تحوّلت الدورة الـ37 لمجلس حقوق الإنسان، والتي انطلقت يوم الإثنين في مدينة جنيف السويسرية، إلى منبر للتراشق بين قطر وبين الدول المقاطِعة لها. تراشقٌ بلغ ذروته أمس مع إصدار الأخيرة بياناً «شديد اللهجة» رأت فيه المنابر الموالية لقطر محاولة لقطع الطريق على محاولات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، جمع الزعماء الخليجيين في واشنطن بحلول الربيع المقبل. لكن البيان لم يغاير، عملياً، ما دأبت عواصم المقاطعة على ترداده منذ شهور، مع تشديد إضافي على «هامشية» الأزمة بالنسبة إليها، واستعدادها للمضي في المقاطعة إلى ما لا نهاية، في موقف متطابق مع ما اجتهدت السعودية أخيراً في تكريسه.
والظاهر، على ضوء ما جاء في البيان، أن نجاح قطر في إيصال قضيتها إلى مجلس حقوق الإنسان، بعد استضافتها بعثة فنية من مكتب المفوض السامي أكدت وجود انتهاكات لحقوق القطريين بفعل «الحصار»، استفزّ دول المقاطعة، وخصوصاً منها السعودية التي تريد دفن القضية على المستوى الإعلامي. هذا ما أوحت به الفقرة الأولى من البيان الذي تلاه المندوب الدائم للإمارات لدى الأمم المتحدة، عبيد سالم الزعابي، حيث اتهم وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بأنه «سعى للمرة الثانية لإشغال مجلس حقوق الإنسان بأزمة دبلوماسية هم من بادروا بإشعال فتيلها»، مضيفاً أن «ما يقومون به من مساعٍ لتسويق هذه الأزمة الثانوية في المحافل الدولية والإقليمية على أنها أزمة دولية كبرى تستحق انتباه المجتمع الدولي، لا ينبغي الالتفات إليها».

حضور الدوحة في «مجلس حقوق
الانسان» في جنيف يستفز الرياض



وكان وزير الخارجية القطري قد دعا، الإثنين، في كلمة له أمام المجلس، إلى «العمل على وقف انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن الحصار المفروض» على بلاده، مطالباً بمحاسبة المسؤولين عن ذلك. وأشار آل ثاني إلى أن التقرير الذي صدر عن بعثة المفوض السامي، عقب زيارتها قطر في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، «تضمن وصفاً موضوعياً ومنهجياً للانتهاكات الجسيمة والصارخة لحقوق الإنسان من قبل دول الحصار». «انتهاكات» رفض بيان الدول الأربع الإقرار بها، لافتاً إلى أنه تم الرد على «الادعاءات» القطرية بشأنها بـ«بيان تفصيلي سُلّم للمفوضية»، مجدداً دعوة قطر إلى أن «تختار بين أن تكون دولة تؤمن بمبدأ حسن الجوار، وبين أن تستمر في انتهاك القانون الدولي».
وإذ شدد البيان على ضرورة «حل هذه الأزمة الصغيرة في إطار الوساطة الكويتية» في موقف بات تكراره لازمة لا تجد أي انعكاس عملياتي، أكد أن «دولنا ستستمر في ممارسة حقها السيادي في مقاطعة حكومة قطر» من دون التلويح بإجراءات إضافية على هذا الصعيد. وهو ما يؤكد أن دول المقاطعة، وعلى رأسها السعودية، ارتأت التوقف عن الإجراءات «العدائية» المعلنة، لصالح خطوات أكثر «نعومة»، مع ما يستلزمه ذلك من ضرورة تضعيف المسألة القطرية. وعلى الرغم من أن رد العواصم الأربع اتسم بالتصعيد، خصوصاً لناحية الاتهام المتجدد للدوحة بـ«دعم المنظمات الإرهابية»، و«احتضان شخصيات إرهابية»، و«احتضان الأيديولوجيات المتطرفة»، إلا أنه لم ينطوِ على ما يمكن اعتباره نسفاً لمساعي واشنطن في عقد قمة أميركية - خليجية تعتبرها الولايات المتحدة ضرورة ولو شكلية بمواجهة إيران، خصوصاً أن إدارة ترامب لا تمانع، بحسب المؤشرات المعلنة، استمرار الأزمة تحت السقوف هذه. وسبق إصدار دول المقاطعة بيانها اتصالان هاتفيان منفصلان بين ترامب، وبين ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، شكر خلالهما الرئيس الأميركي الأميرين على إسهامهما في اقتراح السبل الكفيلة بـ«التصدي بشكل أفضل لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، وهزيمة الإرهابيين والمتطرفين»، ما يشي بأن واشنطن لا تزال تتطلع إلى جعل «التركيز على شؤون استراتيجية» مظلة لجمع الزعماء الخليجيين، لا سيما وأن الاتصالين لم يتخللهما تشنيع على الدوحة، بل وأعقبهما، مساءً، اتصال بين ترامب وبين أمير قطر، تميم بن حمد، أكد خلاله الطرفان حرصهما على «تعزيز التعاون في مختلف المجالات، خصوصاً في مجال مكافحة الإرهاب». وكانت قطر ردت، عبر وفدها الدائم لدى الأمم المتحدة، على بيان عواصم المقاطعة، بمطالبة مجلس حقوق الإنسان بـ«العمل على إنهاء انتهاكات دول الحصار ضدها فوراً، ومحاسبة المسؤولين عنها، وتعويض المتضررين منها».
(الأخبار)