الرباط | وأخيراً، اعتمدت وزارة العدل المغربية رسمياً قراراً يسمح للمغربيات لأول مرة بمزاولة مهنة «العدول» (المأذون الشرعي)، وذلك تنفيذاً لتعليمات ملك البلاد، محمد السادس، الأمر الذي أثار جدالاً فقهياً وحقوقياً واسعاً، وصل إلى حدّ إبداء حركات وشخصيات إسلامية تحفّظها.
وهذه المهنة الشرعية ظلت حكراً على الرجال لعقود، لكن صار الآن بإمكان النساء التوثيق لمختلف أنواع العقود، كالبيع والزواج والطلاق وغيرها، علماً بأن مبادرة الملك ليست الأولى عربياً، إذ سُمح بذلك في تونس منذ سنة 2007. وبعد ذلك بعام، خطت مصر خطوة شبيهة، فيما كانت أمل سليمان عفيفي أول امرأة تخترق هذا العالم الذكوري، وذلك في 25 تشرين الأول 2008.
أما في الخليج، فتظل تجربة الإمارات الأولى، إذ عيّنت أول مأذونة شرعية، هي فاطمة العواني، في دائرة القضاء في العاصمة أبو ظبي.
بالعودة إلى المغرب، الذي يترأس سلطته الدينية ملك البلاد، بصفته الدستورية «أميراً للمؤمنين»، لم يسمح للنساء بالعمل في هذا المجال حتى حدود 22 كانون الثاني الماضي، بموجب بيان للمتحدث الرسمي باسم القصر، بعد ترؤس محمد السادس مجلساً وزارياً، إلى أن عملت وزارة العدل على سنّه رسمياً الأربعاء الماضي.
ورغم كون القرار من تعليمات الملك، لم يمنع ذلك حركات وشخصيات إسلامية من إبداء تحفّظها على القرار، ولو ضمناً. ومن هؤلاء رئيس الحكومة المغربية المعفى، والأمين العام السابق لحزب «العدالة والتنمية»، عبد الإله بنكيران، الذي قال في مهرجان لشبيبة حزبه، قبل أيام من إعلان الملك، إن «القرار خلق لنا في الحزب تخوّفاً كبيراً في البداية... لكن عدنا إلى رأي الفقيه عالم المقاصد، أحمد الريسيوني، في الأمر، وسلّمنا وقلنا لا بأس».
ويستند الرافضون إلى رأي فقهي يطالبون بموجبه بـ«استثناء المأذونات الشرعيات من إبرام العقود المتعلقة بالزواج والطلاق التزاماً بالمذهب المالكي» المعتمد في المغرب. أما بقية المعترضين، فرفضوا أن توثق النساء العقود كيفما كان نوعها، بعلة أن «شهادتها هي نصف شهادة الرجل بمنطوق القرآن». هذا الجدل لم يبق حبيس رأي الفقهاء والعوام، بل شمل القانونيين والمهنيين، إذ قال رئيس «الاتحاد الوطني لعدول المغرب»، محمد الساسي، لـ«الأخبار»، إن «المرأة المغربية مرحّب بها مبدئياً في هذه المهنة بسبب القيمة التي ستضيفها على الميدان».

تنسّق الحكومة مع المؤسسات الدينية لضمان تعامل الناس مع المأذونات
لكنه لفت إلى «تحفّظ» على توثيق المرأة عقود الزواج والطلاق، مرجعاً ذلك إلى أن علماء المالكية، الذين يقبلون شهادة النساء في ما يتعلق بالمال فقط، لا يقبلونها في قضايا الأحوال الشخصية.
جراء ذلك، تراهن الحكومة على استصدار رأي رسمي من «المجلس العلمي الأعلى» (أعلى مؤسسة رسمية للإفتاء في المغرب) تكون له الكلمة الفصل. وهو ما ذهب إليه عضو «لجنة الحوار في الهيئة الوطنية للعدول»، عبد السلام سعيد، الذي قال إن «النظر في إمكانية إبرام النساء عقود الزواج والطلاق متوقف على الرأي الشرعي للمجلس الأعلى». وأضاف سعيد أنه من غير هذا «ستُخلق حالة فوضى عند الناس، وسيعدلون عن التوجه إلى المزاولات مهنة العدول بحجة أن شهادتهن غير شرعية». هذه النقطة فطنت إليها الحكومة، وهو ما دفع وزير العدل محمد أوجار إلى إصدار تصريح يؤكد فيه أن وزارته بصدد إنجاز دراسة بالتعاون مع المؤسسات الدينية للإجابة فقهياً عن جواز توثيق النساء هذه العقود.
وسط هذا الجدل، يرى مراقبون أن الخطوة تعكس انفتاحاً وحداثة، ولا سيما أن المرأة صارت ناجحة في كل الميادين، ولا سيما القضاء. هنا يقول محمد الهسري، وهو محامٍ مغربي مختص في قضاء الأسرة والأحوال الشخصية، إن «القرار الملكي إنقاذ للمرأة من كل الحواجز التي تكبّلها وتعطّل جزءاً أساسياً من المجتمع». ويضيف أن القرار «شجاعة تساهم في دعم انفتاح المغرب وملاءمة مختلف تشريعاته، كما يساهم في التطور الذي شهده المغرب على المستوى التشريعي ثم مع الاتفاقات الدولية المعنية بالمساواة».