تونس | عقدت، أمس، الأطراف الموقّعة على «وثيقة قرطاج» المُنظِّمة لعمل الحكومة الحالية، اجتماعها الثالث هذا العام. وفي حين دخل «اتحاد الشغل» بنيّة الدفاع عن تعديل يشمل بعض الوزراء، فإنّ اللقاء انتهى بتكوين «لجنة تقويم» تضع وجود رئيس الحكومة يوسف الشاهد، نفسه في الميزان.وتحدد وثيقة «اتفاق قرطاج» في تموز 2016، «أولويّات حكومة الوحدة الوطنيّة» وفقاً لعنوانها الفرعيّ. وبرغم تعرُّض الوثيقة للانحسار عقب انسحاب 4 أحزاب من جملة 9 موقِّعة عليها، فإنّها صمدت، فيما انضم إليها «الاتحاد الوطنيّ للمرأة التونسية» في مطلع العام الجاري. ويُمكن التهكّم من مجمل هذه المجموعة، ووصفها بأنّها بمثابة «حكماء قرطاج»، إذ إنّها هي نفسها تعكس بصورة جليّة المشهد الذي يشلّ الحياة السياسية في تونس من خلال فرض مبدأ «ضرورة التوافق على كل شيء، للاشيء».
برغم أنّ اجتماع يوم أمس، انعقد وسط أجواء محتقنة، إذ اعتبر على سبيل المثال الأمين العام لـ«حركة مشروع تونس» محسن مرزوق، الذي سبق أن انسحب من الوثيقة، أنّ الاجتماع سيكون دافعاً لمزيد من الانسحابات، فإنّ اللقاء انتهى بالاتفاق على تشكيل «لجنة تقويم» تحدد طبيعة التغييرات الحكوميّة للفترة المقبلة.
وفي حين يبدو إنشاء اللجنة التي سيتمثّل فيها كلّ طرف من الموقّعين بعضوين، استجابةً لمطلب «اتحاد الشغل» بإجراء تعديل حكوميّ جزئيّ، وهو مطلب كان قد اعترض عليه يوسف الشاهد نفسه قبل نحو أسبوعين، فإنّ القرار ينظر إليه مراقبون على أنّه نتيجة لـ«صراع خفيّ» بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهوريّة. ووفقاً لهذه القراءة، فإنّ مسألة تكوين اللجنة هي مناورة من الرئيس الباجي قائد السبسي، لإزاحة الشاهد، مغلّفة بتوافق بين أطراف «وثيقة قرطاج».
ويبدو من التعليقات التي أعقبت الاجتماع أنّ تقويم عمل رئيس الحكومة نفسه، وليس فقط بعض وزرائه، يعكس قناعةً مشتركة بين الجميع. في السياق، أعلن الأمين العام لـ«اتحاد الشغل» نور الدين الطبوبي، أنّ اللجنة ستعمل في مدار هذا الأسبوع، ثمّ ينعقد بداية الأسبوع المقبل لقاء «ونرى على ضوء ما تحصّل من آراء، (بشأن) الفريق الحكومي، ورئيس الفريق الحكومي القادر على تجسيم برنامج الوثيقة في ما تبقى من المرحلة». وشارك حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي لحزب «نداء تونس»، وهو نجل رئيس الجمهوريّة، وجهة النظر نفسها، إذ صرّح بأنّ «اللجنة ستقرر خريطة طريق يرتبط بها التحوير (التعديل) الوزاريّ الذي نريده في العمق».
وفي حين تحدث سمير ماجول، وهو رئيس «الاتحاد التونسيّ للصناعة والتجارة»، عن ضرورة «رحيل كل وزير فاشل»، دون التطرق إلى رئيس الحكومة، رفض راشد الغنوشيّ، رئيس «حركة النهضة»، مقترح التعديل قائلاً: «مرّت على البلاد حكومات كثيرة، والمشكلة لا تزال نفسها، لذلك المطلوب التعمّق في دراسة المشاكل من أجل وضع برنامج وحلول».
ويرتبط طرح التعديل الحكومي بالاستقرار الذي لم يتحقق في سبع سنوات شهدت تشكيل عشر حكومات، فيما لا يبدو أنّ من مصلحة المتوافقين اليوم وجود حكومة قويّة تهدد مكانتهم. وسبق أن وجّه حافظ قائد السبسي انتقادات لمحيط رئيس الحكومة، اعتبر وفقها أنّ عدداً من الوزراء غير المتحزّبين يسعون إلى بناء برنامج سياسيّ خاصّ حول الشاهد، وبعيداً عن حزبه «نداء تونس». كما عرفت الفترة الأخيرة تصريحات متشنّجة بين «الاتحاد العام التونسيّ للشغل» ورئيس الحكومة، موضوعها التعديل الوزاريّ وملفّ المؤسسات العموميّة وخصخصتها. يضاف إلى ذلك ميل الشاهد نحو بناء توجّه سياسيّ استقلاليّ عن رئيس الجمهوريّة الذي يقول مراقبون إنّه يريد البروز كراعٍ ومسيّر حصريّ للشأن السياسيّ في البلاد.