سيناء | في ظل إعلان مصر المتكرر انضمامها إلى التحالفات العسكرية التي تقودها السعودية ضد «مشاريع التمدد الإيراني» في المنطقة، استغل عبد الفتاح السيسي الموقف الذي قدمه إلى الخليج عموما والسعوديين خاصة، ليحاول الحصول على قدر كبير من الأموال والاستثمارات الخليجية، لكن التحول العام في سياسة المملكة بعد تسلم سلمان الحكم وإحداثه انقلابا داخليا هادئا ومبرمجاً، لم يكن في مصلحة القاهرة. «الكرم والعز» الذي كان يقدمه الراحل عبد الله وعلى شاكلة سيولة مالية غالباً لم يعد سهل المنال.
لكن زيارة سلمان الجارية إلى مصر جلبت معها مجموعة من التساؤلات، بدءا عن سر تزامن هذه الزيارة مع إعلان دعوة تركية لسلمان كي يزور تركيا، التي لا تزال على خصام مع مصر ولم تفلح السعودية في المصالحة بينهما، فضلا عن الحديث عن تحريك ملف المصالحة الداخلية مع «الإخوان المسلمين» وملف الحدود البحرية بين مصر والسعودية... حتى السؤال عن السبب وراء طرح اسم سيناء لتكون موقع أهم المشروعات التنموية الممولة سعوديا والمخاطر المترافقة مع ذلك.
وكانت وزيرة التعاون الدولي، سحر نصر، قد قالت إن المملكة السعودية ستساهم بمبلغ 1.5 مليار دولار لتمويل مشروعات اقتصادية في شبه جزيرة سيناء. ويتضمن ذلك تنفيذ عدد من المشروعات في محافظتي شمال وجنوب سيناء، من بينها إنشاء طريق محور التنمية في شمال سيناء التي تشهد حرباً حقيقية مع تنظيم «ولاية سيناء»، بجانب عدد من التجمعات الزراعية و26 تجمعا سكنيا تشمل منازل ووحدات صحية ومدارس.
أيضاً، تشمل المشروعات إنشاء جامعة الملك سلمان في مدينة الطور (جنوب)، وهدفه المعلن «الارتقاء بالمستوى العلمي ورفع التوعية والتعليم في المنطقة»، كما سيتيح المشروع «لسكان سيناء وغيرها فرصة التعليم الجامعي ويؤهلهم للالتحاق بمختلف مجالات العمل». وتبلغ تكلفته 300 مليون دولار أميركي على أن ينجز في نهاية عام 2018.
حصار للجيش على أربعة أحياء في العريش وشكاوى من تجاوزات

وعملياً، استأثرت جنوب سيناء بنصيب الأسد من المشروعات التي ستدعمها السعودية مقابل منح شمال سيناء جانبا صغيرا من هذه الاستثمارات، وتحديداً منطقة بئر العبد غربي العريش التي ستبنى فيها وحدات سكنية للمواطنين الذين فروا من العمليات العسكرية في الشيخ زويد ورفح. وهذا يعني أن البيئة التي منحها السيسي للمشروعات السعودية هي بيئة آمنة، في ظل ما يشهده جنوب سيناء من أمان مقارنة بالشمال، وبعبارة أخرى، فإن السيسي سيفي كلامياً بوعده في تنمية سيناء ولكنه لم يعمل في المناطق التي تطاولها الحرب.

الإخفاق الأمني متواصل في الشمال

محاولة جديدة للجيش المصري في الحفاظ على ما تبقى من ماء الوجه بعد الهجمات الأخيرة لعناصر «ولاية سيناء» على حواجز أمنية متتالية، آخرها حاجز «الصفا»، الذي قتل فيه 18 رجل أمن. ومجدداً عادت قسوة الجيش، الذي قرر حصار أربعة أحياء داخل العريش (الصفا والسلايمة والشرابجة وعاطف السادات)، وهدم عشرات المنازل على أطراف المدينة بدعوى اتخاذها قواعد للمسلحين. على ضوء ذلك، تسود حالة من الغضب سكان عاصمة شمال سيناء، بسبب هذه الإجراءات المتواصلة منذ ثلاثة أيام، بجانب فرض حظر التجوال بدءا من السادسة مساء حتى السادسة صباحا، واعتقال أي مواطن يحاول الخروج للتزود بالغذاء أو الدواء.
رموز ومشايخ قبلية من العريش وصفوا هذه الإجراءات بأنها «عملية انتقام من الأهالي» في مقابل غياب أدلة على وجود مسلحين في المنطقة أو العثور على مسلحين أو مخازن ذخيرة في الأحياء السكنية. ويقول شهود عيان إن القوات المشاركة في الحملات على منازل المواطنين «تتعمد تدمير أثاث المنازل والأجهزة الكهربائية خاصة الثلاجات والغسالات والتلفاز وأجهزة التكييف، مع مطالبة الناس بإبراز هوياتهم الشخصية ومصادرة المبالغ المالية بحوزتهم».
والملاحظ أن هذه الحملات تستهدف منازل أبناء العريش ممن ينتمون إلى قبائل سيناوية بمعزل عن المواطنين «الوافدين» أو المقيمين من أبناء المحافظات الأخرى، برغم كشف المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة عن أسماء متورطة في عمليات، من خارج سيناء.
يقول مصدر عسكري إن الحملات الأمنية على مناطق متفرقة من العريش بين حين وآخر، تأتي «للوقوف على تسلل عناصر إرهابيين إليها أم لا»، مدافعا بالقول إن «الأفراد الذين يعتقلون خلال الحملات العسكرية يكشف عن مدى تورطهم في عمليات ضد الجيش والشرطة، ولكن إذا ما ثبت أنه لا علاقة لهم بالإرهابيين يفرج عنهم فوراً»!
جانب آخر يضايق السيناويين، وهو أن التفتيش لا يراعي عاداتهم وتقاليدهم وخاصة تفتيش النساء واعتراضهن خلال الحملات والمطالبة بالكشف عن أوجه السيدات المنتقبات، وبسبب ذلك يعتزم وفد من مشايخ ورموز تلك العائلات التوجه إلى رئاسة الجمهورية، غدا السبت، للشكوى إلى السيسي جراء «التجاوزات التي تصدر عن قوات الجيش تجاه أهالي العريش».
ميدانياً، استهدف مسلحون من «ولاية سيناء» مدرعة أمنية يستقلها مساعد مدير أمن شمال سيناء وقائد قوات الأمن المركزي في المنطقة، اللواء ياسر حافظ، بعبوة ناسفة خلال سيرها على الطريق الساحلي، ما أدى الى بتر في قدمه اليسرى ومقتل سائق المدرعة. وأول من أمس، قُتل ثلاثة مجندين وضابط برتبة نقيب وأصيب آخرون في حادث تفجير حافلة للجيش أثناء مرورها بحاجز يقع على المدخل الغربي لمدينة الشيخ زويد.
في المقابل، أعلن «ولاية سيناء» أنه سيشن عمليات مفتوحة ضد الجيش والشرطة «ردا على هدم منازل المواطنين وحصار الأحياء السكنية والتعرض للنساء»، مضيفا في بيان صدر أمس، أنه سيوسع عملياته، وأن «جميع الخيارات مفتوحة للمواجهة بالشوارع وعلى الحواجز الأمنية والطرقات الفرعية والدولية».