عشرة أشهر تفصل «قمة ترامب» في الرياض عن لقاء ولي العهد السعودي بالرئيس الأميركي في الساعات المقبلة. تعتري محمد بن سلمان حماسة كبيرة للزيارة، كما بدا في مقابلته مع قناة «سي بي أس»، المنبر الذي اختاره الأمير الشاب لمخاطبة الرأي العام الأميركي تمهيداً لقدومه. حماسة تخفي خلفها شيئاً من القلق داخل قصر اليمامة تجاه ما يدور في البيت الأبيض ولدى القضاء الأميركي، في ما خصّ مستقبل عهد دونالد ترامب و«الانقلابات» في إدارته. لكن قلقاً أكبر تستشعره دوائر الحكم في الرياض، وإن كانت حريصة على عدم إبدائه، وهو انعدام اليقين بمسار العلاقات، التي دخلت مرحلة الموت السريري مع عهد باراك أوباما، قبل أن يتم إنعاشها في زمن ترامب، بصفقات لا تحمل الطابع المتجذر كحال العلاقة التقليدية، التي انتهى زمنها الافتراضي الممتد من اتفاق «كوينسي» بين روزفلت وعبد العزيز.تجديدُ «العقد» مع الأميركيين سبق قمة الرياض، تحديداً مع زيارة ابن سلمان إلى ترامب في آذار من العام الماضي، حين حصل الأمير السعودي على ضالّته التي لم يعثر عليها يوم التقى أوباما، أواخر ولايته، في حزيران 2016. يحتاج الأمير الشاب أن يواصل إجراءات نقل مملكته إلى نظامها الجديد، على مستوى الترتيبات الداخلية والخارجية. وإن كان ما هو «داخلي» في المملكة متداخلاً بشدة مع ما هو «خارجي»، فإن ابن سلمان يعتقد أنه أنجز الكثير في الداخل، كسلاح مناسب للتسويق لدى الراعي الخارجي. من بين هذه الملفات، ملف الحريات والانفتاح الثقافي، والذي عالجه العهد «السلماني» بمشروع تغيير، اتخذ طابعاً رمزياً حيناً وجذرياً في أحايين أخرى، من ضمن مسعى لتبديد الاتهامات الغربية بشأن التطرف الديني وحقوق المرأة، وهي تهمٌ تحول من دون تحييد النقاش الغربي على عدة مستويات بشأن جدوى الاستمرار في العلاقة مع هذا النظام برغم ضمور «الحقبة النفطية» التي بررت العلاقة الاستثنائية. جملة من التقارير والمواقف والكتابات الأميركية المتفاعلة مع الزيارة أظهرت أن الكثير لا يزال يعتمل داخل الرأي العام الأميركي المتوجس من سياسات المملكة.
يساور السعودية القلقُ حيال ما يدور داخل البيت الأبيض


من هنا، تتخذ الزيارة المرتقبة طابع «الاختبار» لما تم الشروع به بين ترامب وابن سلمان. الأول يريد أن يثبت للثاني أنه ضامن للشراكة المتجددة بين البلدين، في حين يسعى ابن سلمان في إقناع الأميركيين بأنه جاد في مشروعه ولديه الكثير من أجل اقتصادهم. ففي جعبة ولي العهد إجابات على باقي الملفات، كإجابته العملية على الأزمة الثقافية؛ إذ وبدلاً من النظر إلى السعودية بـ«عين نفطية»، بات بإمكان الأميركي اليوم أن يرى في الرياض مركز جذب على أصعدة أخرى، تختصرها «رؤية 2030» وما تحمله من فرص عمل أميركية تدر المليارات على مدى عقود، من بوابة بناء الاقتصاد السعودي الجديد ومختلف قطاعاته، ويمتد ريعها صوب عدد هائل من الشركات الكبرى. وما لا يقل أهمية عن ذلك هو طرح شركة «أرامكو» للاكتتاب العام في بورصة نيويورك، الأمر الذي يبدو أن الزيارة ستحسم مصيره بعدما تجاهل ابن سلمان في زيارته المملكة المتحدة الدعوات البريطانية إلى اختيار لندن مكاناً للتداول.
قبيل الزيارة، يبدو أن ابن سلمان قد رتب ملفاً جديداً - قديماً للتعاون الأميركي - السعودي، عبر افتتاحه مشروع تطوير الجيش السعودي بالتزامن مع إرساله إشارات سلبية تجاه تركيا، ضلع «مثلث الشر» بحسب ابن سلمان، وهو ما يمكن اعتباره تطلعاً إلى موقع مركزي في ملف الأمن في الشرق الأوسط، كـ«بطاقة ائتمان» إضافية، تقتنص «فرصة ترامب»، وتجعل من العلاقات بالولايات المتحدة متشابكة حداً يصعب الانقلاب عليه حال تبدل الإدارة الأميركية. ويتطلب تحقيق هذا الطموح الاستثمار أكثر في الأزمة الخليجية وسوء العلاقات الأميركية - التركية، من أجل إقصاء كل من قطر وتركيا عن خريطة القواعد الأميركية الرئيسية في المنطقة.
قبل وبعد تركيا وقطر، تظهر إيران على مهداف الأمير السعودي، كعدو راسخ يتلاقى عليه مع واشنطن، وشريكتها تل أبيب، في الصراع الإقليمي. يطرح ابن سلمان بلاده بديلاً من طهران لشركاء الاتفاق النووي في شقه الاقتصادي، بإمكانها أن تقدّم ما قد تخسره هذه الدول حال تنفيذ ترامب تهديداته بتمزيق الاتفاق، وتشجّع ترامب وأصدقاءه الأوروبيين على الانسحاب من الصفقة بهذا الترغيب من جهة، وبالترهيب من «سباق التسلح» النووي من جهة أخرى، وفق آخر تصريحات ابن سلمان. وبذلك يتحقق للسعودية مرادها من بلوغ دور الشريك في خطة إعادة إحكام الطوق على إيران، بقيادة ترامب.
على وقع كل الهواجس التي تحيط بزيارة ابن سلمان، يجد الأخير نفسه غير ملزم بتعكير صفو النقاشات بفتح ملف القدس، كما أكد هو نفسه في مقابلته مع «سي بي أس» الأميركية، حين أجاب على سؤال حول موقفه من قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بالقول: «نحن نحاول التركيز على الجهود التي تحفز السلام للجميع. لا نحاول التركيز على أي شيء قد يثير التوتر، أنا بطبعي دائماً إيجابي»، متصالحاً مع كل ما قيل حول علاقته بصهر ترامب ومستشاره، جارد كوشنير، «المكلف بملف السلام» بحسب توصيف ابن سلمان، الذي أضاف أن «واجبنا كسعوديين هو تطوير علاقاتنا مع حلفائنا وكل ممثلي هذه المؤسسات».