أطلقت «محكمة استئناف طرابلس ــ دائرة الجنايات» سلسلة أحكام، كان أقصاها الإعدام رمياً بالرصاص والسجن المؤبد، بحق 37 من رموز نظام العقيد الراحل، معمّر القذافي، أبرزهم ابنه سيف الإسلام وثمانية من المقربين منه، بينهم آخر رئيس وزراء في عهد القذافي، البغدادي المحمودي، ومدير المخابرات السابق عبد الله السنوسي، والمسؤول السابق لجهاز الأمن الداخلي منصور ضو، ورئيس جهاز الأمن الخارجي أبو زيد دوردة.وجوبهت الأحكام بسلسلة ردود فعل سلبية، قادتها منظمات حقوقية دولية، أظهرت، في السياسة، إخفاق مختلف الأطراف الحاكمة في "ليبيا ما بعد القذافي" بتأمين محاكمة من شأنها إنهاء حقبة عهد القذافي.

وجوبهت الأحكام بسلسلة ردود فعل سلبية، قادتها منظمات حقوقية دولية، أظهرت، في السياسة، إخفاق مختلف الأطراف الحاكمة في «ليبيا ما بعد القذافي» في إجراء محاكمة من شأنها إنهاء حقبة عهد القذافي. وجرت المحاكمة بحضور 29 من أصل 37 مسؤولاً في نظام القذافي، بينهم السنوسي والمحمودي وضو، في وقت كان فيه نجل حاكم ليبيا السابق، سيف الإسلام، غائباً، لأنه محتجز في بلدة الزنتان جنوب غرب طرابلس منذ توقيفه في تشرين الثاني 2011. والزنتان موالية لقوات الحكومة المعترف بها دولياً في شرق البلاد، ومعارضة للحكومة التي تدير طرابلس منذ الصيف الماضي بمساندة تحالف جماعات مسلحة تحت اسم «فجر ليبيا» ولا تحظى باعتراف المجتمع الدولي.
منظمات حقوقية: أضاعت ليبيا فرصة مهمة لتقديم العدالة في مرحلة ما بعد القذافي

وكان سيف الإسلام قد ظهر سابقاً في أربع جلسات من أصل 24 لهذه المحاكمة عبر شاشة فيديو من الزنتان، وكانت آخر مرة منذ أكثر من عام. لكن القاضي أعلن في تلاوة الحكم، الذي لم ينشر كاملاً بعد، «إدانة المتهمين سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي والبغدادي المحمودي... بما أسند إليهم ومعاقبتهم بالإعدام رمياً بالرصاص»، وهو أقصى حكم وجّه إليهم في قضية «قمع وإجهاض الثورة»، إلى جانب أحكام أخرى، منها: التغريم المالي، وتعويض الخزانة العامة.
وبرغم واقع أنّ تاريخ هكذا نوع من المحاكمات غالباً ما يتميّز بأنه سياسي بالدرجة الأولى، فإنّ منظمات حقوقية دولية كان لديها مخاوف بشأن نزاهة وكفاءة النظام القضائي الليبي.
في السياق، استنكرت «المفوضية العليا لحقوق الإنسان»، التابعة للأمم المتحدة، الأحكام، وقالت المتحدثة باسمها، رافينا شامداساني، في بيان، إن «الأمم المتحدة تعارض استخدام عقوبة الإعدام في كل الظروف. وفي هذه الحالة، وبينما معايير محاكمة عادلة لم تتحقق بوضوح، ندين فرض عقوبة الإعدام». وأضافت: «تابعنا عن كثب الاعتقال والمحاكمة، ولاحظنا أن المعايير الدولية لمحاكمة عادلة لم تتحقق»، مشيرةً كذلك إلى أن المحكمة الليبية لم تتمكن من «إثبات المسؤولية الجنائية الفردية للأشخاص المدانين في جرائم محددة».
وبينما أصدرت «منظمة العفو الدولية» بياناً اعتبرت فيه أن محاكمة هؤلاء المتهمين، التي بدأت في نيسان 2014، تؤكد صعوبة «توفير العدالة في وقت يطغى فيه حكم السلاح على حكم القانون»، رأت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية بدورها أن المحاكمة تخللتها «تجاوزات»، معتبرة أن ليبيا «أضاعت فرصة مهمة لتقديم العدالة في مرحلة ما بعد القذافي».
كذلك، وصّف المحامي البريطاني، جون جونز، الذي سبق أن عُيّن لتمثيل القذافي في المحكمة الجنائية الدولية، المحاكمة بـ«الصورية» وأنها انتهت بحكم بالقتل، مضيفاً أنّ «الأمر برمته غير قانوني من البداية للنهاية... إنه قتل بحكم القضاء».
أما «بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا»، فاعتبرت أنّ الحكم «مبعث للقلق البالغ لأن المحاكمة لم تستوف المعايير الدولية للمحاكمة العادلة في عدد من الجوانب»، ملاحظةً أنّ «الخطوة التالية في العملية القضائية تقتصر على النقض فقط ــ أي مراجعة تطبيق القانون الليبي وليس المسائل المتعلقة بالوقائع ــ بدلاً من الاستئناف الكامل على النحو الذي تستلزمه المعايير الدولية».
وراوحت الأحكام بين الإعدام رمياً بالرصاص (بحق 9 مسؤولين)، وثمانية أحكام بالسجن المؤبد، فيما تمثلت بقية الأحكام بالسجن بين 12 سنة وخمس سنوات بدأ تنفيذها من الفور. وأعلنت المحكمة براءة أربعة متهمين، بينما أمرت بنقل متهم إلى مصحة عقلية.
وتصدر هذه الأحكام في وقت تشهد فيه ليبيا صراعاً على السلطة منذ عام 2011 سبّب نزاعاً مسلحاً قبل عام وانقسام البلاد بين سلطتين: حكومة يعترف بها المجتمع الدولي في الشرق، وحكومة مناوئة لها تدير العاصمة منذ آب 2014 بمساندة تحالف «فجر ليبيا».
ومثُل، أمس، المتهمون، الذين وقف في ما بينهم رجلا أمن يضعان قبعتين ونظارتين شمسيتين لعدم التعرف إليهما، وهم حليقو الذقن ويرتدون زي السجن الأزرق، فيما فرضت قوات الأمن طوقاً أمنياً مشدداً في محيط المحكمة، كما أغلقت كل المحلات التجارية القريبة منها ومنعت الصحافيين من متابعة وصول المتهمين إلى موقع المحكمة.
وباستثناء السنوسي، الذي كان يمازح أحد الحراس، لزم المتهمون الصمت طوال الجلسة، وكان بعضهم يتلو آيات من القرآن بصوت منخفض. وعندما بدأ القاضي تلاوة الحكم انقطع التيار الكهربائي للحظات، ولم يصدر أي رد فعل عن غالبية المتهمين على الأحكام، لكن واحداً منهم هتف في نهاية الجلسة «مجرمون، بلطجية، ظلمة»، فأُخرج من القاعة قبل أن يلحق به الآخرون. وأصيب متهم آخر بنوبة عصبية، فراح يهزّ رأسه يميناً ويساراً محدقاً بالسقف، قبل اصطحابه خارج القاعة.
ومن ضمن ردود الفعل الداخلية، ناشد وزير العدل في الحكومة الليبية المؤقتة المنعقدة شرقي ليبيا، المبروك قريرة، المجتمع الدولي «عدم الاعتراف بهذه المحاكمات»، ذلك أن «القضاة بالمحاكم في طرابلس يعملون تحت تهديد السلاح».
وفي وقت حمّلت فيه عدة أطراف «المسؤولية السياسية والجنائية والأخلاقية» للرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، ورئيس الوزراء التونسي السابق، حمادي الجبالي، بسبب تسليمهم البغدادي المحمودي للسلطات الليبية منذ أكثر من عامين، أصدر المرزوقي بياناً تبرأ فيه من المسؤولية، داعياً «السلطات الليبية إلى عدم تنفيذ الحكم الصادر ضد المحمودي، نظراً إلى تبعاته السلبية الكثيرة على صورة ليبيا، وحظوظ الحوار الوطني الليبي».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)