بغداد | بعد إطلاقهم تهديدات بمقاطعة العملية السياسية، والانسحاب من الحكومة والبرلمان، وتركهم جميع مناصبهم بما فيها رئاسة الجمهورية، على خلفية إمرار قانون الموازنة العامة لسنة 2018، بدا الكرد، يوم أمس، أضعف من الإقدام على تنفيذ تلك التهديدات؛ بالنظر إلى أن «أحلاها مر».
أول موقف أوحى بذلك، جاء على لسان رئيس حكومة إقليم كردستان، نجيرفان برزاني، الذي أعلن صراحة رفضه الدعوات إلى مقاطعة العملية السياسية، مؤكداً أن «بغداد ليست حكراً على جهة دون أخرى». وحاول برزاني، الذي ظهر في مؤتمر صحافي واطئ النبرة، خلافاً لما كان متوقعاً، مغازلة بغداد، عبر تشديده على «التمسك بالحوار والدستور للوصول إلى حلول بشأن المشاكل العالقة». وعلى الرغم من قوله إن «مواطني إقليم كردستان كانوا يثقون بوعود (رئيس الوزراء حيدر) العبادي قبل فترة، وقمنا بما يمكن لتحقيق ذلك، لكن شيئاً لم يتجسد على أرض الواقع حتى الآن»، إلا أنه حرص على تأكيد استمرار الحوارات واللقاءات مع حكومة العبادي.
كذلك، لم يخرج موقف عم نيجرفان، مسعود برزاني، عن إطار انتقاد «العقلية الحاكمة» في بغداد، ودعوة جميع الأحزاب الكردية إلى الاجتماع لاتخاذ قرار مناسب في ما يتصل بقضية الموازنة. ورأى برزاني، في بيان أصدره بمناسبة الانتفاضة الكردية ضد النظام السابق في آذار/ مارس من تسعينيات القرن الماضي، أن «ما حدث في البرلمان العراقي كان خطوة واضحة أخرى باتجاه تقويض توافق الآراء، وتقاسم السلطة، والتوازن، والحقوق الدستورية لكردستان». وعلى خط مواز، كان من المنتظر أن يخرج اجتماع مجلس وزراء حكومة الإقليم بقرارات ومواقف من خطوة إقرار الموازنة، إلا أنه لم يصدر عنه شيء من هذا القبيل، باستثناء ما أدلى به نجيرفان من مواقف في مؤتمره الصحافي، في وقت تسلك فيه الموازنة الطرق التشريعية والقانونية لتصبح نافذة.
وتحتاج الموازنة بعد إقرارها في البرلمان إلى مصادقة رئيس الجمهورية، فؤاد معصوم، عليها، ونشرها في الجريدة الرسمية (الوقائع). إلا أنه، قانونياً، يُعتبر قانون الموازنة مصادَقاً عليه إذا لم يصادق عليه رئيس الجمهورية خلال 15 يوماً، وفقاً لما يؤكده لـ«الأخبار» الخبير القانوني، طارق حرب، الذي يشدد على أنه «لا يجوز لمعصوم رفض الموازنة قانونياً». وفي وقت تعول فيه الكثير من القوى الكردية على موقف معصوم (المنتمي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني)، وإمكانية رفضه المصادقة على الموازنة، فإنه لم يصدر عن الرئيس أي موقف بهذا الشأن، في حين خوّل النواب الكرد، الذين طلب منهم برزاني البقاء في بغداد لـ«المشاركة في صنع القرار»، النائب الثاني لرئيس البرلمان، آرام شيخ محمد (المنتمي إلى حركة التغيير الكردية المعارضة)، الذهاب إلى الإقليم، والتفاوض مع القيادات الكردية للخروج بموقف موحد.
وقالت النائبة عن «التغيير»، شيرين رضا، في حديث إلى «الأخبار»، إن «من المقرر أن تخرج القيادة الكردية بموقف مناسب يحدد مستقبلنا مع المركز»، لكنها في المقابل رفضت بشدة التلويح بخيار المقاطعة أو حتى تفعيل الاستفتاء والتهديد به؛ كون تلك الخيارات «لن تجدي نفعاً وتسهم في تجويع الشعب الكردي». ودعت رضا إلى طيّ صفحة الموازنة «لأنها ليست نهاية الدنيا»، والتوجه نحو إبرام اتفاقيات جديدة مع بغداد، والتوصل إلى حل للمسائل العالقة، مشددة على حاجة الكرد إلى «عقول تفكر بهدوء»، وعدم التوقف عند الموازنة لأن عمرها عام واحد فقط.
في موازاة الحراك الكردي، تعالت أصوات وجوه «الحشد الشعبي» والكتل السياسية المؤيدة له، بسبب عدم تضمين الموازنة زيادة في رواتب منتسبيه، كانت مقررة منذ كانون الثاني/ يناير 2017، فضلاً عن «عدم تثبيتهم في الملاك». ودعا القيادي في منظمة «بدر»، أبو مرتضى الكربلائي، إلى الطعن في الموازنة أمام المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية)؛ كونها «همشت الحشد ودعمت المتخاذلين»، في إشارة إلى تخصيص درجات وظيفية للمفصولين والمفسوخة عقودهم من عناصر الأجهزة الأمنية. وهاجم الأمين العام لحركة «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، بدوره، الحكومة والبرلمان، معتبراً عدم تضمين الموازنة مطالب الحشد «خيانة».