تونس | تتواصل وتيرة الصراع بين «الجامعة العامة للتعليم الثانوي» ووزارة التربيّة في التصاعد، إذ تجمّع أمس مئات الأساتذة أمام مقرّ الوزارة في إطار «احتجاج وطنيّ» يشمل أيضاً إضراباً عن العمل يوم الأربعاء المقبل، والاستمرار في حجب نتائج الامتحانات وعدم تسليمها للإدارة. إلا أن وزير التربية حاتم بن سالم، بدأ بمواجهة هذه التحركات من خلال إجراء تحقيقات إداريّة مع الأساتذة، ولوّح بتعليق رواتبهم في حال عدم تسليم نتائج التلاميذ بحلول بداية الشهر المقبل.هذا التصعيد الأخير يأتي كخطوة جديدة في سياق المشاحنات المتواصلة بين «الجامعة العامة للتعليم الثانوي» ووزارة التربية منذ تولي حاتم بن سالم، مقاليدها قبل نحو سبعة أشهر. ولعلّ لبّ الخلاف هو المطالبة ــ بناءً على اتفاق سابق يقضي باعتبار التعليم «مهنة شاقّة» ــ باستثناء الأساتذة من الاتفاق الأوليّ بين «الاتحاد العام التونسيّ للشغل» والحكومة الذي يقضي بالترفيع تدريجاً في سنّ التقاعد إلى 65 سنة، والسماح لهم بالتقاعد المبكّر في سن الخامسة والخمسين بعد تحصيل ثلاثة عقود من العمل، إضافة إلى عدد من القضايا التي من ضمنها تحريك ملفّ «إصلاح المنظومة التربويّة».
على الرغم من أنّ هذا الصراع هو في واقع الأمر استمرار لصراع أقدم، كان قد بدأ مع سلف بن سالم، ناجي جلول، الذي أُقيل نظراً إلى عجزه عن التوصل إلى حلّ مع نقابات التعليم ووصول التشنج معها لمستويات غير معهودة، فقد انتقل مستوى التوتر في منتصف الشهر الماضي إلى مرحلة أخرى: جرى إقرار إضراب، تلاه حجب نتائج امتحانات التلاميذ (إبقاؤها عند الأستاذة وعدم تسليمها للإدارة)، وفي حال عدم التوصل إلى حلّ خلال هذا الشهر، سيُنتقَل نحو «مرحلة كسر العظام»، وهو الوصف الذي أطلقه كاتب عام الجامعة لسعد اليعقوبي، في خطابه ضمن احتجاجات يوم أمس.
يبدو أنّ تغيير وزير التربية صار أمراً شبه محسوم


لعلّ لعبة بن سالم، تكمن هنا في أنّه لم يسلك مسلك سلفه والتصرف وفق اجتهاداته. فقد رحّل الملف إلى مجلس الوزراء الذي انعقد أول من أمس، واعتبر أنّ تصعيد الأساتذة «غير قانونيّ، ولا يمثّل أحد أشكال النضال النقابيّ لأنّ تأثيره يطاول التوازن الأسريّ والسلم الاجتماعيّ». وأطلق المجلس يد الوزير لاتخاذ «الإجراءات التنظيميّة والقانونيّة والإداريّة» لفضّ الأزمة، وبناءً على ذلك، تولدت فكرة تعليق رواتب الأساتذة كإجراء مضاد، ورفض المفاوضات حتى ينتهي حجب النتائج الذي فشلت بسببه آخر جلسة تفاوضيّة، قبل أكثر من أسبوع، لأن الوزارة اعتبرت أنّ رفعه شرط مسبق للحديث.
وخلال التظاهرة أمس، رأى لسعد اليعقوبي أنّ «المعركة دخلت في دائرة جديدة»، مضيفاً: «إذا كانوا (الحكومة) يعتقدون أنّ مسك المدرسين من أمعائهم سيقلّل من عزائمهم، فهم واهمون»، وتوجّه إلى الحكومة قائلاً: «لا خيار لكم غير طاولة مفاوضات جديّة يتحصّل فيها هؤلاء (الأساتذة) على حقوقهم، وعدا ذلك لا يُرهبنا تهديدكم». ردّ الوزير، من خلال تدوينة على صفحته في موقع التواصل الاجتماعيّ «فايسبوك»، قائلاً: «لن يثنينا الوعيد ولا التهديد وستبقى الدولة صامدة».

سياق أكبر منهما
بعيداً عن المزايدات بين الرجلين، فإنّ هذا الصراع يندرج في سياق أكبر منهما، إذ إنّ اليعقوبي نفسه، قال في كلمته إنّ المسألة تأتي ضمن «هجمة على اتحاد الشغل تديرها الحكومة من وراء الستار، وهي أرادت أن توجّه تهديداً إلى الاتحاد من خلال رأس حربته: الجامعة العامة للتعليم الثانويّ». وبصرف النظر عن رغبة الرجل في التشديد على أهميّة نقابته ضمن «الاتحاد»، بخاصّة بعد ما تسرّب في الآونة الأخيرة عن تجنّب القيادة المركزيّة للمنظمة لمزيد من التصعيد في هذا الملف، فإنّ «الاتحاد» صار يقود حملة لإطاحة رئيس الحكومة نفسه، أو على الأقلّ تحجيم مخططاته.
إحدى الدلالات على ذلك، ما ظهر ضمن اجتماع الموقّعين على «اتفاق قرطاج» في منتصف الشهر الجاري، إذ أدت الحوارات إلى تشكيل «لجنة تقويم» تحدد البرنامج والتشكيلة الحكوميّة للفترة المقبلة، وظهر حينها على نور الدين الطبوبي، الأمين العام لـ«اتحاد الشغل»، علامات الانتصار، ورأى أنّ الحكومة الحاليّة «حكومة تصريف أعمال». وكان الطبوبي قد طالب قبل ذلك بإجراء تعديل حكوميّ يشمل بعض الوزراء «الفاشلين»، فأجابه يوسف الشاهد في حوار متلفز بأنّ الأمر «غير مطروح الآن».
بدا موقف رئيس الحكومة حينها تحديّاً لسلطة «الاتحاد» الذي يعتبر نفسه «أقوى قوّة في البلاد»، كما يشير الشعار الذي يُكثِر مساندوه من ترديده في تظاهراتهم، والذي «لا يستقيم عمل حكومة الوحدة الوطنيّة» في غياب دعمه، وفق عبارة لرئيس الجمهوريّة الباجي قائد السبسي.
جدير بالذكر، أنّ «لجنة التقويم» بدأت في أعمالها بداية هذا الأسبوع، وتتألف تركيبتها من عضوين ممثلين لكلّ طرف موقّع، وأهمّ هذه الأطراف السياسيّة هما حركتا «النهضة» و«نداء تونس»، أما المنظمات فأهمّها اتحادي «الشغل» و«الأعراف». ومن المنتظر أن تُعلَن نتائج المشاورات الأسبوع المقبل، وتبقى في الأثناء حكومة الشاهد ونزاعاتها رهينة التوافقات التي قد تؤدي إلى تغييرها، وذلك ما تشهد عليه السنوات الماضية التي حكمت خلالها حكومات تأتي بلا سبب وترحل كذلك من دونه.
إلى ذلك الحين، يبدو تغيير وزير التربية أمراً شبه محسوم، ولكن المسألة، كما تشير الوقائع والأرقام، أكبر من شخص الوزير، إذ إنّ قطاع التعليم الذي تعرّض في فترة حكم بن علي إلى تهميش واضح، يحتاج إلى ميزانيّة مفتوحة ترتقي ببنيته التحتيّة وأحوال مُسيّريه، وهو أمر يبدو في الوقت الحاضر مستحيلاً. ويكفي للتدليل على هذا الاستنتاج النظر إلى قانون الميزانيّة الذي يعاني نقصاً في الموارد، من المرجّح أن يؤدي إلى عجز متوقّع (كان قد تكرر في السنوات الماضية)، وإلى الخروج المُبرمج لطلب قرض من السوق الدوليّة يُنتظر أن يكون بنسبة فائدة عالية بعد التصنيف الأخير لتونس ضمن قائمة (أوروبيّة) مالية سوداء.



احتجاجات الفوسفات تشتعل مجدداً

إلى جانب الأزمة في قطاع التعليم، تعاني تونس منذ سنوات من انقطاعات دوريّة في إنتاج الفوسفات بسبب سلسلة من الاعتصامات والاحتجاجات في مدن محافظة قفصة. وبعد التوصل إلى اتفاق قبل أسابيع أنهى سلسلة اعتصامات دامت قرابة الشهرين وشلّت الإنتاج كليّاً، فإنّ الاحتقان عاد مجدداً. وجابت أمس مسيرة احتجاجيّة شوارع مدينة المظيلة، وتوجهت إلى معمل يتبع «المجمع الكيميائي التونسيّ» حيث أُجبِر العاملون فيه على مغادرته، وفق ما نقلته الوكالة التونسية الرسميّة.
ووفق بيان أصدرته وزارة الداخليّة، جرى مساء أول من أمس، «إحراق مركز الأمن بالمدينة» بعد تدخل قواتها لإيقاف شخص حاول صدّ عمال «شركة فسفات قفصة» عن الالتحاق بأماكن عملهم. ويُطالب المحتجون بإيقاف التتبعات القضائية في حقّ الموقوفين على خلفيّة الاعتصامات الأخيرة، وترفيع نسبة استفادة مدينتهم من المشاريع التي أعلنها وفد وزاريّ زار المحافظة يوم الجمعة الماضي.