الجزائر | تثيرُ الوضعية الحالية لـ«جبهة القوى الاشتراكية» الاهتمام في الجزائر، نظراً إلى الثقل الذي يحظى به هذا الحزب داخل «التيار الديموقراطي»، وإلى تاريخه النضالي في مرحلة ما بعد الاستقلال، إذ تأسس منذ عام 1963 في ظروف معارضته «سياسات الحكم العسكري» لنظام الرئيس أحمد بن بلة، المدعوم بحزب «جبهة التحرير الوطني».
ولم يُسمح لهذا الحزب الذي أنشأه أحد كبار رجال الثورة التحريرية، حسين آيت أحمد، بالنشاط، إلا بعد تعديل الدستور سنة 1989 والسماح بالتعددية السياسية. وبين بداية الستينيات وأواخر الثمانينيات، بقي ناشطاً في السريّة، ورافضاً لنظام الحزب الواحد الذي كان يعتبره مناقضاً للديموقراطية.
لكن «جبهة القوى الاشتراكية» التي عُرِفت عنها بين الجزائريين مواقفها الجريئة في عقد التسعينيات، إذ وقفت في وجه الإسلاميين والسلطة الحاكمة على حدّ سواء، تُعاني اليوم من أزمة خانقة سببها الخلافات العميقة بين قياداتها على المسائل التنظيمية. وبلغ الصراع الذروة بعد استقالة عضو الهيئة الرئاسية في الحزب علي العسكري، والتي أحدثت زلزالاً داخل الحزب المعروف اختصاراً في الجزائر بـ«الأفافاس». واستقالته التي تأتي بعد استقالتين أخريين، تعني انهيار الهيئة الرئاسية (أعلى قيادة في الحزب)، إذ لا يمكنها وفق لوائح الحزب أن تسير بأقل من 3 أعضاء.
وكانت هذه الهيئة الرئاسية قد استُحدِثت في مؤتمر الحزب سنة 2013، إثر انسحاب مؤسّسه حسين آيت أحمد من العمل السياسي، نظراً إلى كبر سنه ومرضه، وهي فكرة اهتدى إليها قياديو الحزب بسبب عدم قدرتهم على إيجاد شخصية بإمكانها تعويض رئيس الحزب المنسحب. وبذلك، تقرر أن تُنصّب هيئة رئاسية تضم خمس شخصيات، تتخذ قرارات تعيين الأمين الأول للحزب، والدعوة إلى عقد مؤتمر الحزب، وغيرها من الصلاحيات التي كانت في السابق بيد الرئيس. غير أن هذه الهيئة سرعان ما دبّت الخلافات بين أعضائها وانتهت باستقالات بالجملة ما أدى إلى عرقلة تسيير الحزب.
ولمعالجة هذه الأزمة، عقدت أمس «جبهة القوى الاشتراكية» دورة مجلس وطني طارئة، للنظر في كيفية إعادة الشرعية للحزب. وقد توصل الفرقاء داخل «الأفافاس»، بعد نقاش صاخب، إلى عقد مؤتمر استثنائي في 20 نيسان/أفريل المقبل، يتبعه مؤتمر عادي في بداية العام المقبل. واتفق المتصارعون داخل الحزب على قائمة أولية تتكوّن من ثلاث شخصيات (محند أمقران شريفي، وعزيز بالول، وأيضاً المستقيل علي العسكري)، تنضم إليهم شخصيتان يتم الكشف عنهما لاحقاً، لتكون بذلك قائمة متوازنة تُمثِّل كل التيارات داخل الحزب، وتُعرض وحدها للتزكية في المؤتمر الاستثنائي من أجل تسيير هذه المرحلة بالتوافق. وسيُفتح المجال للتنافس لاحقاً في المؤتمر العادي للحزب، إذا سارت الأمور كما هو مرتّب لها.
علي العسكري، وهو من أقدم الوجوه داخل «جبهة القوى الاشتراكية»، علّق على قرار المجلس الوطني، أمس، بالقول إنّ هذا الاتفاق «يُعدُّ تاريخياً في حياة ومستقبل الحزب»، مضيفاً أنه تمّ اعتماده حفاظاً على الانسجام.
أزمة «جبهة القوى الاشتراكية» الحالية تندرج في خانة أزمات الأحزاب التي عانت بعد رحيل «الزعيم المؤسس»، شأنها في ذلك شأن «حركة مجتمع السلم ــ حمس» التي أصابها الانقسام بعد رحيل زعيمها محفوظ نحناح. أيضاً، يُشارُ إلى «الحركة الاجتماعية الديموقراطية» التي تُمثِّل التيار الشيوعي، والتي دخلت في نفق طويل بعد رحيل مؤسّسها الهاشمي شريف.
وفي حالة حزب «جبهة القوى الاشتراكية»، فإنّ قيادات كثيرة غادرته، لاعتقادها بأنّه غيّر مساره النضالي من المعارضة الراديكالية للسلطة إلى نوع آخر من المعارضة المهادنة التي تنخرط في كل المواعيد الانتخابية.
وفي التسعينيات، عُرف عن «الأفافاس» النضال المستميت من أجل انتخاب مجلس تأسيسي يُعيد الشرعية للنظام الحاكم، بعد أزمة توقيف المسار الانتخابي الذي فاز به الاسلاميون عام 1992. ويُناضل هذا الحزب من أجل تحقيق مبادرة «الإجماع الوطني» التي طرحها على أحزاب المعارضة والسلطة، من أجل التوافق على إيجاد حلّ لما يعتقد أنه أزمة سياسية تهدّد مستقبل البلاد.