كل ما أراد رئيس حكومة العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن يسمعه من إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في العديد من القضايا الأساسية التي تهمّ إسرائيل، تلقّاه مباشرة من على منصة الكنيست، على لسان نائب ترامب، مايك بنس.
بدءاً من قضية القدس، إلى مجمل عملية التسوية، وصولاً إلى الاتفاق النووي الإيراني، بجانب تأكيد الموقف الأميركي التقليدي المتصل بضمان أمن إسرائيل ودعمها على المستويات كافة، وهو ما يعني في المنطق الإسرائيلي أن على صناع القرار السياسي استثمار الخطاب الأكثر تبنياً لخياراتهم بالقياس إلى الإدارة السابقة، وبما يتلاءم مع قيود المرحلة التي تمرّ بها المنطقة، خاصة أن تل أبيب تدرك أن ما شهدته التطورات الإقليمية بدءاً من طهران وصولاً إلى لبنان وفلسطين بات أكبر من قدرات إسرائيل الذاتية، الأمر الذي يتطلب حضوراً أميركياً مباشراً في هذه الملفات.
مع أن بنس لم يضف جديداً نوعياً سوى تحديد موعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فإن تكرار بعض المواقف بعد تبلور ردود الفعل العربية من إعلان القدس على لسان ترامب ينطوي بذاته على دلالات ورسائل إضافية. وينطوي تكرار موقف ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي إذا لم تُجرَ تعديلات عليه، على لسان بنس ومن على منصة الكنيست، على أكثر من رسالة تهدف إلى إظهار جدية واشنطن في موقفها، بهدف ممارسة مزيد من الضغوط على الأطراف الأوروبية ومعهم إيران لشطب أي رهان لديهم حول إمكانية اعتماد إدارة ترامب سياسة ترحيل وتسويف قرار الانسحاب من الاتفاق.
وجه نائب الرئيس الأميركي رسالة إضافية إلى «أنظمة الاعتدال العربي» والسلطة الفلسطينية، فضلاً عن الشعوب، مفادها أن كل تحفظاتكم واعتراضاتكم أخذنا علماً بها، لكن النتيجة التي خلصنا إليها أن موجبات إعلان القدس «عاصمة لإسرائيل» سيجري التزامها عملياً، وبذلك ستنقل السفارة الأميركية إلى القدس قبل نهاية عام 2019. ويعكس هذا الموقف تجاهلاً لكل الأصوات الدولية والعربية المعترضة، ونتيجة لتقدير يفترض أن الإدارة الأميركية خلصت إليه في ضوء طبيعة وحجم ومفاعيل ردود الفعل التي شهدناها. وهو موقف يتناسب مع حقيقة أن كلاً من واشنطن وتل أبيب لم تتلمسا ما يدفعهما إلى القلق من أي رد فعل عربي جدي حتى على المستوى السياسي، بل لاحظوا أن جميع الخيارات الفلسطينية والعربية الرسمية عمدت إلى التعامل مع الموقف الأميركي من ضمن دائرة السقوف نفسها التي حشروا أنفسهم فيها، ولن يجدوا بينها ما يمكن أن يردع الإسرائيلي و/أو الأميركي.
للوهلة الأولى، يبدو كأن موقف بنس مجرد تكرار تقليدي من عملية التسوية، لكن الواقع أن الحديث عن استمرار مفاوضات التسوية بعد «إعلان القدس» والإصرار عليه، وتتويجه بتحديد موعد لنقل السفارة، يعني مزيداً من الضغوط على الطرف الفلسطيني من أجل التكيف مع السقف الجديد للتسوية المفترضة، وإلا فإن هناك المزيد من الخطوات المشابهة... واللغة الجديدة التي تحرص إدارة ترامب على حفرها في أدبيات التسوية، أنه «إذا أراد الجانبان، فإن الولايات المتحدة ستدعم حل الدولتين»، وهو ما يعني أن القرار الأخير حول أي صيغة نهائية للتسوية مرتبط بالموقف الإسرائيلي، باعتبار أن «حل الدولتين» مطلب السلطة الفلسطينية وطموحها على الدوام، بل هو جوهر فلسفة تبرير خيار أوسلو على أساس أنه محطة مؤقتة على طريق الدولة الفلسطينية المفترضة.
وكان لافتاً أن بنس اعتبر أن قرار القدس «يخدم السلام على أفضل وجه»، مفسراً ذلك بالقول إن الولايات المتحدة اختارت «الحقائق بدلاً من الخيال». وبالطبع لم ينس تأكيد ضوابط أي تسوية بالتشديد على أن «أي اتفاق سلام يجب أن يشمل قدرة إسرائيل في الدفاع عن نفسها وبنفسها».
وفي الموقف من الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية، كان موقف بنس امتداداً ومؤكداً لجدية الرئيس الأميركي، وأدلى بما يريد نتنياهو أن يسمعه حول ذلك. وهكذا يكون نائب الرئيس الأميركي قد تناول القضايا التي تحتل أولوية متقدمة بالنسبة إلى إسرائيل بما يلبي آمالها وطموحاتها في هذه المرحلة. فردّد الشعار المحبوب إسرائيلياً، وهو أن «الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بالحصول على أسلحة نووية» و«لن نتسامح مع دعم إيران للإرهاب»، في إشارة إلى دعمها قوى المقاومة في لبنان وفلسطين. كذلك شكل تأكيده أن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق، إن لم يُعدَّل، ترجمة للخطاب والترويج الذي يعمد نتنياهو إلى تسويقه. لكن الاختبار الجدي يكمن في النهاية بتنفيذ هذا التعهد، فيما يكمن التحدي الأكبر في الموقف العملاني من رد فعل إيران المؤكد.