الرباط | حسم الملك المغربي، محمد السادس، الجدل حول جمود في التعديل الحكومي دام أربعة أشهر في البلاد عقب إعفائه خمسة وزراء على خلفية تحقيق حول أحداث الريف شمال المملكة في تشرين الأول الماضي، وهو الجمود الذي فتح باب التأويلات السياسية حول اتجاه الحكومة إلى تعديل موسع يخرج أحزاباً إلى صف المعارضة ويدخل أخرى إلى الأغلبية المشكلة من خمسة أحزاب.
طوال تلك الأشهر، بقي رئيس الحكومة، وهو الأمين العام لـ«حزب العدالة والتنمية»، سعد الدين العثماني، يواجه ضغط الصحافة، ويدفع بفكرة أن «التعديل لن يكون موسعاً»، بل «سيملأ المناصب الوزارية الشاغرة كما أشار إلى ذلك بلاغ الديوان الملكي» الآمر بالإعفاء، قبل أن يأتي القرار الملكي مستهل هذا الأسبوع بتعيين خمسة وزراء جدد.
وهؤلاء الخمسة هم: عبد الأحد الفاسي الفهري في وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، وسعيد أمزازي للتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي. كما عيّن الملك أناس الدكالي للصحة، ومحسن الجزولي وزيراً منتدباً لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي مكلفاً بالتعاون الأفريقي، والأخير منصب جديد، بالإضافة إلى محمد الغراس كاتباً للدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي مكلفاً بالتكوين المهني.

صلاحيات رئيس الحكومة في الدستور المغربي ضعيفة


وكانت الإقالات التي قررها محمد السادس في 24 تشرين الأول الماضي قد جاءت بعد صدور تقرير «المجلس الأعلى للحسابات» المعني بمراقبة الماليات العامة، وذلك إثر تحقيق أمر به الملك بعد تأخر مشروع لتنمية منطقة الحسيمة في الريف، شمال المغرب، ما أدى إلى اندلاع احتجاجات في الحسيمة ومحيطها استمرت أشهراً.
لكن لماذا تأخر تعيين الوزراء؟ يقول المتحدث باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، لـ«الأخبار»، إنه لا علاقة للحكومة نفسها بجمود التعديل، وإن الأمر «كان يتطلب اتباع منهجية توافق الملك ورئيس الحكومة حول لائحة الوزراء الجدد». أما عن نية التعديل الموسع، فقال إن العثماني «التزم منذ البداية مضمون بلاغ الديوان والعمل على ملء المناصب الوزارية الشاغرة لا البحث عن حلفاء جدد في الحكومة».
وأفاد الخلفي بأن «المشاورات انحصرت في الحزبين المعنيين (حزب التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية) ضمن إطار مؤسساتي وقانوني»، لكن مصدراً مطلعاً في «العدالة والتنمية» الذي يقود الحكومة، عزا التأخر إلى «رفض الملك لائحة وزراء تقدم بها التقدم والاشتراكية (يساري) في كانون الأول الماضي»، وهو الأمر الذي أعاد العثماني إلى المربع الأول لإعادة التشاور مع الحزب المعني لاقتراح أسماء بديلة يقبلها محمد السادس.
بعد ذلك، اقترح «التقدم والاشتراكية» كلاً من: محمد سهيبل، عبد الأحد الفاسي، كريم التاج، رشيد روكبان، سعيد الفكاك، وأنس الدكالي، لتعويض الأمين العام الحالي في حقيبة السكنى والتعمير وسياسة المدينة، وكذلك وزير الصحة الحسين الوردي. وهذا ما يؤكده مصدر ثانٍ قال إن رئيس الحكومة «لم يكن وراء استمرار تعطيل التعديل، ولم يرفض لائحة وزراء الحزب، بل سعى من أجل توافق جميع الأطراف».
أما عن دلالات هذا التعديل وصيغته، فيقول أستاذ العلوم السياسية مصطفى السحيمي، إن التعديل «يحمل في طياته ثلاث ملاحظات قوية وبادية للمراقبين»، الأولى تتعلق بـ«نجاة حزب التقدم والاشتراكية من نهايته السياسية، فقد كان التخوف من دفعه صوب المعارضة إلى جانب غريمه السياسي الأصالة والمعاصرة، وهو ما سيزيد ضعفه أكثر».
الملاحظة الثانية، طبقاً للسيحيمي، ترتبط بـ«بروفايلات الوزراء الجدد الضعيفة»، بخلاف «بروفايلات وزراء كانوا متوقعين للمناصب الشاغرة»، في حين أن الإشارة الثالثة تتعلق بـ«بنية الدستور» الذي يربط سير الشؤون العامة والعادية لحكومة البلاد بسلطة الملك، مشيراً إلى أن «الجمود» السابق ما كان ليمتد لو كانت سلطات التعيين بيد رئيس الحكومة «الذي يظل المسؤول عن فشل أو نجاح الأداء الحكومي أمام الملك».
وعملياً، إن صلاحيات رئيس الحكومة في الدستور المغربي ضعيفة، ولا تسعفه في اتخاذ قرارات الإعفاء والتعيين من دون الرجوع إلى الملك.