تخطو السعودية خطوات جدية سعياً إلى انتصار ومكسب سياسي مهم يتمثّل بالتقريب بين مصر وتركيا بعد قطيعة سياسية وقعت بين الطرفين منذ عزل الرئيس محمد مرسي في تموز/يوليو 2013. ويبدو أنّ هذا التقارب الذي يسعى الملك سلمان بن عبد العزيز شخصياً إلى تحقيقه بزيارة مصر وبعدها أنقرة، سيرتكز على القفز فوق نقطة الخلاف الرئيسية بين العاصمتين الأساسيتين في "التحالف الإسلامي" العسكري الحديث النشأة، وهي "الإخوان المسلمون".
وفيما قد ينفي هذا الأمر ما أشيع في فترات سابقة عن سياسة سلمان القاضية بالتوافق مع كل الطيف "الإخواني" في الشرق الأوسط، يؤكد مصدر دبلوماسي مصري، في حديثه إلى "الأخبار"، أنّ إحدى النقاط المطروحة على جدول زيارة الملك سلمان للقاهرة، تقريب المواقف بين الدولتين، و"ليس الدفع نحو مصالحة بين الدولة المصرية والإخوان".
السعي السعودي إلى "خفض التوتر" بين القاهرة وأنقرة، يؤكده لـ"الأخبار" أيضاً الصحافي المصري، عبد الله السناوي، الذي يلفت في سياق حديثه إلى شروط مصرية بهذا الخصوص، بينها عدم التدخل التركي في الشؤون الداخلية المصرية.
بصرف النظر عن مدى قدرة القاهرة على إبعاد الأتراك عن التدخل في الشأن المصري الداخلي، لكن بالإمكان القول إنّ "مصر ــ السيسي" لا قدرة لها على استيعاب "الإخوان" في إطار مصالحة سياسية، خاصة بالنظر إلى واقع أنّ الشرعية السياسية القائم عليها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ترتكز بالأساس على قاعدة العداء لـ"الإخوان" (وهنا عقدة الصراع).
لا يعوّل "إخوان مصر" على أيّ دور سعودي يخدم مصالحهم ويحلّ أزمتهم

ما تريده السعودية، في الحقيقة، تقريب وجهات النظر بين مصر وتركيا، بما يخدم سياساتها حيال أزمات المنطقة، بخاصة الأزمة السورية، وفق الدبلوماسي المصري. وانطلاقاً من هنا، سيكون من المهم متابعة تطورات الأيام المقبلة لمعرفة إن كانت الرياض ستنجح في مسعاها، ولتبيان قدرة السياسة المصرية على التأقلم ضمن الإطار الذي يجمع السعودية وتركيا في الشأن السوري.
لكن، ماذا عن موقف "الإخوان"؟ هم لا يعوّلون على أي دور سعودي في الشأن المصري الداخلي، حتى أنّ مصادر في الجماعة تعلّق في حديثها لـ"الأخبار" قائلة: "لا يوجد أي اتصال، على الإطلاق، بين الإخوان والمملكة منذ الانقلاب العسكري (صيف 2013)، ولا توجد أي مؤشرات حقيقية على نية الملك سلمان القيام بوساطة".
كذلك، يبدو أن هناك شعوراً عاماً لدى "إخوان مصر" بأنهم تحولوا إلى ورقة مفاوضات لا بد أن تستخدمها السعودية للتقريب بين القاهرة وأنقرة، وأنّ الانشقاق الداخلي الذي تعرفه الجماعة بين فريقين سيسهّل هذا الأمر.
القيادي السابق في "الإخوان"، كمال الهلباوي، يعتبر في حديثه لـ"الأخبار"، أنه لو كان ما يشاع بخصوص المبادرة السعودية حقيقياً "لرفعت الرياض الضغوط عن الإخوان في السعودية أولاً، وتهمة الإرهاب". ويبدي الهلباوي اعتقاده بأنّ "ما يهم القيادة السعودية حالياً، أي الأسرة الحاكمة، هو استمرارها في الحكم أكبر فترة ممكنة، وجرّ مصر إلى ما يسمى التحالف الإسلامي الذي تقوده للحرب في اليمن، وفي سوريا، أو غيرها من البلاد التي تحب أميركا أن يستمر فيها الصراع، أحياناً باسم الطائفية أو المذهبية أو التنافس السياسي مع إيران، واستخدام الفتنة المذهبية في ذلك".
الحاجة السعودية إلى مصر في السياسة الإقليمية، يشير إليها أيضاً مصدر "إخواني" يقيم في تركيا. وبينما يؤكد أنّ "لا حكام القاهرة ولا السعودية، يهمهم الإخوان وحلّ صراع مع السلطة"، فإنه يرى أنّ "ما قد يدفع الرياض إلى التدخل بهدف حل الأزمة الدائرة في القاهرة بين الجيش والإخوان، رغبة الرياض في استقرار الوضع في القاهرة لتقوية موقف الحلف السني الذي تنقصه مصر، والرغبة في تحييد موقف القاهرة تجاه دمشق، وحاجة الرياض إلى القاهرة لمواجهة التمدد الإيراني".
ويذهب المصدر إلى حدّ التأكيد أنه "جارٍ حالياً الانتهاء من تسوية الموقف المصري (في الشأن الإقليمي) بالكامل بين الرياض وأنقرة والقاهرة، وسيكون الإخوان خارج المشهد، بمعنى أنه لن يكون لهم شروط حقيقية سوى الإفراج عن معتقلين". ويستطرد قائلاً: "إنّ النظام في القاهرة سيدخل في حالة من الحرب الباردة بينه وبين الإخوان، (من شروطها) التوقف عن الاعتقالات، إخراج معتقلين من الصفين الثاني والثالث، دون الإفراج عن الرموز كخيرت الشاطر ومحمد بديع والبلتاجي ومحمد مرسي، وذلك في مقابل انزواء الإخوان عن السياسة بشكل كبير".