تمضي السعودية، ومعها معظم الدول الخليجية، قدماً، في تعزيز روابطها بإسرائيل، ونقل ما كان مضمراً منها إلى العلن، على طريق تطبيع العلاقات مع هذا الكيان، وتهيئة الأجواء الملائمة لإبرام «صفقة القرن». آخر خطوات الرياض على هذا الصعيد ما أفيد به عن موافقتها على السماح للطائرات التابعة لشركة طيران الهند بالمرور إلى إسرائيل عبر أجوائها. وعلى الرغم من أن السلطات السعودية نفت صحة تلك الأنباء، إلا أن الإعلان الهندي عن المشروع والذي قارب الجزم بإمكانية تطبيقه، والسياق الذي يندرج فيه الحديث المتقدم، يجعلان من العسير تكذيب نيودلهي ومعها تل أبيب أيضاً.
وأعلنت شركة طيران الهند، «إير إنديا»، أمس، أنها تعتزم البدء في تسيير رحلات مباشرة إلى إسرائيل، بما من شأنه تقليص مدة الرحلات وتوفير الوقود مع ما لذلك من انعكاسات على أسعار التذاكر التي تأمل نيودلهي بيع كميات أكبر منها بتكلفة أقل. وأشارت الشركة إلى أنها اقترحت المرور عبر الأجواء السعودية المغلقة (في العلن) منذ 70 عاماً أمام الطائرات الإسرائيلية أو تلك التي تتجه إلى إسرائيل. وإذ قالت «إير إنديا» إنها تنتظر موافقة المملكة على عبور أجوائها، أعلنت أن هذه الرحلات ستبدأ في أوائل آذار/ مارس المقبل، وأنها ستكون بمعدل ثلاث رحلات أسبوعياً، ما يوحي بأن الاتفاق قد أُبرم فعلاً، على الرغم من أن متحدثاً باسم الهيئة العامة للطيران المدني السعودية نفى أن تكون الهيئة قد منحت أي إذن من هذا النوع لطيران الهند (اللافت في التصريح السعودي أنه اقتصر على نفي وقوع الفعل في الماضي، من دون التطرق إلى إمكانية حدوثه في المستقبل من عدمها).

كل من الطرفين الخليجيين يزايد على خصمه في رفض التطبيع


وجاء الإعلان الهندي بعدما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن الرياض منحت شركة الخطوط الجوية الهندية موافقتها النهائية على تسيير رحلاتها إلى إسرائيل عبر الأجواء السعودية. وأشارت القناة الإسرائيلية الرسمية إلى أن الشركة حصلت على ترخيص من السلطات الإسرائيلية بهذا الشأن الخميس الماضي، مضيفة أنه كان من المنتظر أن تبدأ «طيران الهند» تسيير رحلاتها عبر المسار الجديد منذ أشهر، وأنها قدمت طلب ترخيص إلى تل أبيب العام الماضي، لكنها لم تتابع الأمر نظراً لانعدام الجدوى الاقتصادية للالتفاف حول المجال الجوي السعودي. بدورها، نشرت صحيفة «هآرتس» الخبر، موضحة أن المسار البديل سيسمح بتقليل مدة الرحلة ساعتين ونصف ساعة، مستدركة بأن الخطوة السعودية ستلحق ضرراً بالخطوط الجوية الإسرائيلية (العال)؛ بالنظر إلى أنه من المستبعد حصول الأخيرة على معاملة مماثلة للتعامل مع «طيران الهند». وفي الإطار المتقدم نقل موقع «جيروزاليم» عن مصدر مسؤول في شركة «العال» قوله «(إننا) نأمل في أن يُطبّق اتفاق الطيران فوق السعودية على طائراتنا أيضاً، وليس فقط على الرحلات الأجنبية»، و«(أننا) لا نرى فرقاً بين الركاب الإسرائيليين على متن الشركات الإسرائيلية، والمسافرين الإسرائيليين على متن شركات غير إسرائيلية». تصريحات ربما توطئ لخطوة أكثر تقدماً، تسمح من خلالها المملكة للناقلة الإسرائيلية بالعبور في أجوائها، بدلاً من المسار الحالي الذي تستغرق الرحلة عبره سبع ساعات.
ويأتي هذا الحديث الإسرائيلي ليستكمل سلسلة «تطبيعية» غير متسترة تكثفت حلقاتها منذ اعتلاء محمد بن سلمان سدة ولاية العهد. منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي أماطت صحف إسرائيلية اللثام عن شروع تل أبيب في اتخاذ إجراءات عملية لتدشين خط السكة الحديدية الذي يفترض أن يربط إسرائيل بالسعودية. ولفتت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، حينها، إلى أن أولى الخطوات التي تم اتخاذها في هذا الإطار تضمين الموازنة الإسرائيلية لعام 2019 بنداً ينص على تخصيص قرابة 5 ملايين دولار للمشروع المنتظر، الذي يقوم التصور الأولي بشأنه على إنشاء محطة في مدينة بيسان (شمالي فلسطين)، ينطلق منها خط إلى أحد المعابر الحدودية مع الأردن، ومنه إلى السعودية والعراق. قبل ذلك بحوالى أسبوع، كشفت صحيفة سويسرية عن وجود تعاون عسكري سري بين السعودية وبين إسرائيل، ناقلة عن مصادر لم تسمها أن المملكة تدرس حالياً شراء أسلحة إسرائيلية من بينها أنظمة دفاع للدبابات وأخرى مضادة للصواريخ (كالقبة الحديدية)، مؤكدة أن التعاون الأمني بين الجانبين وصل إلى مراحل «متقدمة جداً». وإذا أضيفت إلى تلك التقارير الأنباء التي تسري بين حين وآخر عن اجتماع شخصيات سعودية بأخرى إسرائيلية، والتصريحات الإسرائيلية المتلاحقة التي تشدد على أن الرياض باتت مستعدة أكثر من أي وقت مضى لإشهار علاقتها بتل أبيب، وهشاشة الموقف السعودي (إن لم يكن تواطؤاً) مما تعده الإدارة الأميركية للقضية الفلسطينية يصبح المشهد التطبيعي مكتمل الأركان.
مشهد ليست الإمارات والبحرين بعيدتين منه، بل هما في صلبه جنباً إلى جنب «الشقيقة الكبرى». قبل أيام، كشفت صحيفة «معاريف» عن وجود مفاوضات بين تل أبيب وبين أبو ظبي لتزويد الأخيرة بطائرات من دون طيار من إنتاج شركتي «إلبيت» و«إيروناتيكس» الإسرائيليتين. وقالت الصحيفة إن رجل الأعمال الإسرائيلي، آفي لؤومي، الذي يملك معظم أسهم «إيروناتيكس»، بات صاحب النفوذ الأكبر بين نظرائه في أبو ظبي، مضيفة أنه، ومعه شاحر كروفيتس، يحوزان راهناً مكانة رجل الأعمال الإسرائيلي، ماتي كوخافي، الذي لعب دوراً مشهوداً في تطوير العلاقات الأمنية والعسكرية الإماراتية - الإسرائيلية، بما في ذلك تزويد أبو ظبي بمنظومات دفاعية لحماية حقول النفط فيها، ومساعدتها على إنتاج طائرة «B 250» التي تم تزويد نظام عبد الفتاح السيسي وقوات خليفة حفتر بها. أما البحرين، فلم تكد تهدأ الزوبعة التي أثارتها زيارة وفد منها، باسم جمعية «هذه هي البحرين»، إلى إسرائيل، بالتزامن مع الاحتجاجات الشعبية على قرار ترامب، حتى انفضحت، الأحد الماضي، زيارة أمير هو أحد أفراد أسرتها الحاكمة إلى تل أبيب، حيث التقى وزير الاتصالات الإسرائيلي، أيوب قرا، الذي بالغ في الاحتفاء به.
وليست قطر، هي الأخرى، مستثناة من قطار التطبيع الخليجي، على الرغم من أن لخطواتها الجديدة أهدافاً مرحلية متصلة بالمقاطعة المفروضة عليها من جيرانها. خطوات كان آخرها ما كشفته صحيفة هآرتس أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي، من أن زعيم المنظمة الصهيونية - الأميركية، مورتن كلاين، زار قطر مطلع الشهر المذكور، والتقى أميرها، تميم بن حمد. وتحدثت الصحيفة عن أن شخصيات يهودية أخرى زارت الإمارة أخيراً بدعوة من تميم. والظاهر أن تلك اللقاءات تستهدف كسب تأييد اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، في مواجهة الحملة التي تواجهها قطر من قبل لوبيات خصومها هناك، والتي تتركز على «دعم الدوحة للإرهاب».
المفارقة المضحكة المبكية في خضم ذلك المشهد، أن كلاً من الطرفين الخليجيين يزايد على خصمه في رفض التطبيع، محاوِلاً استغلال كل ما يخرج إلى العلن في هذا الإطار، للتشنيع على منافسيه، واتهامهم بالتقارب مع إسرائيل.
(الأخبار)




الكويت وحيدةً... في رفض التطبيع

وحدها الكويت تبدو خارج هذه المشهدية الخليجية. إذ لا تزال حريصة، سواء في خطابها الرسمي أو في أنشطة مجتمعها الأهلي، على رفض الانجرار خلف «الهرولة» السعودية نحو إسرائيل، محافِظةً، إلى الآن، على الثوابت المتصلة بدعم القضية الفلسطينية. وتجلت تلك الممانعة الكويتية لمحاولات السعودية في جذب «الأشقاء» جميعهم إلى دائرة التطبيع في سلسلة فعاليات نُظمت أخيراً، وتمحورت حول سبل دعم صمود الشعب الفلسطيني، والحيلولة دون تكريس التقارب مع إسرائيل أمراً واقعاً. فعاليات كان آخرها مساء الثلاثاء، حيث نظم «الاتحاد الوطني لطلبة جامعة الكويت» و«رابطة شباب لأجل القدس» ندوة بعنوان «كويتي ضد التطبيع» في مقر الاتحاد الوطني لطلبة الجامعة. ورأى برلمانيون شاركوا في الندوة أن بلادهم تُعدّ «النموذج المثالي في مواجهة التطبيع»، مؤكدين أن «العمل جارٍ على تعزيز القانون رقم 21 لعام 1964 لمقاطعة الاحتلال وسد ثغراته». وشدد نشطاء في «حركة مقاطعة إسرائيل» في الكويت، بدورهم، على جدوى المقاطعة من الناحية الاقتصادية، فيما أكد دعاة أن «التطبيع مع الاحتلال الصهيوني خيانة تجب مقاومتها». وفي ختام الندوة، أُعلن أن مجلس قسم العلوم السياسية في جامعة الكويت وافق على مقترح تحويل مقرر الصراع العربي - الإسرائيلي إلى مقرر عام لكل طلبة الجامعة.
(الأخبار)