القاهرة | عندما تبحث الأسر الفقيرة في مصر عن متنزه خلال الإجازات والأعياد، لا تجد أمامها سوى الحدائق العامة والمراكب النيلية. هذان الخياران أغلب ما تضطر إليه العائلات الفقيرة التي تشكل نحو 27% من المجتمع المصري ــ وفق «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» ــ لقضاء عطلة بسعر لا يتجاوز دولاراً واحداً (نحو سبعة جنيهات)، قد يكلفها حياتها.ووجود المراكب المصطفة على جانبي نيل القاهرة لا يختلف كثيراً عن التناقضات التي تملأ المجتمع المصري. فإلى جوار المراكب الفارهة التي تصل أسعار الرحلات فيها إلى نحو 20 دولاراً كحد أدنى، تجد أيضاً مئات المراكب الصغيرة التي لا يتجاوز ما يدفعه الفرد لها 50 سنتاً في رحلة تستغرق نحو 25 دقيقة.

وببساطة، يمكن في المراكب الجيدة ملاحظة عناصر الإنقاذ من مطافئ الحريق وأطواق النجاة وأجهزة الإنذار وغيرها، على العكس تماماً من مراكب الفقراء التي تخلو من عناصر الأمان، وتغيب الرقابة عنها بسبب سيطرة عائلات من «البلطجية» عليها. فوق ذلك، فإن عدداً ليس بقليل من أصحاب هذه المراكب «النيلية» يعيشون أصلاً فيها بعدما لم يعثروا على سكن مناسب لارتفاع أسعار العقارات. ووفق الإحصاءات الرسمية، ثمة مئات من الأسر تعيش في نهر النيل داخل مراكب ورثتها عن الأجداد.
وفي ظل غياب الرقابة الشرطية لوزارة الداخلية المشغولة في تأمين أماكن أخرى، فإنه في السنوات الخمس الأخيرة تضاعفت أعداد المراكب الصغيرة وصارت وسيلة الترفيه الأرخص للأسر الفقيرة، وكذلك للفتيات والشباب في المراحل العمرية الصغيرة، الأمر الذي ضاعف حوادث تلك المركبات التي تتكرر بين حين وآخر.
وتقول الأرقام إنه في السنوات الثلاثة الماضية فقط، توفي أكثر من 100 شخص في ثلاث حوادث كبرى، آخرها مساء الأربعاء الماضي، عندما غرق 40 شخصاً بسبب اصطدام صندل (مركب نقل بضائع نيلية) ــ إحدى شركات القوات المسلحة ــ بمركب نيلي داخله أكثر من 50 شخصاً كانوا في نزهة خلال إجازة عيد الفطر، لتتحول الأنوار والموسيقى التي كانت تزين مركبهم إلى مأتم لا يزال البحث جارياً عن باقي ضحاياه حتى الآن، بعد تعثر فرق الإنقاذ في الوصول إلى جثامين بعض الركاب نتيجة سرعة التيار في النهر وعمق المياه.
وشاع أنه مات في الحادث سبعة أشخاص من أسرة واحدة، فضلاً عن أشقاء أو أقرباء آخرين كانوا معاً في ذلك الوقت، في وقت اكتفت فيه الحكومة بإعلانها صرف تعويضات (3 آلاف دولار تقريباً) لأسرة المتوفى بعد إثبات وفاته، وهو أمر يواجه مشكلة لدى بعض الضحايا بسبب وجود نحو 10 لا يزالون مفقودين.
بعد هذا الحادث، بدأت حملة أمنية ضخمة لتأمين المراكب النيلية والتأكد من هوية قائديها، علماً بأن غالبية العاملين على المراكب لم يحصلوا على تراخيص لمزاولة العمل كما نص القانون، بل إن بعضهم لم يتم الحادي والعشرين، وهو أمر سبّب غالبية الحوادث حتى الآن تقريباً. وعُلم أنه في الحادثة الأخيرة لم ينتبه قائد المركب إلى التحذيرات الصوتية الخاصة بالصندل العسكري، كذلك في حادثة سابقة أمام كاميرات التلفزيون جنح مركب بسبب قلة خبرة قائده، ما أدى إلى وفاة 16 شخصاً من عائلة واحدة.
«هيئة النقل النهري» المسؤولة عن تنظيم الحركة في النيل قالت إنها تعاني خللاً في القوانين لا يجعلها تستطيع معاقبة المتجاوزين، بينما تقول «شرطة المسطحات المائية»، وهي الجهة المنوط بها من وزارة الداخلية متابعة الحركة في النيل، إن الهيئة لا تقوم بدورها.
وفعلياً، تتشارك الجهتان المسؤولية عن ضعف التصدي لفوضى المراكب النيلية والاهتمام بمراقبتها، خاصة أن بعضها تحول إلى أوكار لتجارة المخدرات والدعارة عبر استقطاب الفتيات للرقص على المركب لجذب الشباب مع رفع أصوات مكبرات الصوت بالأغاني الشعبية.
أما رئيس «النقل النهري»، اللواء سمير سلامة، فقال لـ«الأخبار» إن تغليظ العقوبات على المخالفين حتى تصل إلى الحبس ومضاعفة الغرامة المالية «سيكون الحل الأمثل لفرض إجراءات السلامة على المراكب النيلية»، مشيراً إلى أن عدة إجراءات ستتخذها الهيئة قريباً لتنظيم حركة النقل النهري وزيادتها بنسبة 25%. وأضاف سلامة أن بعض قائدي المراكب يتعاملون «كأنهم يسيرون بمفردهم في النيل»، مؤكداً أن الأيام المقبلة ستشهد تحركات مكثفة لمنع تكرار الحادثة الأخيرة.