أتمّ العدوان التركي على عفرين، يومه الرابع، أمس، من دون إحراز أي إنجاز لافت على الأرض. واضطرت القوات الخاصة التركية وفصائل «الجيش الحر» العاملة تحت لواء «درع الزيتون»، إلى الانسحاب من معظم المناطق التي تقدمت فيها مطلع اليوم، وسط ظروف جوية قاسية تصاحب العمليات العسكرية الدائرة هناك. وكما الأيام الثلاثة السابقة، تركزت محاور الهجوم التركي على نفس المناطق، في محيط جبل برصايا التابع لناحية شران (شمال شرق) وعلى عدد من بلدات ناحية راجو (غرب)، إلى جانب تصعيد العمليات على أطراف جنديريس (جنوب غرب).
وكان أبرز تقدم للقوات المهاجمة، السيطرة على بلدة حمام التابعة لجنديريس، قبل الانسحاب منها تحت ضغط هجوم معاكس نفذته «وحدات حماية الشعب» الكردية. ولم تستطع القوات المهاجمة تثبيت وجود دائم إلا في عدد من بلدات ناحيتي راجو وبلبل الحدودي، فيما ارتفع عدد العسكريين الأتراك الذين قتلوا في العمليات ضمن عفرين، إلى ثلاثة، وفق ما أعلنت مصادر تركية. وفي المقابل، استهدفت «الوحدات» الكردية عدداً من المناطق التي تتمركز فيها القوات التركية بقذائف الهاون، إلى جانب استهداف المناطق التركية المحاذية للحدود، في ولاية كلّس. وأعلنت «الإدارة الذاتية ــ إقليم الجزيرة» حالة «النفير العام» للدفاع عن مناطق عفرين ضد الهجوم التركي، داعية «كل الأكراد في سوريا إلى حمل السلاح». وجاء إعلان «إقليم الجزيرة» الأخير في موازاة قصف تركي استهدف مواقع في ناحية رأس العين التابعة لمحافظة الحسكة، وأدى وفقاً للمصادر الكردية إلى سقوط 3 ضحايا. كذلك ترافق ووصول تعزيزات إضافية للجيش التركي إلى مختلف الوحدات العسكرية المنتشرة على نقاط التماس مع المناطق السورية التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية»، برغم تركّز معظمها في محيط عفرين. وأعلنت سلطات قضاء قرقخان، في لواء اسكندرون (ولاية هاتاي)، المنطقة المتاخمة للحدود مع عفرين منطقة أمنية لمدة 15 يوماً، يمنع خلالها دخول المدنيين من غير أبناء المنطقة، أو وجود الصحافيين وأطقم المؤسسات الإعلامية.
وحضر الرئيس التركي رجب طيب أروغان، اجتماعاً أمنياً أمس، مع عدد من كبار المسؤولين المعنيين بعملية «غصن الزيتون»، وذلك للاطلاع على التطورات المستجدة على الأرض. وتلقى أردوغان كذلك، اتصالاً هاتفياً من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، تركّز فيه الحديث على العملية العسكرية في عفرين. وبينما أكد الرئيس التركي حق تركيا في تنفيذ العملية وحرصها على حياة المدنيين، أعرب نظيره الفرنسي عن «قلقه» جراء تلك الهجمات، وفق بيان الرئاسة الفرنسية. ولم يكن اتصال ماكرون وحيداً، فقد بحث أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر الهاتف، الوضع في الشمال السوري. ووفق ما نقلت وكالة «الأناضول» عن مصادر في الرئاسة التركية، أشار أردوغان إلى أن العملية الرامية إلى تأمين الحدود التركية تساهم في وحدة سوريا السياسية وسلامة أراضيها، لافتاً إلى أهمية التنسيق مع روسيا بهذا الخصوص. ومن المتوقع أن يجري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أيضاً، اتصالاً هاتفياً اليوم بنظيره التركي، وفق ما أوضح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو. وجاء الإعلان عقب لقاء الأخير نظيره الأميركي ريكس تيلرسون، على هامش مؤتمر لبحث ملف «الأسلحة الكيميائية» في باريس، حيث بحثا قضية الدعم الأميركي للقوات الكردية في الشمال السوري، ومستجدات الوضع في عفرين. النشاط الأميركي ــ التركي، تزامن مع تجديد وزير الدفاع الأميركي جايمس ماتيس، دعوته تركيا إلى «ضبط النفس» في نشاطها العسكري وفي خطاباتها. ولفت في حديث للصحافيين المرافقين له في جولة يجريها في آسيا، إلى أن «العنف في عفرين يحدث بلبلة في منطقة كانت حتى الآن مستقرة نسبياً من سوريا».
وفي موازاة التلميحات التركية إلى نية توسيع العمليات لتشمل مناطق في الشمال السوري، بينها منبج، بدا لافتاً أن الحساب شبه الرسمي لعملية «غصن الزيتون» وعدداً من الحسابات التركية الداعمة للعملية، بدأت في تداول خريطة تظهر ما قالت إنه «منطقة آمنة» تمتد على طول الحدود مع سوريا، بما فيها شرق الفرات. وفي السياق نفسه، نقلت قناة «خبر تورك» عن جاويش أوغلو، قوله إن «الإرهابيين في منبج يطلقون دوماً نيراناً استفزازية. وإذا لم توقف الولايات المتحدة هذا فسنوقفه نحن». وأضاف أن «هدفنا هو عدم الاشتباك مع الروس أو النظام السوري أو الولايات المتحدة، ولكن محاربة التنظيم الإرهابي».
وبينما يعقد وفد أميركي رفيع المستوى اجتماعات في تركيا، مع عدد من المسؤولين المتابعين لسير العمليات في عفرين، تلمّح التصريحات الرسمية الأميركية إلى «عدم وضوح» الخطط التركية العسكرية، الخاصة بالشمال السوري. ونقلت مصادر صحافية متابعة عن مسؤول أميركي رفيع المستوى، قوله إن بلاده تحصل على «إشارات متضاربة» من تركيا حول العملية في عفرين، مشيراً إلى أن من الممكن «تصور توسّع العملية إلى أبعد من الخيار المحدود بإنشاء منطقة عازلة». وأضاف أنه «يجري التفاعل مع عدد من المحاورين الأتراك على الجانب العسكري والسياسي، كما مع وزارة الخارجية والرئيس أردوغان، ولكن رسائلهم ليست متطابقة... وهم لم يشاركوا خططهم بالكامل معنا». وحول تصور بلاده الراهن وتوجهها نحو تركيا، قال: «نحثهم على الحدّ من التوغل قدر الإمكان... لضمان محدودية العمليات من حيث النطاق والمدة»، لافتاً إلى أن واشنطن وأنقرة «ما زالتا تشتركان في تصور الوضع النهائي في سوريا». وفي تصريح لافت من المسؤول نفسه، أشار إلى أن بلاده خلال متابعتها لملف العمليات العسكرية في عفرين، تريد أن «تضمن عدم السماح لأي طرف بإعادة نظام الأسد الوحشي إلى عفرين». وأوضح أن واشنطن سلّمت عبر ممثليها في مناطق سيطرة الأكراد في سوريا، رسائل تطالبهم بعدم الذهاب إلى الغرب نحو عفرين. التوجه الأميركي بعدم دعم أي تحرك كردي غرب الفرات، حضر على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع، أدريان رانكين غالواي، الذي قال إنه إذا قررت أي وحدات من «قسد» التحرك غرباً باتجاه عفرين «حينها يظلون وحدهم، ولا يمكنهم أن يكونوا شركاء لنا».
(الأخبار)