الجزائر | سجّل التقرير السنوي للمصرف المركزي في الجزائر ملاحظات مقلقة حول الوضع المالي العام للبلاد، إذ كشف عن أن الاحتياطات الرسمية للصرف شهدت تقلصاً قدره 16.8 مليار دولار، حيث انتقلت من 114.1 مليار دولار في نهاية كانون الاول عام 2016 إلى 97.3 ملياراً في نهاية كانون الأول عام 2017.
ويرجع الانخفاض في مستوى احتياطات الصرف في عام 2017، الذي كان بنحو 16.8 مليار دولار، إلى عاملين: انخفاض فعلي في ميزان المدفوعات بحجم 23 مليار دولار، وأثر تغيرات سعر الصرف لسلة العملات الأجنبية المكوّنة من اليورو والدولار أساساً.
وحذر المصرف المركزي المعروف باسم «بنك الجزائر» من أن استمرار تآكل احتياطات الصرف قد يقلّل من هامش التصدي للصدمات الخارجية، معتبراً أنه في ظل مستوى العجز في الحسابات الخارجية، الذي يبقى مرتفعاً، فإن الحكومة الجزائرية مطالبة ببذل المزيد من الجهود لرفع مستوى العرض المحلي من السلع لضمان قابلية استمرار ميزان المدفوعات على الأجل المتوسط، والحد من تآكل الاحتياطات الرسمية للصرف.
وفي تعليق على معطيات «بنك الجزائر»، يقول الخبير المالي فرحات آيت علي، لـ»الأخبار»، إنّ تآكل احتياطات الصرف المتواصل، يبيّن أن الجزائر من دون هذه الاحتياطات ليست قادرة، عبر الجباية العادية، على تمويل ميزانيتها أو الحد من انهيار قيمة عملتها.
ويوضح آيت علي أن الاقتصاد الجزائري لا يزال قائماً على مداخيل البترول فقط، عكس ما تحاول الحكومة تسويقه، عبر الترويج لنموذج اقتصادي جديد مبنيّ على تطوير قطاع الصناعات والخدمات.
وفي عام 2017، شهدت الصادرات من المحروقات (تمثل 97 في المئة من الصادرات الجزائرية) ارتفاعاً لتبلغ 31.6 مليار دولار في مقابل 27.9 مليار دولار في عام 2016.
وانخفضت قليلاً الصادرات خارج إطار المحروقات لتبلغ 1.3 مليار دولار في مقابل 1.4 مليار دولار في عام 2016.
وبناءً على ذلك، ارتفع اجمالي الصادرات في عام 2017، ليبلغ 32.9 مليار دولار في مقابل 29.3 مليار دولار في عام 2016.
أما الواردات من السلع، فقد واصلت انخفاضها في عام 2017، ولو بتواضع، لتبلغ 48.7 مليار دولار، مقابل 49.4 مليار دولار في عام 2016.
وبناءً على هذه المعطيات، أظهر الرصيد الإجمالي لميزان المدفوعات لعام 2017 عجزاً قدره 23.3 مليار دولار، مقابل 26.3 مليار دولار في عام 2016.

خبير اقتصادي: انتظار ارتفاع أسعار النفط هو مثل انتظار الوهم

وتحت ضغط ارتفاع قيمة اليورو مقابل الدولار في الأسواق الدولية، أقفل الدينار الجزائري في عام 2017 على انخفاض في قيمته مقابل العملة الأوروبية بواقع 15.36 في المئة مقابل ارتفاع بواقع 0.59 في المئة في عام 2016.
وتأتي هذه الأرقام المتشائمة في وقت تتزايد فيه التصريحات الرسمية المحذرة من تدهور الوضع المالي للجزائر. وكان أخطر تلك التصريحات غير المعهودة بتلك النبرة، ما ورد على لسان وزير التجارة محمد بن مرادي الذي تحدث إلى وكالة الأنباء الرسمية، قائلاً: «يجب أن نعي جيداً أنّ النار تضرم في المنزل. فبغضّ النظر عن الميزان التجاري في مجال الطاقة، فإنّ كل الفروع الأخرى تسجّل عجزاً. الحقوق الجمركية تتضمن 99 فصلاً، منها 95 تعاني من عجز مع كل دول العالم، بما فيها العربية. وإذا لم نتّخذ أيّ إجراء، فلن يتبقّ لدينا في خلال عامين إلى ثلاثة أعوام أيّ موارد مالية لاستيراد أيّ مادة، بما في ذلك الحبوب. لقد فقدنا في ثلاث سنوات حوالى 50 في المئة من احتياطاتنا، أي 44 مليار دولار».
وزاد وزير المالية عبد الرحمن من حدة القلق، عندما اختار أن يصرّح من الإمارات، على هامش اجتماع لوزراء المالية العرب ومسؤولين من صندوق النقد الدولي لمناقشة الإصلاحات المالية في المنطقة، بأن الجزائر في طريقها نحو رفع الدعم كليّاً عن مواد الطاقة، وهو إجراء من شأنه أن يتسبّب في تدهور كبير للقدرة الشرائية.
وقال الوزير إن الحكومة الجزائرية تتّجه نحو إحداث إصلاحات في نظام الدعم، بغرض التخلص من عجز الميزانية، خلال مدة تتراوح بين ثلاث وأربع سنوات، وستعمد من خلالها إلى تخفيض الدعم الموجّه للبنزين خلال العام المقبل في مرحلة أولى، تليها مرحلة ثانية تستهدف رفع الدعم عن سلع أخرى في عام 2020.
ومعروف أن الجزائر تدعم المواد الطاقوية والحليب والقمح والكهرباء والماء، في حين تقوم بوضع سقف لأسعار مواد الزيت والسكر.
وتبلغ الميزانية الموجّهة للدعم سنوياً ما يقارب 18 مليار دولار، وهو ما يعادل 10 في المئة من الناتج المحلي الخام.
وفي تقدير الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول، فإن الجزائر معرّضة لصدمات قادمة في آفاق عام 2020، إذا لم تقم بالإصلاحات اللازمة التي تعيد تقوية النسيج الصناعي، الذي لا يشكل حالياً سوى خمسة في المئة من الناتج المحلي الخام.
وقال مبتول في مساهمة مكتوبة، حصلت عليها «الأخبار»، إنّ انتظار ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 80 دولاراً هو مثل انتظار الوهم، لأن كل التقديرات تصبّ في أن معدل الأسعار لعام 2018 سيتراوح ما بين 56 و57 دولاراً، ما يعني ضرورة الاستعجال في القيام بالإصلاحات الهيكلية المطلوبة، على غرار التقليص من حجم تدخل القطاع العام في الاقتصاد (يشغل حالياً 70 في المئة من الأيدي العاملة)، وتحسين مناخ الاستثمار، حيث تقبع الجزائر في مراتب متأخرة في تقرير البنك الدولي حول ممارسة الأعمال، واستيعاب الكتلة النقدية التي تدور خارج المجال الرسمي، والتي تقدر بحوالى 42 مليار دولار، وهو مبلغ يحرم الخزينة العمومية من مليارات الدينارات سنوياً من الضرائب.