو ظبي لن تتوانى عن مضايقة سلطات مقديشو، عبر تعزيز علاقاتها بالأقاليم المنحازة ضد قطر (وهي، إلى جانب بونتلاند، جلمدغ، جوبالاند، هيرشبيلي، وغربي الصومال)، فضلاً عن «جمهورية أرض الصومال» أو «صوماليلاند» المعلَنة من جانب واحد. استراتيجية من شأنها إضافة تعقيدات جديدة إلى المشهد السياسي الصومالي المعقد أصلاً، وتوليد عناصر انقسام إضافية بين الصوماليين، بعدما أدى قرار البرلمان الأخير بشأن «موانئ دبي» إلى بروز تجاذبات بين رئاسة مجلس الشعب من جهة، ورئاستَي الحكومة والجمهورية من جهة أخرى.
يوم أمس، أكد رئيس مجلس الشعب، محمد شيخ عثمان جواري، في خطاب ألقاه أمام أعضاء المجلس، استقالته من منصبه، مبرّراً قراره بأنه جاء «رفقة بالوطن، وخوفاً من انهيار الهيئة التشريعية»، في إشارة إلى الانقسام بين النواب المؤيدين لسحب الثقة من جواري، وأولئك المعارضين للأمر. وكان نواب مقربون من رئيس الحكومة، حسن علي خيري، تقدموا منتصف آذار الفائت بمقترح لنزع الثقة من رئيس مجلس الشعب، في خطوة رأى فيها محللون صوماليون واحدة من مفاعيل الخلاف بين مؤيدي عواصم المقاطعة ومناوئيها. وهو خلاف ألمح إليه قرقاش نفسه عندما عزا قرار مصادرة الأموال الإماراتية إلى «بعض التحركات الصومالية الداخلية التي تحاول تصوير الأمر على غير حقيقته». ومن هنا، تتزايد المخاوف من أن يتسبب اللعب الخليجي على وتر الانقسام الصومالي بشأن أزمة قطر بمفاعيل أخطر مما شهدته البلاد في الآونة الأخيرة.