القاهرة | بعدما وصلت القيود على وسائل الإعلام المحلية إلى صورة غير مسبوقة في ما يتعلق بالتعامل مع موضوعات محددة، من بينها الاختفاء القسري، باتت جهات سيادية تدير مسألة تحسين صورة مصر في الخارج في العمل باستكمال الضغوط لتصل إلى وسائل الإعلام العالمية خلال الفترة المقبلة.
تحرك لا يتوقف فقط على تأخير إنهاء اعتماد أسماء بعض المراسلين ووضع عراقيل في عمل وسائل الإعلام العالمية ومنحها حقوق البث المباشر من الشارع وتعمد تأخير التصاريح التي يحصلون عليها للعمل في الشارع، لكن امتدّ أيضاً ليشمل المحتوى الذي يُذاع وترى الأجهزة أن فيه إساءة للدولة المصرية الراغبة في تصدير الإنجازات التي يعلنها الرئيس ووزراء حكومته والتركيز على مواجهة الإرهاب دون النظر إلى تبعات ذلك على حياة المواطنين.
في الأشهر الأخيرة زادت الإجراءات الروتينية التي تحصل بموجبها عدد من الفضائيات على تصاريح التصوير في الشارع، تأخر بعضها وطلب مزيد من الإجراءات لبعضها الآخر، مع التأكيد أنه في حال مخالفة القواعد العامة سيُسحَب التصريح ويوقَف حتى إشعار آخر.
استغلت الهيئة العامة للاستعلامات التي يرأسها نقيب الصحافيين الأسبق ضياء رشوان والمقرب من نظام تقرير بثته قناة بي بي سي عن اختفاء قسري لفتاة وأصدرت بياناً فندت فيه الأخطاء الإعلامية التي وقعت فيها مراسلة القناة البريطانية الشهيرة. تفنيد لم يكن كافياً للجهات السيادية التي اختارت الإعلامي عمرو أديب المقرب من النظام ليُسجِّل لقاءً آخر مع الأم ويظهر الفتاة التي قال التليفزيون البريطاني إنها تعرضت للاختفاء القسري، وقد تزوجت وأنجبت، لكن ثمة تشكيكات خرجت في رواية الأسرة بعد ظهورها على تليفزيون مدعوم من الدولة ويتردد أنها تعرضت لضغوط لتغير من حديثها.
اللافت في الأمر ليس المحاولات المضنية التي بذلت لتكذيب «بي بي سي»، لكن دعوة هيئة الاستعلامات وهي الجهة المنوط بها التعامل مع الإعلام العربي والأجنبي في مصر لمقاطعة القناة البريطانية الشهيرة حتى تعتذر.
دعوة أطلقتها الهيئة لإجبار «بي بي سي» على الاعتذار، لكن المثير للسخرية أن بيان الهيئة الداعي إلى المقاطعة اعتبر أن هذه الخطوة «لا تشمل ولا تمسّ حق بي بي سي، وغيرها من وسائل الإعلام الأجنبية المعتمدة في مصر، في الحصول على المعلومات والبيانات اللازمة لعملها، فهذا حق أصيل لها، وواجب على الاستعلامات تسهيل حصولها عليه».
لم تمرر الأجهزة السيادية رغبتها عبر تكليفات وقرارات غير قانونية، لكنها استعانت أيضاً بالنائب العام، نبيل صادق، الذي قرر تكليف مساعديه «متابعة ما ينشر فى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى من أكاذيب وأخبار غير حقيقية تستهدف أمن الوطن وسلامته»، و«ضبط ما يبث ويصدر عن هذه الوسائل والمواقع عمداً من أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب فى نفوس أفراد المجتمع أو يترتب عنها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة المصرية، واتخاذ ما يلزم من إجراءات جنائية».
اللافت أن النائب العام الذي أصدر بيانه ناشد «الجهات المسؤولة عن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وانطلاقاً من التزامها المهنى ودورها الوطني، إخطار النيابة العامة بكل ما يمثل خروجاً عن مواثيق الإعلام والنشر»، مؤكداً أن تحركه يأتي بعدما لاحظ أخيراً «محاولة قوى الشر النيل من أمن وسلامة الوطن ببث ونشر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي».
وبموجب قرار النائب العام يحق لوكلاء النيابة إصدار أذونات بمراقبة وسائل الإعلام وطريقة التواصل معها ومراجعة شركات الاتصالات والإنترنت للحصول على البيانات الخاصة بالمستخدمين، فيما أكد مصدر قضائي لـ«الأخبار» أن النائب العام ووكلاء العموم يحق لهم قانون التحقيق مباشرة في أي مادة إعلامية يرون فيها خرقاً للمواثيق الإعلامية والقوانين السارية في البلاد وكذلك أي محتوى يُبَثّ عبر أيٍّ من وسائل الاتصال يكون هدفه الإضرار بـ«الأمن والسلم العام للدولة».
ووفق المصادر، فإن النائب العام كلف فريقاً في مكتبه متابعة وسائل الإعلام الدولية والتنسيق مع وزارة الخارجية في هذا الشأن عبر السفارات المصرية الموجودة في الخارج، مع مراجعة الموقف القانوني والوضع الصحيح لأي شخص يرد ذكر اسمه في الإعلام الأجنبي سواء تعرض للتعذيب أو الاختفاء والرد عليه بالتنسيق مع وزارة الداخلية عبر القطاعات المعنية.
النائب العام تلقى بلاغ ضد والدة زبيدة التي ادعت اختفاء ابنتها قسراً في تقرير الـ«بي بي سي»، متهماً إياها بنشر أخبار كاذبة والاستقواء بالخارج، وتشويه سمعة الدولة المصرية، إلى جانب انتمائها إلى تنظيم إرهابي هدفه نشر الفوضى والاضطرابات في البلاد وزعزعة الاستقرار والأمن الداخلية، فيما تقدم المحامي سمير صبري، بدعوى مستعجلة أمام محكمة القضاء الإداري، طالب فيها بترحيل أورلا جيورين، المراسلة السابقة للإذاعة البريطانية في القاهرة، التي سجلت الحوار مع والدة زبيدة.