بغداد | فجأة، ومن دون مقدّمات، أعلنت الأمم المتحدة، الأسبوع الماضي، أنها أنجزت «ميثاق شرف» لتنظيم العملية الانتخابية في العراق، وافقت عليه أغلب القوى السياسية، لتُحدِّد لاحقاً يوم الأربعاء موعداً للتوقيع عليه، وهو ما تم فعلاً عصر أمس، ولكن في غياب رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة، بعدما كان مُقرَّراً حضورهم. سرعة الإعلان عن الميثاق وتوقيعه، وحجم الضبابية التي أحاطت به، وامتناع الرئاسات الثلاث وقادة الكتل عن إصدار مواقف بشأنه، كلها تثير تساؤلات بشأن هذا الاتفاق الذي يُعدّ سابقة في تاريخ العمليات الانتخابية، إذ لم يسبق للأمم المتحدة أو أي منظمة دولية أخرى أن تبنت وثيقة بشكل معلن، وألزمت الكتل السياسية بها، حتى في فترة ما بعد الانتخابات.الميثاق المعلن يتكوّن من 24 مادة تبدأ بـ«تكافؤ الفرص لجميع المرشحين وأعضاء الأحزاب السياسية المتنافسة... وأن للجميع الحق في الترشح والانتخاب من دون أي عائق أو تأثير»، وتنتهي بـ«تشكيل غرفة عمليات مشتركة مؤلفة من ممثلي الكيانات الموقعة على هذا الميثاق تجتمع أسبوعياً»، لكن مصادر مطلعة على كواليس ولادة الميثاق تحدثت، إلى «الأخبار»، عن «جزء مخفي» في الاتفاق، «تكمن فيه الخطورة والأهداف الحقيقية التي أرادها عرابوه». توضح المصادر أن الميثاق جاء ثمرة لتحضيرات استمرت عدة أشهر منذ العام الماضي، تضمنت عقد مؤتمرات كانت تحوم حولها «شبهات» في بروكسل وعمان وأنقرة وأربيل، حضرها سياسيون وشخصيات مطلوبة للقضاء بتهم فساد وإرهاب. وتضيف المصادر أن بعض القوى التي تمثل المحافظات الغربية «تنبهت مبكراً إلى تراجع حظوظها داخل مناطقها، عقب انهزام داعش، وصعود الحشد الشعبي، ونجاحه نسبياً في كسب ود أبناء بعض تلك المناطق، ما دفعها إلى تبني عدة خيارات لمواجهة نفوذ الحشد». وتستذكر المصادر السيناريوات التي طُرحت خلال الأشهر السابقة، كتشكيل حكومة «إنقاذ» أو «طوارئ»، وحل البرلمان، ومن ثم الدعوة إلى تأجيل الانتخابات النيابية فترة عامين، وتخفيض سقف المطالب إلى عام، فستة أشهر، قبل أن يحسم البرلمان والمحكمة الاتحادية الجدل، ويقرّا إجراء الانتخابات في أيار/ مايو المقبل، «إلى أن استُنفذت كل تلك الوسائل، ووصل الأمر إلى الخطة (ب) أو الانقلاب الناعم»، الذي جاء في صورة «ميثاق فضفاض وملغوم»، نجحت القوى المناوئة لـ«الحشد» في جعل الأمم المتحدة «واجهةً» له.
يتضمن الميثاق بنوداً متصلة بمرحلة ما بعد الانتخابات


وتتوقع المصادر أن تستخدم تلك القوى إمكاناتها في شنّ «حملات ممنهجة» ضد تحالف «الفتح»، توازياً مع محاولات التقرّب من «خصومه» من السياسيين «الشيعة»، كزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي بدا طرحه متناغماً مع ما تطرحه القوى المذكورة، عندما طالب أخيراً بـ«إشراف أممي مستقل على الانتخابات». وتضيف المصادر أنه «سيتمّ العمل على تحريك منظمات مدنية وحقوقية في تقديم تقارير وأدلة مصطنعة على خرق الفتح لبنود الميثاق، في ما يتعلق بالدعاية الانتخابية والنفوذ العسكري».
وتنص المادة الثالثة من الميثاق على «إدانة أي خطاب طائفي أو عرقي... ومحاسبة أي جهة تقوم بذلك وفق القانون»، فيما تنص المادة التي تليها على «رفض العنف بكل أشكاله، والتصدي لأي ظاهرة أو ممارسة تهدف إلى تمزيق الوحدة الوطنية». أما المادة التاسعة فتدعو إلى «تحريم الاحتراب واللجوء للعنف السياسي، ومنع التهديد المباشر أو المبطن بين المتنافسين في الانتخابات». هذه المواد تشكل، وفقاً للمصادر نفسها، «أرضية مناسبة لإدانة (الفتح)، أو على الأقل بعض تشكيلاته، أو جرهم إلى المواجهة والصدام إعلامياً على الأقل، وفي حال استطاع تجاوز عقبات منافسيه فإنه سيكون أمام تحديات أخرى ستكون أكثر مما قبل الانتخابات». ويلزم الميثاق المتنافسين في الانتخابات بـ«مبدأ التداول السلمي للسلطة... والقبول بنتائج الانتخابات بعد إقرارها رسمياً» كما جاء في المادة 21، بينما تدعو المادة التي تليها «كافة الأطراف للانخراط بشكل فوري في الإعداد لتشكيل الحكومة الجديدة وفقاً للأطر الدستورية، واستناداً إلى نتائج الانتخابات».
تحالف «الفتح» الذي حضر عنه رئيس كتلة «بدر» في البرلمان، محمد ناجي، التوقيع على الميثاق، نفى مصدر قيادي فيه معرفته بـ«قطب مخفية» في الاتفاق، مؤكداً أن تحالفه سيكون «أول العاملين، وليس أول الموقعين فحسب، بأي وثيقة شرف حقيقية». وشدد المصدر على أنه «لا يمكن لأي ميثاق شرف أن يتعارض مع (الفتح) القائم على احترام القوانين والسلوكيات الانتخابية». وبشأن ما جاء في الوثيقة من شروط تخص الدعاية الانتخابية، وعما إذا كان ذلك سيحظر على «الفتح» الحديث عن إنجازاته ضد «داعش» في حملته الانتخابية، اكتفى المصدر بتعليق ساخر: «هل يريدوننا أن نقول إن شهداء الحشد قُتلوا صعقاً بالكهرباء؟!».