غزة | في إطار المعالجة القانونية لأزمة المخدرات في غزة، أقر المجلس التشريعي، الذي تديره كتلة حركة «حماس» البرلمانية، في الخامس من كانون الأول 2013 قانوناً جديداً تحت مسمى قانون «المخدرات والمؤثرات العقلية». ورأى النواب الذين أعدوا نصوص القانون، برغم غياب النصاب اللازم لجلسات المجلس، أن هذا القانون «رادع وزاجر» بما يكفي ليقضي على آفة المخدرات في القطاع تمام. على جانب آخر، رأى كثيرون أن القانون «مجحف»، فهو حوّل تعاطي المخدرات وعقار «الترامادول» بالأخص من جنحة إلى جناية، أي من عقوبة تتراوح بالسجن من ثلاث سنوات إلى أحكام المؤبد والإعدام.
لكن القانون المذكور ترك باباً لخلاص المدمن وفق المادة (33) التي تنص على أن «الدعوى الجزائية لا تقام على من ثبت إدمانه أو تعاطيه المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إذا طلب زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو المرشد الاجتماعي علاجه في أحد المصحات أو دور العلاج». هنا تأتي الحقيقة الصادمة، فقطاع غزة لا يحتوي على مصحات أو دور علاج للمدمنين والمتعاطين.
وحتى الأجسام الحكومية التي كان يجب أن تشكل بموجب هذا القانون، لم تُفعل حتى الآن، أي أنه لم يُطبق من القانون إلا العقاب الذي يعامل متعاطي ومدمن المخدرات أو عقار الترامادول كمجرم يوضع في السجن لسنوات طويلة، وليس كمريض يجب أن يُعالج ويؤهل.

حوّل القانون الأخير
في 2013 المتعاطي من
مرتكب جنحة إلى جناية

وكان من المفروض طبقاً للمادة الرابعة من القانون نفسه أن تُشكل لجنة لمتابعة شؤون المؤثرات العقلية والمخدرات برئاسة وكيل وزارة الصحة ووكيل وزارة العدل، بالإضافة إلى وكلاء وزارات الأوقاف والتعليم والشباب والرياضة وشؤون المرأة والشؤون الاجتماعية، وحتى وزارة الزراعة و«الإنتربول»، وأخيراً المدير العام لمكافحة المخدرات. وحددت مهمة هذه اللجنة ــ التي لم تُشكل بعد ــ بوضع الضوابط العامة لاستيراد وتصدير وإنتاج وصنع المواد المخدرة والمؤثرات العقلية والاتجار بها، بالإضافة إلى التوصية بإنشاء مصحات خاصة لتوفير العلاج (الطبي والنفسي والاجتماعي) للمدمنين.
أيضاً، لم تطبق المادة رقم (6) التي توصي بإنشاء صندوق خاص لمكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي يسمى «الصندوق الوطني لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية»، ومن بين اختصاصات الصندوق تمويل مصحات ودور علاج وتأهيل. كذلك نصت المادة (7) على تشكيل لجنة تسمى «لجنة الإشراف والرعاية» برئاسة قاض في محكمة الاستئناف وعضوية ممثلين عن كل من النيابة العامة واللجنة الوطنية ووزارتي الصحة والداخلية، وتختص بمتابعة المتعاطين التي تأمر المحكمة بإيداعهم في مصحات بدلاً من عقوبة السجن، وهذه اللجنة أيضاً لم تُشكل بعد.
يعقّب المدير العام لديوان الفتوى والتشريع في غزة يعقوب الغندور، بالتعبير عن أسفه الشديد لأن الأجسام المنبثقة عن القانون المذكور لم تُفعّل، بل يرى أن السجن لثلاث سنوات وما فوق لشخص ألقي القبض عليه ومعه حبة ترامادول واحدة (عقار مسكّن قوي للآلام) هو «أمر مجحف». لكن الغندور يورد عذراً للمجلس التشريعي، فـ«إقرار هذا القانون دافعه ردع وزجر المتعاطين والمتاجرين بالمخدرات بقسوة حتى لا يعودوا إليها»، مضيفاً: «القانون المصري الذي كان مطبقاً قبل أن يشرع هذا القانون (القانون رقم 16 لسنة 1962) هو قانون قديم لا يواكب العصر ولا يحتوي على عقوبات صارمة لعقاقير حديثة ومنتشرة في غزة، كالترامادول».

ومن المعلوم أن غزة والضفة المحتلة كانتا تعتمدان نصوصاً قانونية مرتبطة بالدستور المصري أو الأردني وكذلك البريطاني، وكلها تبعات لحكم هذه الدول في القطاع والضفة. ولكن من يتصفح القانون الجديد بدقة، يكتشف أنه يمكن العفو عن الجناة في عدة حالات ــ منها إدخاله إلى مصحة ــ مع أن ذلك يأتي ضمن الحزم غير المفعلة. مثلاً، المادة (43) تعفي كل من بادر من الجناة إلى إبلاغ السلطات العامة عن الجريمة قبل بدء ارتكابها، كما يجوز للمحكمة الإعفاء من العقوبة إذا وصل الإبلاغ بعد ارتكاب الجريمة وقبل مباشرة التحقيق فيها، وأيضاً يجوز لها تخفيف العقوبة إذا سهّل الجاني عمل السلطات المختصة أثناء التحقيق أو المحاكمة.
في هذا الصدد، يؤكد رئيس جمعية «الرعاية اللاحقة للسجناء» سامح حمدان، أن مراكز الإصلاح والتأهيل في غزة لا تحتوي على أي محاولات علاجية للذين يوقفون على خلفية تعاطي الترامادول، ذاكراً أنه يوجد 285 موقوفاً على خلفية تعاطي المخدرات و222 للترامادول، وجمعيهم يتعرضون لأعراض «الانسحاب» فور دخولهم السجن، فيبدأون بإيذاء أنفسهم ومحاولات الانتحار المتكررة. وقال حمدان: «المشكلة أنه لا يوجد في كل القطاع محاولات علاجية تتصف بالشمولية، بل كلها محاولات جزئية... كان هناك جمعية في مدينة جباليا تعتمد العلاج الجاف، أي تضع المدمن في مصحة وتقطع عنه المادة فقط، وأكثر شيء تقدمه هو محلول ملحي»، مستدركاً: «نسبة نجاح هذا العلاج أثبتت عالمياً أنها لا تتجاوز 7%».
يتقاطع مع ذلك حديث الطبيب النفسي فضل عاشور، الذي أكد أن «مدمن الترامادول والمؤثرات العقلية عندما يوضع في السجن فإنه يعاني أعراض انسحاب تبدأ بعد 12 ساعة وتكون قاسية جداً وفوق احتمال أي كائن بشري»، معقباً: «من يعتقد أنه يمكن أن يعالج هذه الآفة بالأدوات البوليسية واهم ومخطئ». وذكر عاشور أنه في 2005 مُنحت غزة تمويلاً كافياً لافتتاح مركز علاجي متكامل للمدمنين، وتم وضع مخطط كامل لإنشائه، ولكن «الانقسام حال دون تنفيذ ذلك، بل أنشئ المركز في الضفة فقط».
برغم غياب سبل المعالجة، فإن ثمة من يرى أن القانون وحده يكفي لردع المتعاطين. يقول رئيس نيابة الاستئناف في حكومة «حماس» زياد النمرة، إنه يؤيد القانون بشدة، بل يثني على «مميزاته لما فيه من جانب عقابي رادع وشديد تصل فيه العقوبة إلى الإعدام». وأضاف: «نحن في النيابة نطالب القضاء بأقصى العقوبة وهي الإعدام لما للمخدرات وعقار الترامال من آثار مدمرة في المجتمع... هناك قانون يقف بجانبنا، ولكن للقاضي أن يقدر إذا كانت المسألة تستحق الإعدام أو لا». وعن غياب المصحات، رد النمرة: «الوضع الاقتصادي السيئ للحكومة في غزة، بالإضافة إلى الحصار هي أسباب ذلك... نعترف بأن حالات كثيرة تحتاج إلى علاج، لا الى السجن».
وبالنسبة إلى محاولات العلاج بالأدوية البديلة، فإن أطباء كثراً في غزة يتقاضون آلاف الدولارات من المدمنين وذويهم مقابل علاجهم بأدوية بديلة، ثم يكتشف المريض أنه خرج من إدمان عقار الترامادول ليدخل في إدمان العقارات المهدئة والمنومة، وهذا ما يفتح الباب أمام وجه آخر لانسداد الطرق أمام من يريد التخلص من الإدمان في غزة.