يبدو أن الأداء الأممي مع تولي البريطاني، مارتن غريفيث، مهماته في آذار/ مارس المقبل، لن يغاير ما سُجّل للمبعوث الحالي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، طوال فترة حلوله في منصبه منذ 25 نيسان/ أبريل 2015، وحتى إعلان استقالته في 22 كانون الأول/ يناير الماضي. هذا ما توحي به التحركات البريطانية التي تستبق بدء مهمة غريفيث، وكذلك المواقف الأممية المصاحِبة لها، التي تغدو معها سيرة المبعوث الجديد، التي أَمل فيها البعض خيراً، غير ذات أهمية واقعاً.
يوم أمس، أفيد عن تقدم بريطانيا بمقترح إلى مجلس الأمن لإصدار بيان يشيد بتعهد السعودية والإمارات بتقديم نحو مليار دولار لتخفيف حدة الأزمة الإنسانية في اليمن. وتعبّر مسودة البيان المذكور عن «تقدير» الدول الأعضاء في المجلس لذلك التعهد، وأيضاً لاعتزام السعودية إيداع مليارَي دولار في البنك المركزي اليمني. «تقديرٌ» لا يكتفي به المشروع البريطاني، بل يذهب إلى حدّ تجهيل هوية من يفرض الحصار على اليمن، ويوقع العدد الأكبر من الضحايا بين المدنيين، عبر إعرابه عن «مخاوف» الدول الأعضاء «بشأن الخسائر بين المدنيين بشكل عام، والقيود على واردات الأغذية للأغراض التجارية والإنسانية والإمدادات الطبية والوقود». وتكمل المسودة بمساواتها في المسؤولية عن الوضع الحالي بين جميع الأطراف، من خلال دعوتها إياهم إلى «السماح بوصول المساعدات إلى اليمن دون عراقيل».
هذا المشروع «المنحاز» أثار سخط المنظمات الدولية الحقوقية، وفي مقدمتها منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي رأت، على لسان مدير قسم الأمم المتحدة فيها، لويس شاربونو، أن «البيان الذي يدين طرفاً واحداً، وهو الحوثيون، ولا يذكر حتى انتهاكات الطرف الآخر، وهو التحالف بقيادة السعودية، يغذي مناخ الحصانة». وشدد شاربونو على أنه «يتعين على مجلس الأمن أن يسمي ويفضح الجميع».
وجاء الكشف عن المقترح البريطاني بعد ساعات من رفع خبراء أمميين تقريراً بشأن اليمن إلى مجلس الأمن، وُصف هو الآخر بـ«المنحاز» و«غير المهني». إذ إنه، على الرغم من اتهامه السعودية بـ«استخدام التهديد بالتجويع كوسيلة حرب»، برّر، بنحو غير مباشر، الحصار المفروض على اليمن عبر إرجاعه القيود المفروضة على الواردات إلى ضعف ثقة «التحالف» بعمليات التفتيش التي تقودها الأمم المتحدة، مشدداً في هذا الإطار على ضرورة «تحسين الثقة... لكفالة زيادة تدفق الإمدادات». كذلك، لم يمتنع معِدّو التقرير عن المماثلة بين الغارات التي نفذها طيران «التحالف» على المدنيين، وبين «استخدام الحوثيين العشوائي للذخائر المتفجرة»، معتبرين أن الأمرين «أحدثا آثاراً غير متناسبة على المدنيين والهياكل الأساسية المدنية»، في وقت تؤكد فيه معظم التقارير الدولية أن السواد الأعظم من ضحايا الحرب الدائرة في اليمن سقطوا جراء الغارات السعودية.
ولم يقتصر التقرير الأممي على ذلك، بل إنه تضمن، وفقاً لمسؤولين من حركة «أنصار الله»، معلومات «كاذبة» عن قيام الحركة بإعدام 3 قياديين عسكريين موالين للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، هم: اللواء مهدي مقولة، العميد عبد الله ضبعان، والعميد مراد العوبلي. وإذ نفت «أنصار الله» تلك «الاتهامات الباطلة»، مؤكدة أن سلطات صنعاء لم تستقبل فريق الخبراء الذي أعدّ التقرير، أوضحت مصير أولئك القياديين الذين أورد الخبراء أسماءهم. وبحسب تصريحات نُقلت عن أحد القياديين في الحركة، فإن «اللواء مقولة لم يتعرض لأي أذى، وهو في منزله في صنعاء تحت الإقامة الجبرية، ويحظى بضمان الشيخ عبده بن حبيش، زعيم قبيلة سفيان، بعدما سلم نفسه إليه في الثالث من كانون الأول/ ديسمبر الماضي». أما العميد ضبعان فقد «أُفرج عنه في 27 كانون الأول/ يناير الماضي»، فيما لا يزال «العميد العوبلي مُتحفَّظاً عليه في جهاز الأمن السياسي».
كذلك، نفى القيادي في «أنصار الله» أن يكون مصدر الأسلحة التي في حوزة الحركة إيران، قائلاً إن «كل سلاح الجيش واللجان الشعبية صناعة روسية وغنائم من جبهات القتال، إلى جانب كميات محدودة من الأسلحة الخفيفة تُشتَرى من الأسواق المحلية لبيع السلاح في المحافظات». وجاء هذا الكلام تعليقاً على ما قال فريق الخبراء إنها «مخلفات قذائف، ومعدات عسكرية متصلة بها، وطائرات عسكرية مسيرة من دون طيار، ذات أصل إيراني» تمكن من توثيقها. واتهم الفريق إيران بأنها «أخفقت في اتخاذ التدابير اللازمة لمنع توريد قذائف قصيرة المدى، وصهاريج تخزين ميدانية، وطائرات عسكرية مسيرة، أو بيعها أو نقلها» لـ«أنصار الله». وتشكل تلك الادعاءات تصديقاً للرواية الأميركية، التي سبق أن أعلنت الأمم المتحدة، تعليقاً على «مسرحية نيكي هايلي» في نيويورك أواسط شهر كانون الثاني/ يناير الماضي (عرضت هايلي يومها ما ادعت أنها آثار «الصاروخ الإيراني» الذي أُطلق على الرياض في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت)، أنها لم تجد عليها «أدلة قاطعة».
تصديق سرعان ما بادرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة في استغلاله، عبر دعوتها، أمس، مجلس الأمن، إلى التحرك ضد إيران. وقالت هايلي، في بيان إن «الوقت حان» لذلك، لافتة إلى أن تقرير الخبراء الأمميين «يسلط الضوء على ما قلناه منذ أشهر، من أن إيران نقلت أسلحة بطريقة غير شرعية، في انتهاك لقرارات مجلس الأمن». وتابعت هايلي أنه «لا يمكن العالم الاستمرار في السماح لهذه الانتهاكات الصارخة بأن تتواصل من دون رد»، مشددة على ضرورة أن «تتحمل إيران عواقب تحديها المجتمع الدولي».
(الأخبار)