الخرطوم | بعدما فاجأ الرئيس السوداني عمر البشير، الجميعَ قبل أكثر من عشرة أيام (الأخبار العدد ٣٣٩٣)، بإعادة مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق الفريق صلاح قوش، إلى منصبه عقب عزله منه قبل نحو 9 سنوات واتهامه بالقيام بمحاولة انقلابية على النظام، قرر المكتب القيادي لـ«حزب المؤتمر الوطني» الحاكم، في اجتماع ترأسه البشير مساء أول من أمس، إعفاءَ المهندس إبراهيم محمود حامد، من منصب نائب رئيس الحزب، وتعيين وزير ديوان الحكم الاتحادي فيصل حسن إبراهيم، خلفاً له.
أيضاً، لم يكتفِ البشير بتغيير مدير جهاز أمنه، بل امتد الأمر إلى عزل أهم ضباط الجهاز، نائب المدير الفريق أسامة مختار، وعيّن بدلاً منه معتمد جبل أولياء جلال الدين الشيخ، بعدما أُعيدَ إلى الخدمة وترقى إلى رتبة لواء. وشملت قرارات الإحالة والعزل مدير الأمن السياسي اللواء عبد الغفار الشريف (قضى فترة طويلة داخل أروقة الجهاز السوداني وهو متهم بأنّه صاحب «بيوت الأشباح» لتعذيب المعارضين في فترات سابقة من عهد «حكومة الإنقاذ»)، واللواء الهادي مصطفى، وهو مدير مكتب نافع علي نافع (القيادي الأبرز في الحزب الحاكم، وكان يمسك بمفاصل الحزب قبل عزله من مهماته التنفيذية في منتصف عام 2013، ويُعدُّه المراقبون أقوى منافسي البشير). كما أضاف البشير 17 من ضباط جهاز الأمن إلى قائمة المبعدين، بينهم مدير الجهاز بمطار الخرطوم الدولي.

تصفية حسابات

يرى فريق من المتابعين أنّ هذه التغييرات في جهاز الأمن السوداني، ما هي إلا «تصفية حسابات» يُنفذُها صلاح قوش، الذي يريد الانتقام من الذين «تآمروا عليه وأخرجوه» من منصبه، وذلك ضمن مسلسل صراع القوى الأعنف في البلاد، الذي ينقسم أبطاله «بين فريق النائب الأول للرئيس السوداني السابق علي عثمان محمد طه، وفريق نافع علي نافع، مساعد البشير ونائبه السابق لشؤون الحزب الحاكم». وجدير بالذكر، أنّه منذ أن ظهر هذا الصراع وتجلّت بعض تفاصيله علناً، قام البشير بعزل الرجلين من مناصبهما التنفيذية في عام 2013.
إلا أنّ قوش العائد بقوة إلى منصبه يُحسَب على فريق علي عثمان محمد طه، ولذلك يتردد بأنّ هذا الفريق يريدُ التخلّص من فريق نافع، بعدما أعطاه البشير صلاحيات مجدداً «لشعور» الأخير كما يتردد، بـ«تحركات لنافع تتعارض ورغبته في الترشح إلى فترة رئاسية أخرى في 2020». وبناءً على هذه القراءة، يبدو منطقياً أن تلتقي مصالح البشير مع فريق علي عثمان، وأن يُعيد قوش إلى منصبه بهدف «التخلص تماماً» من أي عوائق قد تحولُ دون إتمام ترشحه إلى الرئاسة (هذا مع العلم بأنّ الدستور ينصُّ على أن هذه الفترة هي الأخيرة للبشير).

«أحاديث وتحليلات»؟

المقرّبون من البشير يؤكدون أن كلّ ما سبق «ما هو إلا تحليلات ليس لها أساس من الصحة»، وأنّ البشير يقوم بهذه التغييرات بغية «تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد بعدما شهد تدهوراً كبيراً في المرحلة الأخيرة». ويضيف هؤلاء أنّه «عقب رفع العقوبات الاقتصادية الأميركية (جزئياً) عن السودان في تشرين الأول/ اكتوبر من العام الماضي بعد نحو 20 عاماً على إقرارها، كان متوقعاً أن تستقر الأوضاع الاقتصادية وأن يهرول المستثمرون نحونا»، إلا أن الأمور «تفاقمت نحو الأسوأ».

يتوقع عثمان ميرغني المزيدَ من التغييرات داخل أسوار الحزب الحاكم

وفي هذا الصدد، زاد سعر الدولار أمام الجنيه السوداني (من 28 جنيهاً إلى 45 جنيهاً في أيام قليلة جداً)، ما تسبب في غلاء الأسعار بصورة غير مسبوقة وخاصة بعد إقرار ميزانية هذا العام، التي يصفها متابعون بـ«الكارثية» إذ إنّها قادت البلاد باتجاه وقوع احتجاجات شعبية رفضاً لما تحتويه من سياسات. ورغم سيطرة السلطات السودانية على هذه الاحتجاجات، فإنّ ذلك لم يمنع البشير من أن يُصرِّح جهاراً ويعترف للمرة الأولى بأنّه «غير راض» عن أداء حكومته وحزبه في تسيير أمور الناس، كما هدد في بدايات الشهر الجاري باتخاذ «إجراءات قاسية بحق المستثمرين في الأزمة الاقتصادية»، وأعلن أمام جمع عسكري في مدينة بورتسودان، المضي إلى آخر الشوط في «إنفاذ الإصلاحات الاقتصادية».

«إشارة حمراء»

أسامة توفيق، وهو مستشار «حركة الإصلاح الآن» المنشقّة عن الحزب الحاكم، ويقودها غازي صلاح الدين، يؤكد أنّ «عملية التغيير (بدأت إثر) طرح التجديد للبشير في انتخابات 2020، خلال اجتماع مجلس شورى المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) قبل شهر»، الأمر الذي رفضه المجلس «إجرائياً». ويضيف أنّ ذلك مثّل «إشارة حمراء للبشير، وإخطاراً له، بأنّ ثمة عناصر من داخل حزبه لا ترغب في أن يكون هو مرشح الحزب في الانتخابات»، لافتاً إلى أنّه كان مُتوقَعاً أن «يكون مساعد الرئيس لشؤون الحزب إبراهيم محمود حامد، أوّل ضحية... إذ إنّه ثبت إخفاقه في تجيير إرادة المؤتمر الوطني نحو الانصياع لرغبة الرئيس في الترشح». ويعتبر توفيق أنّ التيار الذي كان يُناهض عدم ترشح البشير يقوده نافع علي نافع، وإبراهيم محمود، وأمين حسن عمر، ما أدى إلى «تغيير مدير جهاز الأمن محمد عطا، بصلاح قوش». ويقول أيضاً إنّ قوش يعمل في «اتجاه تصفية العناصر التي كانت سبباً في اعتقاله من قبل»، موضحاً أنّ مصالحه «التقت مع مصالح البشير، وهذا ما أتى به مرة أخرى» إلى منصبه الرفيع.
رئيس تحرير «صحيفة التيار» المعارضة عثمان ميرغني، يذهب في قراءته في الاتجاه نفسه. وبرغم أنّه يعتبر في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «التعديل الأهم بالنسبة إلى الشارع السوداني كان في إعادة قوش إلى منصبه، إذ إنّه شكّل بالفعل محوراً للتعديلات اللاحقة»، فإنّه يُبدي اعتقاده بأنّ كلّ ما يجري يعكس إعداداً «للمرحلة الفاصلة، أي انتخابات 2020»، ويشرح أنّ كل شيء يدور «بصورة كبيرة داخل أسوار المؤتمر الوطني، بين جناحين: جناح يحاول إعادة ترشيح البشير، وآخر يحاول إنهاء حكمه بانتهاء ولايته الحالية». ويتوقع ميرغني المزيدَ من التعديلات داخل أسوار الحزب الحاكم، في ظلّ احتمالات «عودة بعض عناصر الحرس القديم» ليشغلوا مناصب مهمة داخل الحزب والحكومة.




وزير الاتصالات لـ«الأخبار»: نمضي في الاتجاه السليم

من جهة أخرى، يرى القيادي البارز «الحزب الاتحادي الديموقراطي/ الأصل» إبراهيم الميرغني، وهو وزير الدولة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أنّه «رغم أنّ البعض يرى تعرّجات مفاجئة، إلا أننا نرى أنّها طبيعية في ظلّ أوضاع دولية بالغة التعقيد، وإقليمية شديدة الهشاشة، (فضلاً عن) دخول لاعبين دوليين جدد إلى الإقليم، وتقاطع المزيد من خطوط النفوذ والمصالح الدولية حول السودان». ويبرر في حديث إلى «الأخبار» (إلى الصحافية صباح موسى)، أنّ هذه الظروف أدت إلى تزايد «أهمية السودان في قضايا محيطه الأفريقي والعربي، وإلى سعي جميع الأطراف لاستقطابه»، لافتاً إلى أنّ ذلك «يتطلب النظر نحو مصالح السودان أولاً، والاستمرار في الانفتاح على الخارج والداخل». وفي السياق، يشير إلى ضرورة «استدامة التوافق مع كل دول الجوار والتمسك بالمواقف الإيجابية والابتعاد عن التكتلات العدوانية، ومواصلة سياسة الإصلاح الاقتصادي وإصلاح الدولة وتحسين بيئة ومواصفات أداء الأعمال التي تُمثِّل القاعده الصلبة للاقتصاد الوطني، وذلك بموازاة الاستمرار في تدعيم هياكل المؤسسات الوطنية بالكوادر المميزة والمُدرِكة لواقع السودان وموقعه»... في إشارة ضمنية إلى التغييرات المستمرة.