تزايدت الأصوات «الجهاديّة» المنتقدة لسلوكيّات «جند الأقصى» في محافظة إدلب، وبتناسبٍ مع استمرار الأخيرة في فرض هيمنتها من دون التردّد في مهاجمة أي مجموعة أو «تطبيق الحدود» وفقَ منظورها المتطرّف. كان اغتيال مازن قسّوم «قائد لواء سهام الحق» التابع لـ«فيلق الشام» (ذي التوجه الإخواني) مناسبةً لشنّ حملة جديدة على «جند الأقصى» التي اتّهمت بالوقوف وراء العمليّة. لم تقتصر مطالب مناوئي «جند الأقصى» على تسليم قاتل قسّوم، بل تعدّتها إلى المطالبة بتصفية الجماعة بأكملها «كما حصل حين اغتالت جبهة ثوار سوريا مؤسس جند الأقصى».
الحملة ركّزت في خطابها على مطالبة «النصرة» بإعلان موقف واضح من «الجند»، نظراً إلى الحلف الوثيق بين الطرفين، وعمد مطلقو الحملة إلى اتّهام «جند الأقصى» بتبنّي منهج «داعش»، وبـ«موالاته سرّاً». والواقع أن «داعش» بات شمّاعة يُعلّق عليها تطرّف أي جماعة مسلّحة في سوريا، بينما تقول المعطيات إنّ «جند الأقصى» هي مجموعةٌ محسوبة على الخطّ «الخراساني» داخل «النصرة». فمنذ انفصال «جند الأقصى في بلاد الشام» عن «جبهة النصرة» (أيلول 2013) كان من الواضح أنّ الجماعة ترى في الحرب التي شنّتها «النصرة» وحلفاؤها على تنظيم «الدولة الإسلاميّة» سلوكاً خاطئاً. وبسبب العلاقات «الجهاديّة» الوثيقة التي كانت تجمعه بقادة «داعش» و«النصرة» على حدّ سواء، اختار مؤسس الجماعة أبو عبد العزيز القطري (محمد يوسف عثمان العثامنة، فلسطيني الأصل، عراقيّ المولد) مبدأ «النّأي بالنفس»، لينفصل عن «النّصرة» (التي كان قد أسهم في تأسيسها أيضاً) وبرفقته نحو 1000 مسلّح من «رافضي الاقتتال»، معظمهم من «المهاجرين»، كانوا نواة «جند الأقصى». وكان «القطري» وجماعته يأملون أن يتمكنوا لاحقاً من «رأب الصدع بين إخوة الجهاد». نقطة التحول في مسيرة «الجند» كانت اختفاء أبو عبد العزيز (أواخر عام 2013، وعُثر على جثته في تشرين الثاني 2014 في مقبرة جماعيّة قرب أحد مقار «جبهة ثوار سوريا») (راجع «الأخبار»، العدد 2441). بعد اختفاء «القطري» بفترة وجيزة أُعلن إنشاء «تحالف المهاجرين والأنصار» الذي ضم إضافة إلى «جند الأقصى» كلّاً من «لواء الأمة»، «لواء الحق في إدلب»، و«لواء عمر»، وعُقدت اتفاقيّة «أخوّة وجهاد» غير معلنة بين «التحالف» و«حركة أحرار الشام». اتّخذ «التحالف» من ريف حماه الشمالي مسرحاً لنشاطه الذي دُشّن بارتكاب مجزرة معان الشهيرة («الأخبار»، العدد 2219). لم يدم «التحالف» طويلاً، سرعانَ ما أفلح أبو محمد الجولاني في إقناع قادة «الأقصى» بالعودة إلى أحضان «النّصرة». كسب الجولاني حينها تسابقاً بينه وبين قائد «أحرار الشام» حسان عبّود (أبو عبد الله الحموي) على استقطاب «جند الأقصى»، نظراً إلى خبرات «مهاجري» الجماعة الحربيّة. كان الدافع الأساس لدى الجولاني هو الخشية من تضاؤل أعداد «المهاجرين» في صفوف «النصرة» بعد انحياز عدد كبير منهم إلى «داعش» إبّان نشوب «الحرب الأهلية الجهاديّة». وبفعل التوافق الجديد مع «النصرة» نقل «جند الأقصى» نشاطهم الأساسي إلى ريف محافظة إدلب، نزولاً عند إلحاح الجولاني. كان ثمّة سببان وراء ذلك الإلحاح: المُعلن المتعلّق بسهولة وصول الإمدادات عبر الحدود التركيّة، والخفي المرتبط برغبة الجولاني في الإفادة من «جند الأقصى» لتعزيز نفوذه في إدلب لمواجهة تعاظم نفوذ «أحرار الشام» هناك. لاحقاً أثبت «جند الأقصى» أنّهم «خير حليف للنصرة»، خاصة بعد اكتشاف جثة «القطري»، وتشارك «الجند» و«النصرة» في تصفية «جبهة ثوار سوريا». كذلك، لعب «انغماسيّو جند الأقصى» دوراً محوريّاً في معارك السيطرة على إدلب، وأثبتوا أنّهم دعامة أساسية من دعامات «جيش الفتح» (إلى جانب انغماسيي «الحزب الإسلامي التركستاني»). بعد السيطرة على إدلب استمرّ التعاون وثيقاً بين «جند الأقصى»، و«النصرة» في بسط النفوذ، ولعبت «القوّات المشتركة» دوراً محوريّاً في «تمدّد» الحليفين في ريف إدلب، عبر السيطرة على مقارّ ومراكز لمجموعات صغيرة في عدد من القرى. أمام المعطيات السابقة، يبدو من المرجّح أن ترفض «قيادة النصرة» الرضوخ للضغوط المتزايدة، وأن تسعى إلى إيجاد «مخرج تصالحي» يُجنبها التضحية بحلفائها، خاصة مع ما تعنيه التضحية من تأليب «المهاجرين» المنضوين تحت راية «النصرة»، وبالتالي خسارة «القوّة الضاربة».

«أس الصراع» يُبشّر بـ«شورى أهل العلم»

يُعتبر صالح الحموي «القيادي» المفصول من «النصرة» من أبرز «الوجوه الجهاديّة» المشاركة في الحملة ضد «جند الأقصى». الحموي الشهير باسم «أُس الصراع» سارع أمس إلى الكشف عن «تحضيرات جارية على قدم وساق لتأسيس مجلس شورى أهل العلم في الشام». وفي سلسلة «تغريدات» كشف الحموي عن بعض الأسماء «الوازنة» في المجلس الذي يبدو الحموي «عرّاباً» له. ومن أبرز الأسماء من غير السوريين «الشيخ محمد ولد الددو الشنقيطي، والشيخ عمر الحدوشي أبو الفضل، والدكتور عبد الله المحيسني». أمّا السوريّون فمنهم «الدكتور سعد عثمان، والدكتور أحمد فارس السلوم، والشيخ أبو العباس الشامي...». وأكّد الحموي أن «أسماءً كبيرة ستدخل في الهيئة التأسيسية ستكون مفاجِئة». كذلك سارع إلى نشر بيان باسم «المجلس» يدين اغتيال مازن قسّوم، ويطالب «جند الأقصى» بـ«وضع نفسه تحت تصرّف المحاكم الشرعيّة».