الجزائر | لم تمر مساعي أئمة للتوسط في نزاع نقابي قائم بين وزارة التربية والمدرّسين المضربين في الجزائر، من دون إحداث جدل في الأوساط السياسية والإعلامية والمدنية، طبَعَهُ الغضب والسخرية والاستغراب. وقد عززت الوساطة التي يقومُ بها إمامٌ كان عضواً في السابق في «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة، لوقف إضراب الأساتذة، مخاوف زرعتها وزارة الشؤون الدينية قبل عامين حين تدخلت في محتوى مادة التربية الإسلامية في المناهج الدراسية كأنّها موضوعٌ يخصّها ولا يخص وزارة التربية.
«جمعيات أولياء التلاميذ»، وهي منظمات مدنية غير حكومية، وجّهت خطاباً شديد اللهجة للوزيرة نورية بن غبريط، تُطالِبُها فيه بحلّ مشاكل القطاع في إطار الأسرة التربوية من دون تدخلات من «جهات غريبة». وأكد مشاركون في منتدى عقدته هذه الجمعيات، أول من أمس، في مدينة البويرة بوسط البلاد، أنّ الإضراب المفتوح الذي ينظمه المدرّسون منذ أسابيع في ولايات، ومنذ ثلاثة أشهر في ولايات أخرى، أخلّ بمسار الموسم الدراسي وستنجم عنه أضرار جسيمة ما لم يصحح الوضع «في أقرب وقت»، شرط أن يتمّ إيجاد صيغة توافق مباشر بين الإدارة ونقابة الأساتذة، وليس بوساطات «غريبة».
رابح طبال، وهو نائب رئيس الجمعية، وصف، في لقاء مع الصحافة على هامش المنتدى، هذه الوساطة بـ«المشبوهة»، وقال إنّ مكان الإمام في المسجد وليس بالانشغال في أمور بعيدة عنه كل البعد. وكتبت الصحف مقالات وتقارير مشبعة بتصريحات لشخصيات استاءت، أو حتى استهجنت، من مبادرة الأئمة التي جسّدها لقاء جرى يوم الثلاثاء بين إمام «الجامع الكبير» علي عية، والوزيرة بن غبريط، بحضور شركاء في الوساطة. ونوقش الموضوع على مئات الصفحات على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تساءل كثيرون عمّا يمكن أن يولده تنسيق بين إمام «سلفي» أشدّ خصومه هم أنصار الوزيرة، ووزيرة «حداثية» أشدّ خصومها هم أتباع الإمام.
في السياق، كتب عدة فلاحي الذي كان لسنوات مستشاراً رئيسياً لوزير الشؤون الدينية، على صفحته ساخراً: «لا هي تُمثِّل الحداثة ولا هو يُمثِّل الدين... هذا الأسلوب في معالجة مثل هكذا قضايا، ضرره أكبر من نفعه حتى إن أسفر اللقاء عن انفراج في صراع كسر العظام بين وزارة التربية والنقابة».
في ظلّ هذا المشهد، لم تُخفِ أوساط سياسية وإعلامية ومدنية قلقها إزاء تزايد تدخل «القطاع الديني» في أمور تخص المدرسة التي يجب أن تكون مستقلة عن تأثير الفكر الديني والمؤسسات الدينية. وذكّر كثيرون بمساعي وزير الشؤون الدينية محمد عيسى، للإشراف على إعداد مادة التربية الإسلامية التي تتضمنها مناهج وزارة التربية.
وكان الإمام علي عية قد فاجأ الجميع بنشره يوم الثلاثاء، على صفحته الخاصة على «فايسبوك»، صور الاجتماع، مرفقةً ببيان أكد فيه أنّه يقود وساطة لإنهاء الإضراب، مضيفاً أنّ اللقاء مع الوزيرة دام ثلاث ساعات كاملة جرى خلالها النقاش حول جميع المسائل الخلافية المطروحة بين نقابة الأساتذة والإدارة وسبل حلها. وجاء في البيان أيضاً أنّ اجتماعاً آخر ضمه مع قيادة النقابة لمدة ساعتين، نوقشت خلاله النقاط نفسها، وأثمر قراراً مبدئياً بتعليق الإضراب بدءاً من الخميس (أمس)، ومباشرة الحوار بعد غدٍ الأحد. ودعا في تصريحات صحافية إلى معالجة المشكلة، بعيداً عن استخدام أساليب «العصا الغليظة».
لكن في خضم الغموض والتناقضات والمخاوف، أعلنت الوزيرة في بيان صدر مساء أول من أمس، أنّ اللقاء الذي جمعها بإمام «المسجد الكبير» كان لقاء عادياً مثلما حدثت لقاءات مع غيره من الشخصيات الاجتماعية والسياسية. وأكدت أنّ الإمام طرح موضوع الوساطة، لكن الردّ كان بالرفض كون القضاء فصل في عدم شرعية الإضراب، وبالتالي من غير الطبيعي التوسط لحل مشكلة فصل فيها القضاء. لكنّها أكدت في الوقت نفسه أن أبواب الحوار مفتوحة لإيجاد الحلول لكل المشكلات إذا توقف الإضراب.
جدير بالذكر أن الشيخ علي عية (64 عاماً) كان ينتسب إلى «جماعة الدعوة والتبليغ»، وكان في الثمانينيات يهيمُ في الشوارع مُعترضاً سبيل الناس لسحبهم إلى المسجد بغية أداء الصلاة وحضور الحلقات التي انتشرت وقتها، التي كان من نتائجها تأسيس خلايا تنظيمية تحوّلت إلى أحزاب دينية بعد انتقال البلاد إلى نظام التعددية. وفي مطلع التسعينيات، صار أحد أهم كوادر «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، وكان من بين أكثر خطباء المساجد تشدداً ضد الشيوعيين والعلمانيين والليبراليين. وعرف بعبارته الشهيرة «حكم الله شرع الله» حين يردّ على أيّ أسئلة حول موضوع الديموقراطية. وفي منتصف التسعينيات، اختطفته «الجماعة الإسلامية المسلحة»، وهي أكثر الجماعات الإرهابية دموية وقتها، وسجنته وعذبته جسدياً ونفسياً بدعوى أنّه لم يُصدِر فتاوى تُبيح سلوكها.