سلفيت | أزال العدو الإسرائيلي بؤرة «أفيتار» الاستيطانية التي أنشأها مستوطنون في بداية الشهر الجاري، وذلك بعدما أخضع أهالي بلدة بيتا، التابعة لمحافظة نابلس، شمال الضفة المحتلة، المستوطنين بمقاومة، في تكرارٍ لسيناريو سابق، حين أخفقت محاولة إنشاء بؤرة مماثلة عام 1988، لتبقى بيتا يُشار إليها بالبنان لكونها من البلدات الفلسطينية القليلة التي تخلو من الاستيطان.
فعقب عملية الطعن قرب مستوطنة «أريئيل»، وسط الضفة، في السادس من الشهر الجاري، استغلت مجموعات من المستوطنين في جنوب نابلس حالة الغضب إثر مقتل الحاخام إيتمار بن غال في العملية التي لا يزال منفذها، عبد الكريم أبو عاصي، مطلوباً للاحتلال، وقرّروا إنشاء بؤرة جديدة على أطراف بلدة بيتا، جنوب نابلس. وقالت مصادر محلية لـ«الأخبار» إن ملامح إنشاء البؤرة بدت واضحة من تسلل المستوطنين إلى منطقة جبل صبيح في المنطقة الجنوبية من بيتا ونصبهم خياماً هناك، وتلا ذلك إحضار عدد من البيوت المتنقلة «كرفانات» إلى منطقة حاجز زعترة، ليتضح لاحقاً أن الهدف منها البلدة المذكورة، حيث جرى بعد أيام إقامة البؤرة التي حمَلت اسم «أفيتار»، ثم مد خطوط المياه والكهرباء والاتصالات لها بسرعة.
لكن بيتا، التي شهدت هدوءاً نسبياً قبيل شباط، قرّر شبانها كسر الهدوء ومنع المستوطنين من البقاء هناك، فكان أول الغيث تعرض سيارة إسرائيلية للرشق بزجاجة حارقة على مدخل البلدة في اليوم الذي بدأت فيه وسائل الإعلام تثير قصة البؤرة. يقول الأسير المحرر وأحد سكان البلدة مجدي حمايل لـ«الأخبار» إن «بيتا تعرضت لسلسلةٍ من الإغلاقات والاقتحامات العسكرية في المدة التي تزامنت مع إنشاء البؤرة، لكن البلدة التي يُقدّر عدد سكانها بـ 19 ألفاً قرّرت أن الاستيطان لم يمر سابقاً على أراضيها، ولذلك لن يمر في يومٍ من الأيام»، مشيراً إلى تعرض غالبية مداخل بيتا للإغلاق بالحواجز الطيّارة، فيما أغلقت جرافة إسرائيلية المدخل الرئيسي بالحجارة والسواتر الترابية لأيام.
صور المواجهة التي خاضها أهالي بيتا ضد إنشاء البؤرة الاستيطانية تنوعت ما بين مواجهة بالحجارة خلال التصدي للمستوطنين، ومواجهاتٍ عند اقتحام جيش العدو شوارع البلدة، إضافة إلى عدة مسيرات انطلقت نحو جبل صبيح الذي تستهدفه البؤرة. ويرى حمايل أن «التصميم والإرادة الجماعية لأهالي البلدة كانا أهم ما أدّى إلى إزالة أفيتار، كما ليس هناك أي أراضٍ ذهبت ليد العدو، سواء تسريباً أو بيعاً». أيضاً، تبيّن مصادر محلية أن أهالي البلدة لم يكتفوا بإزالة العدو للبؤرة الاستيطانية، بل تجمهروا أول من أمس أمام مدخل بلدتهم بالمئات إثر ورود أنباءٍ عن وجود تجمعات للمستوطنين هناك، وإثر ذلك اندلعت مواجهات عنيفة مع قوات جيش العدو استمرت ساعاتٍ، ما منع الأخير من دخول البلدة.
ويفيد الصحافي أكرم جروان من المنطقة بأن للمستوطنين مع بيتا «ذكريات مؤلمة ربما صعب على الإسرائيليين نسيانها تماماً كالفلسطينيين، وهو ما يجعل المستوطنين يفكّرون ألف مرة قبل البدء بأي تجمعٍ استيطاني على أراضي البلدة، ويعود الأمر إلى عام 1988، وهو يُعرَف باسم حادثة بيتا». آنذاك، وتطبيقاً لسياسة «كسر العظام» التي انتهجها رئيس وزراء العدو إسحاق رابين خلال الانتفاضة الأولى، اعتقلت «الكتيبة 50» من لواء «ناحال» في كانون الثاني 1988 أكثر من 20 شاباً وساقتهم إلى أطراف بيتا في الخلاء، ثم عمدت الى تكسير عظامهم عبر ضربهم المبرح والعشوائي في أماكن متفرقة من أجسادهم.

اضطر العدو إلى إزالة بؤرة «أفيتار» التي أقيمت قبل أسابيع


بعد أشهر قليلة من «تكسير العظام»، وتحديداً في السادس من نيسان 1988، ذروة الانتفاضة الأولى، انتشرت مجموعة من المستوطنين في منطقة جبلية شرق البلدة بغرض التنزه قبيل «عيد الفصح اليهودي» يحرسها مستوطنان ببندقيتين، لكنها قوبلت بخروج نحو 400 فلسطيني لمواجهتهم، فأطبق أهالي البلدة على المستوطنين من الجهات كافة وتعرضوا للضرب بالحجارة والعصي، فيما استشهد شابان في المكان، وأصيبت مستوطنة بنيران أحد حرّاسها بالخطأ، ليُعلن مقتلها بعد ساعات.
«بعد مدة قصيرة، احتُجز المستوطنون واقتيدوا إلى وسط البلدة عقب مواجهاتٍ عنيفة، تزامناً مع حضور شقيقة الشهيد موسى داوود وتلقيها النبأ، فضربت حارساً مسلحاً بحجرٍ كبير، ما أدّى إلى مقتله لاحقاً متأثراً بإصابته»، يضيف حمايل. وفي اليوم التالي لاحتجاز المستوطنين، شهدت البلدة اقتحاماً عسكرياً واسعاً نفذه جيش العدو من عدة محاور، تزامناً مع فرض حظر التجوال، وكانت حصيلته اعتقال نحو 350 شاباً وهدم 13 منزلاً إلى جانب تضرر 20 أخرى، إضافة إلى إبعاد ستة شبّان إلى لبنان لا يزال اثنان منهم هناك حتى اليوم، فيما عاد الأربعة الآخرون على مدد متباعدة.
ووفقاً لوثائقي إسرائيلي بُثّ في شباط 2015، فإنه في ذكرى مرور ثلاثين يوماً على مقتل المستوطنة شهد محيط البلدة مسيرات استفزازية ثم محاولة لإقامة بؤرة استيطانية، لكن مصادر محلية تؤكد أن أهالي بيتا تصدّوا كالعادة لوجود المستوطنين وأزيلت البؤرة بعد مدة قصيرة. وهذه البلدة قدّمت ما يزيد على 40 شهيداً منذ الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 حتى 2017، كان آخرهم الشهيد معتز تايه بني شمسة الذي استشهد برصاص مستوطنٍ في آذار من العام الماضي، فيما استشهد تسعة من أبناء البلدة خلال انتفاضة الحجارة، وأربعة في الانتفاضة الثانية.